دمشق - أ.ف.ب.
أتى النزاع الدائر في سورية على الدراما التلفزيونية التي كانت "فخر الصناعة" في هذ البلد، فلم يعد الانتاج التلفزيوني راهنا يتجاوز نصف ما كان عليه في السنوات السابقة حين تخطى عتبة الاربعين عملا سنويا، وأصبح في معظم أعماله يعكس الواقع السوري الغارق في الاحتجاج والقمع والعنف.
ومن الاسباب التي ساهمت في تراجع الانتاج الدرامي السوري، انسحاب رأس المال الخليجي عن تمويل الانتاج التلفزيوني السوري، واقتصاره على أعمال تتقاطع مع الرؤية السياسية لدول الخليج الداعمة للاحتجاجات ضد نظام الرئيس بشار الاسد.
"منبر الموتى" هو الجزء الثالث من مسلسل "الولادة من الخاصرة" الذي عرف في الجزئين السابقين بجرأة كبيرة في التصدي للفساد إلى حد تناول شخصيات كبيرة، قد يكون من بينها أقرباء لبشار الأسد، كما يلمح المسلسل.
ويواكب المسلسل في الجزء الجديد، الذي كتبه سامر رضوان واخرجه يوسف سبيعي، اندلاع حركة الاحتجاجات في البلاد. وبالاضافة الى عرضه لصراع المصالح بين رجال "الشبيحة" ورجال الأمن، يظهر طريقة تعامل هذين الطرفين مع المتظاهرين.
ورغم أن المسلسل يشير إلى أنه ليس وثيقة تاريخية بل "محاكاة درامية"، كما جاء في عناوين مقدمته المسلسل، فهو يقدم أحداثا مطابقة لما جرى في الواقع، من حيث اقدام أجهزة الأمن مثلا على اطلاق النار الحي على المتظاهرين بقسوة بالغة، منذ اللحظات الاولى للاحتجاجات.
ويتعرض هذا المسلسل اليوم إلى حملات تنديد وتخوين من قبل أنصار النظام الذين يطالبون بمحاكمة كل من ورد اسمه في هذا العمل، رغم أن عددا من المشاركين هم بوضوح من المؤيديون المعروفين للنظام.
وبطبيعة الحال، لم يعرض المسلسل على القنوات السورية الرسمية، لا بل ان كاتبه اعتقل قبل شهرين لمدة اسبوع، وكذلك أحجمت مخرجة الجزئين السابقين رشا شربتجي عن متابعة التصوير في هذا الجزء، في ما يبدو انه كان تجنبا للدخول في مشكلات.
في المقابل، يبدو مسلسل "سنعود بعد قليل"، من اخراج الليث حجو وتأليف رافي وهبي، مناسبا للعرض على المحطات السورية الرسمية، فهو يتناول الازمة في سورية من زاوية غير مباشرة، ومع انه يطرح دائما سؤال "هل انت مع الثورة؟"، الا ان الجواب دائما يكون رماديا، مؤداها الحياد، وان الاحتجاجات أوصلت البلد الى الخراب والتدمير.
ويتناول المسلسل الواقع السوري من خلال الواقع في الحديقة الخلفية لسورية: لبنان، البلد الصغير المجاور الذي يضم العدد الاكبر من اللاجئين السوريين، والذي يعيش توترات واضطرابات بسبب الانقاسم الداخلي فيه حول الموقف من الاحتجاجات.
ويتتبع المسلسل يوميات اسرة سورية نزح معظم ابنائها، ثم يعود الى دمشق ليلقي الضوء على حياة الاب. ويؤدي دور الاب دريد لحام، المعروف بقربه من رموز النظام وبمواقفه المؤيدة له، والذي أريد له ان يكون في المسلسل رمزا لسورية وتاريخها وحضارتها، من خلال عمله كبائع تحف وشرقيات.
ومن بين الأعمال التي تتناول ما يجري في سورية مسلسل نجدت أنزور "تحت سماء الوطن" لعدد من الكتاب، وهو صور في أماكن ساخنة، مثل مدينة داريا في ريف دمشق التي تحاصرها وتقصفها برا وجوا قوات النظام منذ اشهر طويلة في محاولة لاستعادتها من المقاتلين المعارضين.
ونجدت انزور معروف ايضا بولائه لنظام الاسد، وقد صور مسلسله على خطوط القتال بحماية الجيش النظامي.
اما مسلسل "حدود شقيقة" نص حازم سليمان وإخراج أسامة الحمد، فهو يحكي بطريقة كوميدية محاولات قرية سورية الاستحواذ على مقدرات قرية لبنانية تقع عند حدودها، ويعرض على قناة "سما"، و"الفضائية السورية"، إلى جانب قناة "الجديد" اللبنانية الشريكة بإنتاج العمل. هذا إلى جانب أعمال أخرى كمسلسل "حائرات" الذي يعالج مشكلات اجتماعية ضمن إطار الأحداث التي تجري في سوريا، منها قضية الإغتصاب والشرف نص أسامة كوكش وإخراج سمير حسين، اضافة الى المسلسل الكوميدي "بقعة ضوء" الجزء العاشر، وهو لمجموعة من الكتاب ومن إخراج عامر فهد.
هناك كذلك مسلسل "الانفجار" ويحكي عن بعض الأحداث التي تدور في سورية في قالب درامي وإجتماعي، وهو آخر أعمال الفنان خالد تاجا وصور أواخر العام 2011 ومن إخراج أسامة الحمد.
ورغم الانحسار الواضح في الإنتاج الدرامي التلفزيوني السوري، يشدد كثير من صناع هذه الدراما على القول ان الإنتاج السوري لم يتغير، بل ظهر بأشكال مختلفة، كأن يعمل مخرج سوري في إطار الدراما المصرية أو الخليجية. أو أن يجري تصوير عمل سوري في بلد مجاور.
ويقول الناقد الفني ماهر منصور ردا على سؤال لوكالة فرانس برس، ان ذلك ما هو إلا "إعادة تموضع، مكاني وفكري نسبي".
ويضيف "هو إنتاج فرضته الحالة الأمنية للبلاد، ورفض عدد من نجوم الصف الأول التصوير في سورية".
اما السينمائية السورية رشا شاهين فترى ان "الإنتاج التلفزيوني مسيطر عليه من قبل الحكومة، في بلد يعيش صراعا وثورة مسلحة لمحاولة استعادة بلد يمعن في الضياع، ولا يمكن للدراما التلفزيونية بوضعها الحالي إلا أن تقوم بالدعاية للسلطة". وتتساءل في حديث مع وكالة فرانس برس"ماذا نتوقع من مسلسلات تلفزيونية سورية منتجة ومصورة داخل سوريا وبدعم من النظام وتشجيعه؟".
أرسل تعليقك