28  كانون الثاني 1979 يقلب موازين حياة الزهرة أمسكين
آخر تحديث GMT18:16:50
 لبنان اليوم -

يومٌ خالدٌ في ذاكرة امرأة مغربية

28 كانون الثاني 1979 يقلب موازين حياة "الزهرة أمسكين"

 لبنان اليوم -

 لبنان اليوم - 28  كانون الثاني 1979 يقلب موازين حياة "الزهرة أمسكين"

السيدة الزهرة أمسكين
العيون ـ هشام المدراوي


لم تكن "الزهرة أمسكين" تظن يومًا بأنّ رحلة اعتيادية لزوجها وأبناءها في ضواحي طانطان المغربية، سوف تقلب موازين حياتها رأسًا على عقب، بعد أنّ حاصرت مليشيات تابعة للبوليساريو السيارة التي كانت تقلهم، وسط وابل من الرصاص الحي، وهي العملية التي سوف تؤدي إلى اختطاف ابنها "محمد"، لتنطلق بذلك رحلة طويلة من المعاناة.

وبعدما ساءت حالتها الصحية وتدهورت نفسيتها بشكل خطير، إذ لم تتمالك نفسها بعد توصلها بخبر اختطاف ابنها ذات 13 ربيعًا لتُصاب على إثر ذلك بوضع نفسي خطير للغاية، كلّف العائلة أموالاً طائلة من دون أنّ يؤدِ ذلك إلى تحسن حالتها، ورغم مرور كل تلك المدة الزمنية الطويلة على حادث اختطاف ابنها، إلا أنّ ذلك لم يكن لينسها معاناتها بعدما بعثرت مليشيات أوراق حياتها وحوّلت أيام عائلتها إلى أيام ضنكه بدون لون أو رائحة، سوى أحزان ومآسي لا تنتهي.

 

 وبالرغم من أنّ عوامل الدهر قد أجهزت على كثير من معالم الحياة بداخل جسمها، إلا أنّ "الزهرة أمسكين" لا زالت تتذكر بكثير من الحرقة والأسى تاريخ 28  كانون الثاني/ يناير 1979، الذي سيبقى يومًا خالدًا لا محالة في ذاكرة هذه المرأة، بعد أنّ تحولت رحلة اعتيادية كان يقوم بها زوجها واثنين من أبنائها بين "طانطان" ومنطقة "أفراء" المتموقعة شمال المدينة على الطريق الوطنية رقم 1 المؤدية إلى "كلميم" "بوابة الصحراء" إلى لحظة رعب حقيقية كانوا خلالها في صراع مُحقق مع الموت.

بعد أنّ تمّت محاصرة السيارة التي كانوا يستقلانها وذلك في حدود الساعة الواحدة بعد الزوال عند العلامة الكيلومترية 40، حيث تعوّد الأب على إشراك أبناءه في مختلف تحركاته سواء بداخل المدينة أو خارجها.

لقد كانت لحظة عصيبة للغاية، تلك التي مرّ منها كل من زوجها وابنيها بعد أنّ وجدوا أنفسهم هدفًا لوابل من الذخائر الحيّة من طرف أفراد تابعين لمليشيات البوليساريو، اللذين لم يبالوا بتواجد طفلين صغيرين على مثن السيارة التي انخرطوا في استهدافها، مّا اضطر  معه الأب المصدوم إلى إيقاف محرك السيارة أملاَ في أنّ يكون ذلك محفزًا لثني المهاجمين عن الاستمرار في عدوانهم غير المبرر، الذي استهدف سيارة مدنية، والتي لم يكن قد استكمل الزوج بعد من أداء ثمنها، غير أنّ توقيفه للسيارة لم يشفع له لدى مهاجميه اللذين استمروا في إمطار السيارة بوابل من الرصاص الحي الذي اخترق هيكل السيارة مُخلفًا أضرار مهمة بها، الشيء الذي أدرك معه بأنّ الأمر صار جديًا وأنه في سباق مع الزمن في محاولة من أجل الفرار من موت صار يتهدده بمعية ابنيه من كل الاتجاهات.

ليطلق ساقيه للريح، بعد أنّ أيقن من استحالة النجاة بابنيه، لكن أحد الابنين صار على نفس خطى والده لينجو بأعجوبة في حين تعذر على الابن الثاني مغادرة السيارة التي تمّ تطويقها من طرف عناصر المجموعة المهاجمة، فيما تكلفت عناصر أخرى بمطاردة الأب وابنه الصغير، ما أفضى إلى إصابته بعدما اخترقت إحدى الرصاصات جسمه، دون أنّ تقف سدًا أمامه في محاولته الانعتاق من شبح الموت الذي كان يطارده من كل الاتجاهات ، لتشاء الأقدار الإلهية أنّ يكتب له عمر جديد بعد أنّ ساعدته الأحجار الكبيرة التي كانت تعرف بها المنطقة آنذاك، من الاحتماء بمعية ابنه الذي لم يكن يتجاوز آنذاك ربيعه السابع، ما حال دون تمكن مطارديهما من ضبط تحركاتهما، في تلك اللحظة بالذات ظن الجميع بمن فيهم الابن (محمد) الذي لم يتمكن من الفرار، بأنّ الفارين قد لقيا مصرعهما فنزلت الدموع من عينيه الضيقتين حسرة على فقدانه لهما، ليتم اقتياد (محمد) مكبلاً على مستوى الأرجل واليدين إلى وجهة مجهولة.

وبعد أنّ عاود السكون إلى المكان الذي كان قبل دقائق معدودة شبيها بساحة حرب حقيقية، خرج الأب وابنه من خلف الأحجار، ورغم الجرح الغائر الذي كان ينزف بشدة من جسمه إلى أن ذلك لم يمنعه من التقدم أكثر  فأكثر نحو المكان الذين توقفت فيه في وقت سابق السيارة أملاً في العثور على ابنه (محمد) الذي لم يجد له أثر كما لم يجد أثر أيضًا لسيارته التي اختفت عن الأنظار ولم يعدّ لها أثر يذكر، ليدرك أنّ مهاجميه قد خطفوا ابنه (محمد) الذي كان يعول عليه كثيرًا من أجل حمل المشعل من بعده.

وبعد وصول الخبر إلى الزوجة لم تقوى على تحمل خبر اختطاف ابنها لتصاب بوضع نفسي خطير للغاية، لم ينفع معه علاج وتطورت مضاعفته لتجهز على كثير من الأمور بداخلها بعد أنّ دخلت غمار مرحلة نفسية صعبة للغاية، كلّفت العائلة أموالاً طائلة، نظرًا لطول العلاج من جهة، وغياب مُتخصّصين أكفاء في المجال بالمدينة وأحوزها، الشيء الذي تطلب من العائلة القيام بتنقلات مارطونية إلى خارج المدينة، طلبًا للعلاج حيث كانت الأقاليم الجنوبية برمتها آنذاك لا زالت لم تعرف بعد انتعاشًا على مستوى الطب النفسي الذي بقي رهين بالأساس بداخل المدن المركزية، في حين ظلت الهوامش خارج التغطية في تلك الفترة بالذات.

وما زاد الوضع سوءً وضعية الزوجة، كون أنّ المعطيات التي كانت متوفرة آنذاك بخصوص وضعية الابن ضعيفة للغاية، حيث تضاربت الأنباء بخصوص إمكانية عيشه خاصةً مع توالي كثير من المعلومات عن تصفيات جماعية أقدمت عليها مليشيات البوليساريو في صفوف المختطفين اللذين تمّ التنكيل بهم بطريقة وحشية، ضاقوا خلال مختلف أطوار الرحلة التي أعقبت عملية الاختطاف كل أشكال التعذيب والتنكيل على يد جلادين كان همهم الأوحد حينها الاستمتاع بأصوات الأنين والصراخ اللذين كانا ينبعثان من داخل أجساد تم ربطها وجرها على شاكلة الدواب في ضرب سافر لآدمية هؤلاء المدنيين العزل الذين لم يكونوا يظنون يوما بأنهم سوف يختطفون من داخل منازلهم و من قلب شوارع مدينتهم.

ورغم تجند العائلة من أجل معرفة مصير ابنها عبر طرق مختلف الأبواب، إلا أنّ الأوضاع ظلّت على حالها لعشرات السنين، عاشت  على إيقاعها الأم أيامًا سيئة زاد من حدتها المرض المفاجئ الذي ضربها؛ اذ لم تقوى على تحمل خبر اختطاف فلذة كبدها (محمد) الذي كان العين التي ترى بها، ويحظى بمكانة متميزة لديها من دون بقية إخوانه، لما لا وهو الذي كان المعوّل عليه من أجل حمل مشعل المسؤولية لمساعدة والديه على مصاعب الحياة المختلفة، إلا أنّ الجرم الذي كان ليس غريبًا على مليشيات البوليساريو أجهز على ذلك الحلم، لتنقلب الأمور رأسًا على عقب وتحرم عائلة بأكملها من السعادة التي صارت شيئًا غريبًا ولا وجود له بداخل منزل لم تعود فيه سمة دالة على الحياة، اللهم زوجًا حزينًا وأما تصارع المرض وتنمحي ذاكرتها بشكل تدريجي.

ورغم عودة (محمد) في وقت لاحق، بعد فراره من براثين الأسر الذي فرضته عليه مليشيات البوليساريو، لا أنّ ذلك لم يكن ليعيد السعادة أو العافية لقلب أمه، التي صارت تسبح في بحر مرضها من دون أنّ يتمكن الأطباء من تخليصها من الداء، الذي أصابها، حيث لا زالت الآثار المعنوية والمادية تراوح مكانها، في حين أنّ الجلادين الذين ارتكبوا هذا الجرم البشّع لا زالوا يعتون في الأرض فسادًا بتواطؤ مفضوح مع جهات إقليمية التي كانت لها اليد الكبرى، فيما وقع لمختطفي 1979 في"طانطان" والذي قلب حياتهم رأسًا على عقب.

28  كانون الثاني 1979 يقلب موازين حياة الزهرة أمسكين

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

28  كانون الثاني 1979 يقلب موازين حياة الزهرة أمسكين 28  كانون الثاني 1979 يقلب موازين حياة الزهرة أمسكين



GMT 17:54 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة - لبنان اليوم

GMT 14:02 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
 لبنان اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 14:42 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
 لبنان اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 09:51 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

فساتين الكاب تمنحك إطلالة ملكية فخمة
 لبنان اليوم - فساتين الكاب تمنحك إطلالة ملكية فخمة

GMT 19:06 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

اليونان تمزج بين الحضارة العريقة والجمال الطبيعي الآسر
 لبنان اليوم - اليونان تمزج بين الحضارة العريقة والجمال الطبيعي الآسر

GMT 10:05 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

أفكار هدايا مبتكرة ومميزة في موسم الأعياد
 لبنان اليوم - أفكار هدايا مبتكرة ومميزة في موسم الأعياد

GMT 12:03 2021 الخميس ,21 كانون الثاني / يناير

تعرف على تقنية "BMW" الجديدة لمالكي هواتف "آيفون"

GMT 19:06 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

اليونان تمزج بين الحضارة العريقة والجمال الطبيعي الآسر

GMT 07:21 2021 الثلاثاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

موديلات ساعات متنوعة لإطلالة راقية

GMT 09:17 2022 الإثنين ,11 تموز / يوليو

6 نصائح ذهبية لتكوني صديقة زوجك المُقربة

GMT 12:59 2021 الثلاثاء ,02 شباط / فبراير

مصر تعلن إنتاج أول أتوبيس محلي من نوعه في البلاد

GMT 06:22 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

استغلال وتزيين مساحة الشرفة المنزلية الصغيرة لجعلها مميزة

GMT 21:49 2022 الأربعاء ,11 أيار / مايو

عراقيات يكافحن العنف الأسري لمساعدة أخريات

GMT 12:22 2022 الأربعاء ,06 تموز / يوليو

أفضل العطور النسائية لصيف 2022

GMT 21:09 2023 الأربعاء ,03 أيار / مايو

القماش الجينز يهيمن على الموضة لصيف 2023

GMT 17:08 2022 الأحد ,06 آذار/ مارس

اتيكيت سهرات رأس السنة والأعياد
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon