استطاع تنظيم داعش ان يحقق انتشار رقمي هائل في الفضاء الإلكتروني في عام 2014 إذ سعى التنظيم بعناصره المُجنّدة إلى تحقيق حراك بنشر فيديوات دمويّة يصعب إيجاد مماثل لها في الفضاء الافتراضي.
في المقابل، استطاع «الجيش السوري الإلكتروني» (وهو تابع لنظام بشار الأسد) بفيالقه النشطة المتواجدة في عدد من الدول، في الترويج إلكترونياً بشكل كبير لادّعاءات النظام.
لكن عام 2014 شهد غياباً نسبيّاً لنشاطات تنظيم «أنونيموس الثورة السورية» الإلكترونيّة، إذ ظهر ذلك التنظيم في بدايات الثورة. وتألّف من مجموعة شباب سوريين عرّفوا أنفسهم بأنهم «هاكرز الثورة السورية».
ولم يتبق من أخبار هؤلاء سوى بعض محاولات متفرقة لعل أبرزها «جنود الثورة السوريّة» الذين استطاعوا اختراق مواقع شبكيّة لنظام الأسد، و»قراصنة الثورة» الذين اخترقوا أجهزة مسؤولي النظام وضبّاطه.
كما تناقل كثيرٌ من المواقع الإلكترونيّة في العام المنصرم ما يبثه تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام»، بالترافق مع تكاثر المشاهدات لتلك المواد، بلغ مئات الآلاف لكل فيديو على الشبكة، ربما بالترابط مع دمويتها وطرقها التي تشبه سينما هوليود.
وفي حين حقّق «الجيش السوري الإلكتروني» انتصاراً عبر الـ»هاشتاغ» الخاص به، الذي كان الأكثر تداولاً على موقع «تويتر» للسنة الثانية على التوالي، ما زال «داعش» التنظيم الأكثر غموضاً بالنسبة إلى المتابعين، الأمر الذي سهّل مهمة التنظيم في إدارة حرب إلكترونيّة على مواقع شبكات التواصل الاجتماعي، رافقت هجماته، خصوصاً اندفاعته الواسعة التي أطلقها على الأرض في حزيران(يونيو) الفائت.
وتبدت بجلاء القدرة التي تملكها تلك الجماعة المتطرفة في الدعاية والترويج لنشاطاتها وأفكارها. وفي تعليقه على تلك المعطيات، وصف الدكتور عبدالرحمن الحاج، وهو باحث في الشؤون الإسلاميّة، وجود «داعش» على الشبكة العنكبوتيّة بأنّه فعّال، «ليس لمجرد أنه قوي ومدروس، إنّما أيضاً بسبب مضمون ذلك التواجد والرسائل التي يقدّمها، وهي تركز على موضوع الرعب الكامن في الذبح الوحشي من دون رحمة».
في سياق متّصل، اعتبر الحاج أن الرسائل التي تبث صوراً صادمة لعمليات ذبح بشر أحياء، تعطي تأثيراً كبيراً بغض النظر عن الطرف الذي يبثّها.
وأضاف الحاج:» من جهة ثانية، تساعد التكنولوجيا الحديثة تنظيم «داعش» على الانتشار.
كما يملك التنظيم شبكة علاقات واسعة يعتمد عليها في التجنيد. لعل الأهم هو الرسالة السياسيّة التي استطاع تنظيم «داعش» أن يلتقطها ويروّج لها، وهي حماية السّنة ضد مؤامرة عالمية تستهدفهم وتحابي أعداءهم بشكل لا يقبل التأويل، وفق زعمهم».
وتناول الحاج أيضاً مسألة الكوادر التي تساعد التنظيم، مشيراً إلى أنه كلما استطاع تنظيم «داعش» أن يحقق إنجازاً أكبر، أصبحت رسالته ذات صدقية بالنسبة إلى معتنقي الإيديولوجيا الخاصة بالتنظيم. ويؤدي ذلك أيضاً إلى جذب كفاءات كثيرة، تضم خبراء بالتقنيّات الرقميّة والإعلام الجديد.
وأوضح الحاج أيضاً أن معظم خبراء «داعش» ليسوا عرباً، بل غربيّون من الطبقة المتوسطة غالباً، تجذبهم الفكرة السياسيّة للتنظيم الإرهابي، خصوصاً مع إحساسهم بأزمة الهويّة في بلدانهم، وهؤلاء متواجدون في كل البلدان من الصين إلى الولايات المتحدة.
كذلك أوضح خبير شبكات التواصل الاجتماعي طارق الجزائري أن عناصر «داعش» يهتمون بالعمل على الإنترنت لإيصال صوتهم، وبينهم خبراء أميركيّون،.
وأشار إلى ما يشاع عن أن رئيس هؤلاء هو سوري أميركي اسمه أحمد أبو سمرة، وهو خريج «معهد ماساشوستس للتقنية»، يحمل بكالوريوس في علوم الكومبيوتر.
وأضاف الجزائري أن عناصر التنظيم يرون أن «تويتر» أفضل وسيلة تواصل، لأن لدى «فايسبوك» و»يوتيوب» سياسة التعامل مع التبليغات، فيما تستغرق إدارة «تويتر» وقتاً طويلاً للردّ على التبليغات عن حسابات «داعش». ورأى الجزائري أيضاً أن الحرب خدعة، مشيراً إلى أن القيّمين على حسابات التنظيم في «تويتر» يستغلون مناسبات كبطولة كأس العالم في كرة القدم والتغريدات المرتبطة بها، فيستخدمون كلمات كـ»كأس العالم» و»البرازيل» في تغريداتهم، ما يضع نشاطات «داعش» أمام كل من يبحث عن تغريدات تلك المسابقة.
أسند «داعش» الدور الإعلامي الترويجي لأعماله إلى جيش من النساء، مبدياً استعداده لتحويل «النساء» إلى «محاربات» في الساحات الإلكترونيّة٬ التي يشن فيها التنظيم حروباً قويّة.
وبذلك أصبحت مواقع التواصل الاجتماعي، لاسيما «تويتر»، ساحة حرب لمن سمين أنفسهن بـ «المناصرات»، بل تخطت بعضهن الحدود الجغرافية ليصبحن «مهاجرات».
ولم يثنِ الانتشار الذي حققه «داعش» على مواقع التواصل عن إصدار أول صحيفة إلكترونيّة ناطقة باسمه، باللغتين العربية والإنكليزية، تحت مسمى «دابق». وتتحدث الصحيفة عن «عودة الخلافة» وصفات الخليفة وأفكار التنظيم. ويتولى «فرسان الرفع والنشر» التابعون للتنظيم مسؤولية نشر «دابق»، إضافة إلى صنع مواقع إعلامية تتجدّد كلما اختُرِقَت أو أُغلِقَت. .
يركّز «الجيش السوري الإلكتروني» على اختراق مواقع غربية وأخرى لشخصيات ومؤسّسات معارضة. يتألّف الجيش من كوادر منتشرة في دول كثيرة. ووزّع «الجيش» أخيراً رزمة تتضمّن برنامج «سيانوكس» لاختراق المواقع. وسجل «الجيش» الإلكتروني اختراقات متنوّعة شملت موقع التواصل الاجتماعي.
ولم يسلم موقع منظمة الـ»يونيسيف» من «الجيش» الذي برّر الاختراق برغبته في «تسليط الضوء على ضحايا تفجير حمص». ويخصص نظام الأسد وحلفاؤه مبالغ ضخمة لتمويل عناصر «الجيش». ورأى الخبير طارق الجزائري أن تفوّق النظام على المعارضة إلكترونيّاً يرجع إلى أسباب ماديّة. وكشف الجزائري أن شبان مؤيدين للثورة طلبوا الدعم من جهات عدّة، لكنها رفضت خوفاً من عدم قانونيّة النشاطات المتوقّعة، في حين اختفى شباب «هاكر الثورة» بسبب غياب الدعم.
أرسل تعليقك