لا يمتلك أي حدود لأن أحد أسباب غذائه هو الخيال الذي يُعطي زخما واندفاعا وقوة ومهارة للكاتب لكي يحرك ما يمكن تحريكه من كلمات ترقى بالواقع لأن لديه رسالة يوصلها من خلال تصويره لجزء من الحياة. ورأى أدباء ومتخصصون أن توظيف ثيمة الجنس في الرواية النسوية يتخذ صورا وأشكالاً متعددة، وفيما رأى البعض أن روائيات يقحمن الجنس في أعمالهن إقحاماً بهدف الإثارة وجذب القراء، أكدوا أن أخريات يعتمدنه وفق سياقاته، بلا ابتذال ولا إقحام، إنما يكون في إطار تكنيك روائي منظم.
وقال أدباء في أحاديث إلى "العرب اليوم" أن المرأة بصفتها كائنا إنسانيا تعتريها الحاجات ذاتها التي يسعى إلى إشباعها الرجل صراحة من دون حرج أو حياء لكون المجتمع أباح له ذلك بينما فرض على المرأة قيود عدة، مما جعل الأنثى الكاتبة تجد نفسها في موقع المسؤولية لإثبات انتمائها الإنساني وحقها في التعبير عنه.
منطقة خطرة
الروائية بلقيس حسن تؤكد أنه منذ مئات السنين وموضوع الجنس في الأدب العربي منطقة خطرة وخطوط حمراء، الجميع يخشى الاقتراب منها، مع أن الأدب العربي في الزمن العباسي تحديدا، كان قد بحث بها وخاضها بكل جرأة بلغت حداً لا نجرؤ على كتابته نحن الآن. وتضيف أنه قبل زمن ليس ببعيد بل ربما بضع سنوات، تجاوز بعض الأدباء هذه الخطوط التي تشبه القناع الزائف، ومزقها في العديد من الأعمال، وهو أمر محمود لابد منه فالأدب المثالي، أدب زائف لايعكس واقع الحال ولا يعالج جرحا أو يشخص مرضا ما.
وتشير إلى أن كشف المستور والمسكوت عنه في هذا الزمن الفاسد واجب إنساني، لأن معاناة البشر غالبا مانراها تقبع في تلك الزاوية المنسية والمسكوت عنها في المجتمعات المحجبة غير الصريحة، فمن يخوض بتلك الزاوية الفتاكة يسمع أنين المنكوبين ويلمس جراح الفئات المقهورة، من هنا أعتبر الجرأة في كتابة المسكوت عنه اجتماعيا شجاعة ووطنية إذ نتعرف من خلالها على أبطال الظلام وعبيده، وقد يوصلنا هذا إلى القدرة على إيقاد نور في العتمة وتمزيق أستار الجهل والخرافات القابعة في ظل كلمة الجنس والمحرم والتابو.
*مواكبة العالمية
أما الروائي حميد الربيعي فيرى أنه "غالباً ما يتم تناول ثيمة الجسد في الأدب النسوي من ناحية الوصف، بمعنى راوٍ عليم يصف حادثة على شكل حكاية سمع عنها، ونادراً ما نجد في السرد النسوي من استعملت أفعال الحركة الحسية والنفسية التي غالباً ما تكون الأكثر تعبيراً عن حالات الجسد، بخاصة اذا كان الراوي ضمير المتكلم وفي حالة كينونة مع السرد، لكن دائماً ما يستعمل بسبب الوصف أما ضمير الغائب أو الراوي العليم وهذه المسافة الفاصلة في السرد هي التي يعبر عنها اجتماعياً بالحياء النسوي.
ويعتقد أن "على الرواية الحديثة وبعد سقوط الرموز الاجتماعية بكل تشكيلاتها بعد التغيير الكبير بعد 2003 لابد أن تتخطى المحرمات والعوائق التي وضعها المجتمع في شكلها الثالوثي أو في صيغها الفرعية والتي غالباً ما تكون عائقاً أمام السرد وانطلاقته التي تسعى إلى مواكبة المدارس السردية العالمية".
توظيفه بمهنية
ويقول القاص عبد الأمير المجر: "المشكلة ليس في الجنس، بل في كيفية توظيفه في العمل الروائي بما لا يجعله مقحماً أو لغرض الاستعراض، كما يحاول البعض ليبدو متمرداً على التقاليد او للفت الانتباه، سواء كان ذلك روائياً أو روائية، مشيرا إلى أن "الجنس غريزة عند كل البشر، وهو أيضاً وراء الكثير من الجمال والقبح في الحياة، أي انه محور منافسة وصراع قد يؤدي إلى القتال او التآمر والجريمة، بمعنى أن له تأثيرا كبيرا في رسم مصائر البشر ومزاجهم وان وجوده في الرواية أمر ضروري، وتناول موضوع الجنس بشكل عام له دور في صياغة الحدث الدرامي".
ويستدرك قائلا "لكن البعض من النساء يحاولن أن يسبقن غيرهن إلى الشهرة من خلال استثمار ثيمة الجنس للاستحواذ على الاهتمام ولفت انتباه النقاد والقراء والوصول إليهم بسرعة، اذ أن تناول موضوعة الجنس في سياق حدث روائي طبيعي قد لا يحقق من وجهة نظر بعضهن الصدمة المطلوبة عند المتلقي بينما استعمال الجنس من خلال الغوص في
وفي غضون ذلك قالت الكاتبة زينب الخفاجي: في البداية أنا غير مقتنعة تماما بإقحام الجنس في اأدب، ليس هناك رواية نسوية واخرى ذكورية، وثانياً اعتبر التطرق واﻻسهاب في هذا الأمر محاولة رخيصة لجلب انتباه أكبر عدد من القراء في حين يكفي الإيحاء للضرورة، مجتمعنا وديننا يرفضان ذلك.. وأنا ارفض ذلك لكلا الجنسين.
أحاسيس حقيقية
فيما قالت الإعلامية عدوية الهلالي: لا يُعتبر استعمال الجنس في الرواية النسائية ابتذالاً، بل محاولة لطرح أحاسيس حقيقية حول موضوع ربما يشكّل محور العلاقة بين الرجل والمرأة، فكل شيء يقود إليه سواء بالتفكير أو السلوك لأسباب كثيرة الحرمان والعنوسة والحب والزواج والخيانة، لذا لاسبيل إلى تجاهل طرحه، ولكن بشكل يخدم محتوى الرواية والهدف منها ويسهم في إيضاح فكرتها وإيصال مغزاها إلى القارئ.
صرخة للحرية
ويقول الشاعر أحمد البياتي: موضوع تناول الجنس في الرواية هو اساساً يعتمد على توظيف فكرة مفادها أن الجنس ليس أهم شيء في الحياة، وإنما هو عبارة عن جزء من كل، ولأن المرأة في المجتمع الشرقي والعربي تحديداً لم تأخذ حريتها الكافية في التعبير عن مكنوناتها الداخلية بحكم طبيعة العلاقات التي تربطها كأنثى في المجتمع بسبب نعت تصرفها بالمشين، وحتى لا تكون نظرة المجتمع لها بمثابة انتقاص، لذلك وجدت اغلب الروائيات العربيات من خلال التدوين الروائي عالم تتنفس فيه وتمارس حريتها في التعبير عن ما يحتشد بداخلها، وهو بمثابة صرخة كبرى أطلقتها الروائيات اللائي يحاولون قدر الإمكان كسر القيود المفروضة على المرأة، وبالتالي اتخذنه طريقاً معبداً للبوح كي تتخلص أولاً من هذه الظواهر السلبية وتطلق للجميع رؤيتها الحقيقية في كيفية التعامل مع المرأة.
وترى الدكتورة ذكرى الفتلاوي أن الجنس في الرواية النسوية هو عبارة عن واقع تشعر به كل كاتبة حسب رؤيتها وتجاربها وصراعاتها وتداعيات الحياة الخاصة بها، وبحسب نظرتها إلى الأدب وأسلوب تجسيده في كتاباتها من تجربة مرت بها او تأثرها بحكاية طرقت أسماعها أو شهدت أحداثها من خلال المعايشة المجتمعية اليومية.
إفراط وتفريط
ويرى القاص علي الحديثي أن المرأة إنسان والجنس هو جزء من التكوين الإنساني، ويوضح قائلاً: إلا أن ما يميز الرجل عن المرأة منافذه الكثيرة في التعامل مع هذا الموضوع، أما المرأة فتقاليدنا الاسلامية والعرفية والعشائرية فرضت عليها قيوداً في التعامل مع هذا الموضوع فخلقت فيه افراطاً وتفريطاً، أفرط المجتمع في نظرته إلى المرأة على أنها كائن يجب أن يخضع لكل القيود، فيما أباح للرجل التحلل من هذه القيود مما اضطر المرأة إلى الخروج عن تقاليد المجتمع من خلال كتاباتها فكانت كلماتها هي النافذة التي تطل منها على تلك الرغبة التي كبتتها القيود المجتمعية.. وبسبب ثقافة المجتمع المتخلفة اخذت تصف ما تكتبه المرأة بالابتذال، ولم تنظر إلى الجانب الإنساني للمرأة، فالخلل اولاً في ثقافة المجتمع الذي تنعكس على كتابات المرأة.
ويقول الإعلامي طارق الجبوري: "موضوع الجنس في الرواية النسوية يختلف من مجتمع إلى آخر بحسب الثقافات السائدة، فمثلا غادة السمان تناولت هذا الموضوع بشكل جاد وجريء وممتع من دون أن تصل حدّ الابتذال، في حين أن البعض يتعمد تناول الجنس من دون وجود فكرة يريد ايصالها للقارئ، بل لمجرد الإثارة وقد تصل حدّ الابتذال مع الأسف، وفي كل الأحوال ما زالت مجتمعاتنا برأيي متخلفة في تناول هذا الجانب بالشكل الصحيح إلا ما ندر بسبب ثقافة المحرّمات من التقرب إلى الجنس.
أرسل تعليقك