تعد البارونة «مينوش» أو نعمت شفيق، واحدة من أبرز الشخصيات الاقتصادية المرموقة فى العالم.فهذه المرأة المصرية الجذور والمولد، والتى تحمل الجنسيتين البريطانية والأمريكية أيضا، تعمل كمديرة لكلية الاقتصاد بلندن «إل.إس.آي»، التى تعد أهم مؤسسة تعليمية للاقتصاد فى العالم.
دقيقة الملامح، تحمل وجها يشع طاقة ونشاطا وسُمرة نيلية.منذ صغرها لديها شغف بالقراءة والتعلم والفضول، وحين بلغت الثالثة والعشرين، تفتحت الدنيا أمامها، ولعب «الحظ» معها لعبته.
ظلت طيلة ٣٥ عاما تتنقل بين المناصب العليا، فكانت أصغر نائب رئيس للبنك الدولى على الإطلاق، وأكبر مسئولة فى وزارة التنمية الدولية بالمملكة المتحدة، ونائبة مدير صندوق النقد الدولي، ونائبة محافظ بنك إنجلترا، فضلا عن منصبها كمديرة لكلية الاقتصاد، وهى أيضا عضو فى مجلس اللوردات البريطاني، ومؤخرا، اختيرت عضوا فى مؤسسة بيل جيتس، وعملت مع مئات السياسيين من مختلف الأطياف السياسية: حكومة حزب العمال، وائتلاف المحافظين والديمقراطيين الليبراليين.
فى زيارتها إلى القاهرة مؤخرا، تحدثت في حوارها لجريدة "الأهرام" حول أهم القضايا الاقتصادية والاجتماعية والتنموية، وأهم ما ورد فى كتابها الأخير ..«ما ندين به بعضنا لبعض عقد اجتماعى جديد لمجتمع أفضل» ، والذى يهدف إلى صياغة عقد اجتماعى جديد من أجل إحلال نموذج اجتماعى يتعامل مع مخاوف زمن ما بعد كورونا، ويتيح نموذجا جديدا للمرأة والأطفال وكبار السن من خلال التعليم والصحة والعمل والتوازن بين الفرد والجماعة.
في البداية تحدثت عن توقعتها للاقتصاد العالمي في أعقاب الحرب الروسية الأوكرانية حيث تنهدت بأسى، وقالت: إن أول وأكبر تأثير سيكون فى أسعار البترول والتضخم فى كل دول العالم، سيظل هذان التأثيران قائمان لحين زيادة باقى الدول المنتجة للبترول من معدلات إنتاجها. وحتى ذلك الحين، ستستمر الضغوط جراء ارتفاع أسعار المعيشة. لكن ما يخيفنى أكثر على المدى الطويل هو زيادة نفقات الحرب والتسلح فى أوروبا والولايات المتحدة وكل الدول المجاورة لروسيا، فهذا الإنفاق المتزايد هو مستقطع بالتأكيد من إنفاق مفترض على البنية التحتية والتعليم والصحة وغيرها من القطاعات الحيوية. ورأينا مثالا حيا أخيرا، حين قررت ألمانيا زيادة إنفاقها على الجيش من الناتج المحلى الإجمالى ليرتفع من ١٫٢٪ إلى ٢٪، أى بما يقدر بمائة مليار يورو. وذلك يخالف التوجه السابق والقائم على الاستثمار فى البنية الأساسية.
وحول العقد اجتماعي قالت إنها دائما ما تفكر فى العقد الاجتماعى بما يمكن أن نسميه الدوائر المتداخلة، فأساس العقد الاجتماعى هو العائلة، فهي الأهم والأقوى، فهناك من يخدم، ومن يعمل، وفى الحلقة التالية من الدائرة يوجد المجتمع الذي نعيش فيه، القرية، ثم المدينة، غالبا ما يكون هذا مجالا للمجموعات التطوعية والجمعيات الدينية والأحياء وهياكل الحكومة المحلية، ثم تتوسع هذه الدائرة لتشمل الدولة، فالعالم.
هكذا يتم بناء العقد الاجتماعي، هذا العقد يكون أقوى في المنتصف ثم يضعف كلما ابتعدنا عن الإنسان. حيث ندين لبعضنا البعض بواجبات المواطنة: دفع الضرائب، وإطاعة القوانين، والتصويت، والانخراط فى الحياة العامة.
بالطبع هناك عقد اجتماعى دولي، لكننى أنظر من منظور من عاشت سنوات طويلة من العمل فى المنظمات الدولية، أنه لكى يكون هناك العقد الاجتماعى ينقل من بلد إلى بلد، فإن هذا يعتمد فى الأساس على وجود عقد اجتماعى قوى داخل الدولة الواحدة، فالإنسان لن يكون كريما مع إنسان آخر خارج بلده إلا إذا كان العقد الاجتماعى داخل بلده قد منحه الحقوق والأمن والفرص، وقتها يحق لنا القول إن الاثنين مرتبطان ببعضهما البعض.
مشيرة إلى أننا كلنا مسئولون عن صياغة هذا العقد، وكلنا نكتبه أو نمارسه بشكل يومي. والمطلوب من المواطن الذى يملك صحة واستعدادا للعمل ويدفع الضرائب، أن يربى أطفاله أن يكونوا مواطنين صالحين. والمطلوب من المجتمع إزاء الأفراد أن يوفر استثمارا كافيا للتعليم والصحة، وفرص عمل تتيح للمواطن أن يلعب دوره فى بناء العقد الاجتماعي. لابد أن يقوم كل من الفرد والدولة بدوره لإنتاج مجتمع سليم.
وحول مفهومها لـ «هندسة الفرصة» قالت أنها تعني كيف يستفيد الإنسان من الفرصة لتحسين حاله. لنضرب مثالا، ففى بلاد مختلفة نجد أن كل جيل يأخذ وقتا لكى يرتفع دخله، ويرتقى من الطبقات الفقيرة إلى حال متوسط أو أفضل، فى بلاد شمال أوروبا، تلك الفترة تأخذ جيلين اثنين. وفى باقى دول أوروبا والولايات المتحدة، تأخذ خمسة أجيال، وفى
بلاد مثل البرازيل وجنوب إفريقيا، وقد تنضم إليهما مصر، تأخذ تسعة أجيال. وبالتالى فى الحالة الأخيرة ينعدم الأمل لو وُلد المرء فقيرا أن يصل إلى مستوى الطبقة الوسطى خلال حياته. ذلك يعنى أن هندسة الفرصة غير سليمة، وفى رأيى أنه مع كل جيلين أو ثلاثة فلابد أن يكون هدف كل مجتمع تحسين حالة وضع أفراده.
ومن أهم عوامل تشكيل هندسة الفرص، التعليم فى سن مبكرة، فالأيام الألف الأولى من حياة الإنسان وقبل الذهاب إلى المدرسة، تشكل ركيزة بالغة الأهمية، لأن هذه الفترة هى التى تقوم ببناء المخ كى يستفيد من التعليم لاحقا. فلو أن التغذية للطفل فى هذه السن الصغيرة غير مفيدة أو لا يمارس اللعب مع أقرانه بشكل سليم، أو لا يجد أيضا من يقرأ له كتبا، فأنت أفقدته مميزات كبيرة جدا، حتى لو أرسلته بعد ذلك إلى أفضل المدارس، فلن تجد الإفادة المرجوة. فأهم شيء فى هندسة الفرصة أن تتولى الدولة والعائلة الاستثمار فى الفرد خلال أول عامين من حياته.
وتحضرنى هنا دراسة قرأتها عن جامايكا تتحدث عن أفراد يزورون عائلات أسبوعيا ويقدمون لهم النصائح حول التغذية السليمة وكيفية اللعب مع الأطفال. وبمتابعة هؤلاء الأطفال، اتضح أن الأطفال الذين تمت رعايتهم فى أول سنتين، كان دخلهم بعد ثلاثين سنة ٤٢٪ زيادة بالمقارنة مع غيرهم. من هنا يتضح لنا أن الاهتمام فى هذه السن له تأثير كبير جدا مستقبلا على الفرد والمجتمع. علما بأن تكلفة هذه الرعاية ليست كبيرة لكن تأثيرها مستقبلا كبير.
بشكل شخصي، وخلال طفولتى وبداية سنوات شبابى التى قضيتها فى الولايات المتحدة، فقد عايشت محدودية الفرص التعليمية المتاحة، خاصة فى الجنوب الأمريكى فى أثناء اضطرابات إلغاء الفصل العنصري. لقد تم نقلى إلى مدارس كثيرة لا أتذكر عددها.كان خلاصى هو المكتبات المحلية، حيث كانت والدتى تأخذنى باستمرار فى عطلات نهاية الأسبوع. كانت لدى عضويات فى عدد كبير من أندية الكتب.
وعن دور المراة في المجتمع أشارت إلى أنهفى رأيها أن أكبر فاعل فى تغيير العقد الاجتماعى بشكل عام هو تغيير دور المرأة، ففى كل بلاد العالم نجد أن نسبة التحاق الإناث بالجامعات أعلى من التحاق الذكور، ودائما الإناث متفوقات، لكن العقد الاجتماعى فى كل بلد مبنيّ على أن المرأة عليها رعاية الطفل وكبار السن، والأسرة والزوج بجانب عملها، وذلك كله دون أجر إضافي. وفى كل بلاد العالم نجد أن المرأة تعمل ساعتين فى اليوم أكثر من الرجل.
ودائما ما كان العقد الاجتماعى يتأسس على أن الأسرة سيكون لها معيل وحيد وهو الرجل، أما المرأة، فستعتنى بالصغار والكبار، لكن الحقيقة أن النساء لديهن نفس مواصفات الرجل، وحين يتخرجن يتقاضين رواتب مثل الرجل، لكن مع أول طفل يولد يحدث الانحدار فى مستويات الراتب وفرص الترقى الوظيفي، بسبب ظروف الانقطاع عن العمل واعتبارات رعاية الطفل.
لكننا هنا نفقد استثمارا كبيرا كان موجها لها ولتعليمها، ونفقد بالتالى الاستفادة من إنتاجها، وبالتالى علينا البحث عن طريقة ما تساعدها فى الاستمرار بالعمل، والبحث عن طريقة لوضع بنية أساسية لرعاية الصغار والكبار، حتى تستطيع المرأة أن تستكمل مهمتها فى الحياة والعمل. فالمجتمع يخسر كثيرا بسبب عدم الاستفادة من العديد من النساء المتميزات والمتعلمات، صاحبات القدرة الإنتاجية الفائقة. فالاهتمام بهنّ يزيد من إنتاجية الدولة وإنتاجية الرجال كذلك. لكن هذا سيتغير بالتأكيد خلال العقود القادمة.
وبمناسبة شهر المرأة ويوم المرأة المصرية، أود أن أقول إن السيدات المصريات رائعات وقادرات على مواجهة أى تحديات، وخلال مشوار حياتى كانت هناك سيدات مصريات كثيرات ساعدننى كثيرا وتعلمت منهن كثيرا، ولديهن كل الإمكانيات والقدرات كى ينجحن ويتفوقن فى جميع المجالات.
وأردفت أت ما فعلته أزمة كورونا، أنها حولت حالة الغضب فى عدة مجتمعات إلى «خوف» و«قلق». فحسب سلسلة من الاستطلاعات جرت فى عدة دول، فإن الناس فى المجمل وبصرف النظر عن الخلفية الاجتماعية والاقتصادية، باتت تشعر بخوف أكبر. وفى الوقت ذاته، فإن كورونا دعمت مشاعر التعاطف والمساندة المتبادلة بين الأفراد. حيث كشف جائحة فيروس كورونا عن مخاطر العمل غير المستقر فى وقت الأزمات.
فالتوجه العام فى ترتيب الطموحات والأولويات بات ينصب على بند «الأمن»، الناس باتت تتطلع إلى مزيد من الأمن سواء فيما يخص مسألة توفير الخدمات الصحية بشكل أفضل وأوفر، أو فى توفير وظائف باشتراطات أكثر أمنا، وأتوقع أن مطالب الأفراد من الحكومات خلال الفترة المقبلة سوف تتركز على تحقيق «الأمن» بشتى صوره سواء فى مجالات الصحة أو الاقتصاد أو غيرهما.
وتجب مراعاة أن حالة «الغضب» التى جاء كتابى لتفسيرها كان موجهها الأساسى هو «الأحوال الاقتصادية»، فهناك شعور بأن التطورات الجارية، تحديدا فيما يتعلق بالتطور التكنولوجى يخلق حالة من القلق والتوتر ويطرح سؤالا عما إذا كان الفرد مواكبا لهذه التطورات بالشكل الكافى حتى يمكنه استمرار الاحتفاظ بوظيفته. ففى السنوات المقبلة، من المرجح أن تستمر الاضطرابات الاقتصادية، ليس فقط بسبب جائحة كورونا وعواقبها ولكن بسبب التغير التكنولوجى السريع المرتبط بالثورة الرقمية.
وهناك قلق أيضا بخصوص المرونة التى باتت تحكم «اتفاقيات العمل»، وقد بدأت بعض المجتمعات فى التعامل مع المسألة الأخيرة، بخلق أنماط تأمين اجتماعى «متنقل» ينتقل مع الفرد من وظيفة إلى أخرى ولا ينتهى مع نهاية وظيفته بمكان ما. وهو ما بدأت بعض الدول بالفعل فى تطبيقه لحماية حقوق الأفراد الذين يعملون بأكثر من وظيفة، أو الذين يعملون بدوام جزئي، أو الذين ينتقلون بين الوظائف سواء باختيارهم أو نتيجة ظروف أخرى، والدنمارك مثلا فى مقدمة تلك الدول التى بدأت تتبنى قوانين مماثلة لتحقيق فكرة «التأمينات المتنقلة».
يلاحظ كذلك أن من أسباب القلق أيضا ما يرتبط بالأحوال الاجتماعية فى بعض المجتمعات. فهناك حالة قلق فيما يتعلق بمسألة الهوية، ومدى قدرة المفاهيم التقليدية على الصمود والمجاراة. وفى بعض المجتمعات الأخرى، كما هو الحال فى أوروبا، هناك قلق من تيارات الهجرة الوافدة وتشكيل أفرادها منافسا لا يستهان به فى مجالات العمل.
وأوضحت ان هناك تزايد فى طلب سوق العمل العالمية على المهارات فى مجالات مثل الرقمنة والذكاء الاصطناعي، ولكن ستظل هناك حاجة للمهارات الخاصة بمجالات الفنون ومجالات المعرفة التقليدية، التى قد تتخذ شكلا متطورا، سواء فى سبل تدريسها وتلقى علومها من جانب طلاب العلم، أو فى سبل تطبيقها فى سوق العمل.
إجمالا، أومن بأن المرء إذا ما درس فى مجال يحبه، أبدع وتفوق. فأنا، على سبيل المثال، قابلت مؤخرا سيدة تتولى إدارة أكبر شركة متخصصة بمجال الأمن الإلكترونى فى المملكة المتحدة، واتضح لى أن دراستها الأصلية كانت عن تاريخ حقبة القرون الوسطى. ولكن دراستها لما تحب جعلها أكثر تحققا وحماسا. فإذا ما راجع المرء سوق العمل على سبيل المثال فى المجتمع البريطاني، سيجد أن العلاقة ليست وثيقة بين ما يدرسه الطالب وما يمتهنه بعد التخرج، إلا فى مجالات بالغة التخصص مثل الطب والهندسة.
وفيما يخص مستقبل الوظائف، فالمرجح أن مستقبلا، وتحديدا فى مجال الوظائف القائمة على تكرار مهام بعنيها وبشكل روتيني. فإن الذكاء الاصطناعى مرشح لشغل مقام الأفراد بها. لكن ستظل للإنسان القدرة على التفوق فى المجالات التى تطلب إبداعا وقدرة على تطوير المهارات والإجادة فى التعامل مع الأزمات والمشاكل وحلها. كما أن ذلك المستقبل سيشمل تأخيرا لسن المعاش، وهو ما يعنى قضاء المرء سنوات أطول فى سوق العمل، وما يعنى حاجته لمزيد من الأنظمة القادرة على دعم قدراته وتطويرها على مدار الوقت.
وبالتالي، فإن نظم التعليم يجب أن تتطور، مع دعم فكرة التدريب والتطوير فيما بعد انتهاء مراحل التعليم الرئيسية، فيجب، مثلا، على الجامعات والمعاهد توفير برامج تدريب تصلح من حيث التصميم والأهداف لتلبية احتياجات الفرد الذى يقوم بعمل بالفعل، ولكى تؤهله إما لتطوير مهاراته فى هذه الوظيفة ذاتها أو فى إحداث تغيير فى مساره المهنى إلى مجال عمل مختلف. ففى «كلية لندن للاقتصاد» على سبيل المثال، نعد برامج دراسية لخدمة المنخرطين بالفعل فى سوق العمل، وتلك البرامج تتسم بقدر أكبر من المرونة والقصر. ومن هنا تبرز أهمية دعم الحكومات لفكرة التعلم والتدريب المستمرين، وذلك إما عبر تقديم قروض أو تسهيلات مالية للأفراد تساعد فى تحقيق أهدافهم تلك، أو عبر دعم الحكومات للشركات والهيئات بحيث توفر الأخيرة الدعم وبرامج التدريب والتعليم اللازمة لموظفيها.
وحول مسار عملية إدارة الأزمة عالميا فيما يخص مواجهة « كورونا» قالت أن هناك خلل واضح وقع فى الإدارة العالمية لأزمة كورونا، خاصة أنه لم تتم إدارتها بنسق عالمي، وإنما بنسق فردي. وما كان يجب أن يحدث ذلك. فلا توجد أزمة أكثر عالمية من أزمة «كورونا»، ولكن كل دولة اختارت التعامل مع الوباء المستجد بشكل فردى وبنمط أقرب إلى «الانغلاق»، وهو ما أدى إلى ما نشاهده حاليا من انتشار أوسع وظهور متحورات عديدة للفيروس الأصلي. وأعتقد أن العام الحالى سيكون حاسما فى تقييم مدى نجاح عملية إدارة أزمة كورونا، وما إذا كانت الحكومات والجهات المعنية قد استوعبت الدروس المترتبة عليها. فلو أن الصين كانت قد أبلغت بالفيروس مبكرا ما كنا وصلنا إلى ذلك، وكنا استطعنا الوصول إلى حلول بسرعة.
وعن تغير المناخ والمطلوب لمجابهتة اقتصاديا واجتماعيا أشارت أن هذه فرصة يجب استغلالها، فحين نفكر أنه لابد فى السنوات العشر المقبلة من وجود 30 تريليون دولار استثمارا فى البنية الأساسية: طرق - كهرباء - مواصلات. إذا تمت هذه المشروعات بطريقة مستدامة عندها نستطيع أن ننقذ البشرية من أخطار التغير المناخي. وأظن أنه لنجاح ذلك فعلى البلاد الغنية أن تدعم البلاد الأفقر، حيث إن تلك الاستثمارات تتكلف كثيرا على المدى القصير، لكن على المدى الطويل ستكون فى غاية الأهمية والإفادة ونلاحظ أن الطاقة الشمسية وطاقة الرياح أصبحت أرخص من قبل. وبخصوص مصر، نجد أنها أصبحت فى مكانة هائلة فى مجال الطاقة المتجددة، وهناك فرصة كبيرة بالنسبة لمصر حيث إنها سوف تستضيف قمة المناخ العالمية هذا العام COP27، ولو نجحت مصر فى إيجاد التمويل فستكون تلك فرصة هائلة. لأن البديل أصبح صعبا، هنا فى مصر الجو غير مستقر: الصيف أصبح حارا جدا والشتاء أصبح باردا جدا، وفى بريطانيا وغيرها من الدول الأوروبية نرى حاليا ناشطين بيئيين.. شباب ينظمون وقفات احتجاجية ضد تأثير تغيرات المناخ. فالجيل الجديد يفكر بطريقة مختلفة.
وحول مقولة أبراهام لينكولن «إن أفضل طريقة للتنبؤ بمستقبلك هى إنشاؤه» قالت أن بالإمكان بالتأكيد تحقيق هذه المقولة، وبالإمكان كذلك أن يساعدك المجتمع لأن تنشئ مستقبلك. أو يعرقله، هذا يتوقف على ما تحدثنا عنه سابقا بما يسمى بـ«هندسة الفرصة» الموجودة فى المجتمع الذى تعيش فيه. وبالنسبة لي، فأنا لم تكن لى خطة بأن أكون فى منصب معين مثلا، لكن فى كل مكان عملت فيه أخلصت جدا، وفى كل مكان كان هناك من يشجعنى على النجاح وإعطائى الفرص.
وفتحوا لى أبوابا، كانت دائما المهام التى يحملوننى إياها أكبر مني، لكنهم كانوا يثقون فى قدراتي، كان رهانهم النجاح، وحتى لو تعثرت كان لديهم الاستعداد للمساندة بينما عند النجاح أترقى أكثر فى مكاني، وأعتقد أن ذلك حدث ولعب دورا مهما فى حياتى فى كل مكان عملت فيه فى البنك الدولى أو صندوق النقد الدولى أو البنك المركزى البريطانى ، كل من عملت معه كان لديهم عامل المخاطرة لشخص مختلف فهى أولا سيدة وثانيا مصرية، وثالثا صغيرة فى السن نسبيا، فمن عملت معهم تعاملوا بشىء غير تقليدي، أعطونى الفرصة واستطعت هندستها. هذا أمر مهم جدا، نستطيع أن يفعله كل واحد منا، كلنا لدينا فى أعمالنا أناس يحتاجون الفرصة علينا مساعدتهم وإعطاؤهم الفرصة.
وعن قيامها بالتوازن بين العمل والأسرة قالت، أنا خلال عام واحد من حياتى وجدت نفسى وقد انتقلت من «صفر» إلى أم مسئولة عن خمسة أطفال، فقد أنجبت، وأصبحت مسئولة عن أبناء زوجى الثلاثة، لأصبح فى النهاية أما مسئولة عن خمسة. لذلك كان يجب الاستمرار فى وظيفتى التى أتقنها لأحقق التوازن الناجح. وأنا مؤمنة أن ذلك التوازن تحقق لى لأنى مقترنة بزوج رائع بالغ التفاهم.
وصحيح كذلك أن أنظمة المجتمع المحيط يكون لها دور فى تأهيل المرأة لتحقيق التوازن المطلوب بين عملها ومنزلها، فضلا بالتأكيد عن دور الحظ بمقدار ما. لكننى أومن دوما بأن المرأة لتحقق ذلك التوازن الناجح تحتاج إلى ثلاثة عناصر رئيسية: زوج متفهم ومساند، مدير متعاون، ومساعدة يعتمد عليها فى رعاية الأطفال، أيا كانت هيئة هذه المساعدة. ومن تجربتي، فإذا ما وقع خلل بأحد من هذه العناصر، فإنه يؤثر سلبا على باقى منظومة الدعم للمرأة فى سعيها الحياتى والمهني.
وحول المناصب العديدة التي ترأستها قالت حقيقة لقد عملت كثيرا فى هذه المجالات، وحقيقة رأيت تطورات ملموسة فى حالات المياه والصرف الصحي، وقد رصدنا استثمارات كبيرة وجاءت بتحسن كبير وتلك من ضمن الأشياء التى نجحنا فيها نسبيا فى معظم البلاد.
بالتأكيد المشكلة ما زالت موجودة فى بعض البلاد، ولكن هذا مثال هائل كيف أن الاستثمار الجيد والتخطيط الجيد يؤتيا ثمارهما. حاليا اختفت تقريبا مشكلة الصرف الصحى إلا فى بعض الأماكن الفقيرة جدا فى إفريقيا، وبعض الدول فى آسيا لا يوجد أطفال يموتون من الإسهال مثلا، وعندما بدأت العمل فى مجال التنمية كانت تلك مشكلة أساسية، حاليا لا تحدث تلك المشكلة، فالتركيز على التنمية والاستثمار فى مشروعات مفيدة تأتى بنتيجة.
فأنا أشعر بفخر أنى شاركت فى هذا العمل، وفى أغلب دول العالم حاليا توجد مياه ويوجد صرف صحى وتعليم، قد نناقش نوعية ومستوى التعليم وجودته، لكن فى النهاية توجد مساواة بين الفتيات والأولاد فى تلقى التعليم، عندما بدأت العمل كانت مشكلة كبيرة أن تقنع الأهالى بإرسال بناتهم إلى المدارس، وفى حياتى العملية - ٣٥ سنة - رأيت تقدما كبيرا جدا فى عدة مجالات و ذلك يجعلنى متفائلة وعندى أمل.
مؤخرا أصبحت عضو مجلس إدارة مؤسسة بيل جيتس، وسوف يتم عقد أول اجتماع أحضره فى مايو وحتى الآن الأمور ليست واضحة، أما مجلس اللوردات فقد جاء تعيينى مع بداية أزمة كورونا، وكانت هناك صعوبة فى الحضور وقتها، وتم عقد الجلسات آنذاك عبر الإنترنت «أونلاين»، لكننا الآن بدأنا الحضور فعليا.
وخلال أدائى لذلك الدور، سوف أركز على مجالات عملت عليها ولديّ خبرات بها، ففى النهاية مجلس اللوردات مثل مجلس الشيوخ بمصر يضم خبراء لديهم خبرات فى مجالات مختلفة، وسينصب تركيزى على الاقتصاد والتنمية والتعليم، «دى الحاجات اللى بافهم فيها»، ونحن الآن بصدد مناقشة وإقرار قوانين جديدة فى مجال التعليم وفى العلاقات الخارجية.
قد يهمك أيضا :
نعمت شفيق أول مصرية تتولى منصب رئيس كلية اقتصاد لندن
أقوى 10 نساء عربيات في العالم لعام 2017
أرسل تعليقك