أعلن اتحاد المصارف السوداني انتهاء أزمة السيولة النقدية الخانقة التي عانتها البنوك الفترة الماضية، وعاد المواطنون والمؤسسات لإيداع مدخراتهم في البنوك.
وشهد السودان منذ فبراير (شباط) 2018 أزمة سيولة حادة في العملات النقدية، عجزت خلالها المصارف عن الإيفاء بالتزامات عملائها، وكادت تؤدي لانهيارها، وصارت بموجبها العملات «الكاش» سلعة في ذات نفسها،
وصار للعملات الأجنبية سعران حسب طريقة الدفع، وفشلت كل محاولات نظام المعزول عمر البشير في مواجهتها، رغم قرارات الطوارئ التي حظرت حيازة عملات سائلة أكثر من مليون جنيه سوداني، واعتبرته جريمة عقوبتها السجن ومصادرة المبلغ.
وقال متعاملون مع البنوك لـ«الشرق الأوسط» أمس، إنهم استطاعوا سحب المبالغ التي يرغبون فيها من حساباتهم في البنوك التجارية وبنك السودان المركزي، فيما أكد مصرفيون عودة عمليات الإيداع بعد أن توقفت تماما إبان الأزمة.
وقطع مدير التسويق بالبنك السوداني الفرنسي طارق شدو لـ«الشرق الأوسط» أمس، بانتهاء «مشكلة السيولة» في البنوك، وقال: «الصرافات الآلية تتم تغذيتها بشكل دوري، ما أدى لاختفاء ظاهرة الصفوف أمامها، وتوفرت للبنوك فوائض إيداعات غذت بموجبها حساباتها لدى البنك المركزي»، وتوقع اضطراد تزايد حركة الإيداعات من قبل العملاء، وتغذيتهم لحساباتهم.
وبحسب استطلاع أجرته الصحيفة وسط تجار العملات الأجنبية في السوق الموازية، أدى توافر السيولة إلى توحيد صرف العملات الأجنبية بـ«الكاش» وعبر الشيكات.
ويقول خبراء إن المواطنين عادوا تلقائيا لإيداع مدخراتهم في البنوك، عقب سقوط نظام عمر البشير، لدعم اقتصادات الحكومة الانتقالية، ولأملهم في تحسن الأوضاع الاقتصادية، ولإبداء حسن النية للقيادات السياسية والاقتصادية الجديدة.
وخلال الأزمة كان هناك سعران لتبديل العملة الأجنبية إلى الجنيه السوداني، سعر تغيير العملة الأجنبية بـ«الكاش» وآخر عبر الحسابات المصرفية، وبلغ الفرق بين سعر صرف الدولار الأميركي عن طريق «الكاش» وعبر الدفع الإلكتروني عشرة جنيهات.
وأسهم توفر النقد في البنوك في خلق استقرار نسبي في سعر الجنيه السوداني في حدود 70 جنيها للدولار الواحد، بعد أن كان يتذبذب بين 65 - 70 لقرابة العامين.
وكشف بنك السودان المركزي في وقت سابق زيادة في الكتلة النقدية خارج الجهاز المصرفي، تصل لأكثر من 200 مليار جنيه، ما تسبب في مشكلة توفر النقد والسيولة لدى البنوك التجارية.
وسجل الحساب الجاري في الربع الثاني من العام 2019 عجزا قدره 675.9 مليون دولار مقارنة، بعجز قدره 765.9 مليون دولار في الربع الأول من العام 2019.
وبحسب آخر تقرير صادر عن البنك المركزي السوداني، ارتفعت العملات المتداولة لدى الجمهور من 61.455 مليار جنيه، إلى أكثر من 200 مليار جنيه حتى نهاية يونيو (حزيران) الماضي.
وذكر التقرير أن المعروض من النقود ارتفع من 203.368 مليار جنيه إلى 571.208 خلال هذا العام بزيادة بلغت 78 في المائة عن العام 2018.
وقال الخبير المصرفي طه حسين لـ«الشرق الأوسط»، إن زيادة المعروض النقدي تعد مؤشرا اقتصاديا سالباً، يتمثل في فقدان المواطنين للثقة في النظام المصرفي، وتابع «إعادة الثقة في النظام المصرفي لا يمكن تحقيقها بصورة عاجلة في الوقت الراهن، لأن ذلك يتطلب سياسات وإجراءات، واسعة تظهر آثارها في المدى البعيد».
وبحسب حسين، شهد السودان شحا حادا في السيولة امتد قرابة العامين دفع المواطنين للاحتفاظ بالسيولة خارج النظام المصرفي، بسبب تقلب السياسات المالية والنقدية وعدم استقرارها، أضيف لها التخوفات من تآكل الأرصدة لارتفاع معدلات التضخم العالية، وتدني الوعي المصرفي.
ودعا عميد كلية الاقتصاد بجامعة أم درمان الإسلامية محمد خير حسن في إفادة لـ«الشرق الأوسط» أمس، إلى تطوير الخدمات المصرفية عبر التكنولوجيا الحديثة والسريعة، لتخدم قطاعات المتعاملين كافة، وعلى وجه الخصوص شريحة السودانيين العاملين بالخارج.
وطالب الأكاديمي البارز، البنك المركزي بدعم المصارف، وفتح مجالات الاستثمار ورفع القيود التي يفرضها على أنشطتها، وإلى تبني سياسات صارمة تهدف لتأسيس مؤسسات مصرفية ذات مراكز قوية عبر إدماج المصارف.
وشدد على أهمية توفير خدمات مصرفية جاذبة، وزيادة هامش الجدية على المرابحات والمشاركات، لدعم السيولة في النظام المصرفي، واستحداث تدابير تتسم بالعدالة في تخصيص أو توزيع أرباح المودعين مع تحسين معدلاتها.
ودعا لتبني أنظمة تحفيز مادية ومعنوية للعملاء والموظفين الذين يساهمون في جذب ودائع لبنوكهم، وتفعيل وتنشيط مقدرات مؤسسة ضمان الودائع لإعادة تعميق الثقة في الجهاز المصرفي، وأضاف «الاستمرار في سياسات كبح جماح التضخم، والعمل على تناسق السياسات المالية والنقدية، مهم جداً».
وأوضح حسن أن تقلب سياسات التعامل مع النقد الأجنبي وطبع فئات كبيرة من العملات، ساعدت على تخزين العملات خارج نطاق الجهاز المصرفي، وأن القيود الصارمة المفروضة من قبل البنك المركزي على عمليات منح التمويل، هي الأخرى زادت الأمر حدة.
وأضاف أن عمليات الاختلاس والتزوير في الحسابات أسهمت في إفلاس بعض البنوك والمؤسسات المالية، وأصبحت غير قادرة على الوفاء باستحقاقات العملاء كاملة، وفرض أسقف على السحب والتأخير في صرف الشيكات ورد بعضها رغم وجود رصيد كاف، وذلك لعدم توفر السيولة، إضافة إلى أن فقدان العملة الوطنية كمخزن للقيمة أدى لتدني المدخرات.
يشار إلى أن المصارف السودانية ظلت منذ فبراير 2018، تشهد تزاحما للعملاء للحصول على مبالغ مالية من أرصدتهم لتلبية احتياجاتهم اليومية، وعجزت عن تلبية المطالبات بمبالغ صغيرة، في قيد السحب على ماكينات الصرف الآلي.
قد يهمك ايضا:
أزمة نقص الدولار الأميركي في لبنان تلقي بظلالها السلبية على عمل المخابز
تراجع متوسط أسعار المحروقات للمرة الأولى في تاريخ مصر يلقى إشادة صندوق النقد
أرسل تعليقك