هناك كلمات عامية دارجة كثيرة، لا تزال تحتفظ بأصلها الفصيح، كما هو، مع أن بعضها تغيّر معناه، دون أن يتناقض مع أصله. ومنها كلمة "يا ستّي" التي تقال للمرأة، الآن، تبجيلاً وتعظيماً، فيما كان أصلها في التغزّل بالنساء، فيقول الرجل لواحدة منهن: يا ستّي، وهو يعني أنها مهيمنة على قلبه وفكره وحياته، لشدة تعلّقه بها.
ويذكر أن هناك اختلافاً بين اللغويين حول كلمة "سِتّي"، ما بين عامّيتها أو فصحاها، إلا أن قاموسيين كبارا أدرجوها في مصنفاتهم، وأشاروا إلى مدلول الكلمة. وكلمة ستّي، والتي تعظَّم فيها المرأة ذات المنزلة، أو المرأة الآمرة، أو المرأة معشوقة الرجل، يقول القاموس المحيط، فيها، إن "ستّي" للمرأة، تعني: "يا ستّ جهاتي"، ملمحاً إلى أنها قد تكون لحناً (خطأ أو تحويراً) من سيدتي.
ويرى تاج العروس، أن قول يا ستّي، للمرأة، أي يا ستّ جهاتي، و"كأنه كناية عن تملّكها له"، ملمحاً هو الآخر، بأن الكلمة قد تكون لحناً من أصلها في سيدتي، وتمّ حذف بعض حروف الكلمة. ثم يورد بالنقل، وصفاً يقيّم الكلمة: "عامّية مبتذلة"".
أن تكون "يا ستّي" تعني يا ستّ جهاتي، وكما قال التاج إنها كناية عن التملّك، بحيث يقولها الرجل للمرأة، قاصداً أنها ملكت عليه حياته وجهاته، لشدة عشقه، لم تنه القضية، بالكامل، إذ بقيت كلمة الحب هذه والتي تقال في عشق النساء، ثم تحولت الآن، تبجيلا وتقديراً لهن، موضع خلاف.
ويشار إلى أن كلمة " يا ستّي" المبجّلة للنساء، الآن، والمتغزلة بهن، سابقاً، موضع خلاف متواصل على ما يبدو، بين اللغويين، ما إذا كانت عامية مبتذلة كما نقل القاموس المحيط وغيره، أو أنها تحريف لكلمة سيدتي، كما نقل بعض القاموسيين، أو أنها من الجهات الست بقصد هيمنة تلك المرأة الكاملة، على وعي عاشقها، ولهذا تطرّق شاعرٌ عربي إلى تلك الكلمة، مدافعاً عن استعمالها رغم انتقاد النحويين لها، ليحسم الأمر، من وجهة نظره.
وقال الشاعر بهاء الدين زهير، والمتوفى سنة 656 للهجرة، أبياتاً تعرّض فيها للكلمة مدافعاً عنها، خاصة أنه يشير إلى غضب النحويين من استعمال الكلمة، عندما يؤكد أنه كلّما استعمل كلمة "ستّي" رمقه اللغويون والنحاة، بنظرة كراهية وغضب:
بروحي من أُسمّيها بـ"سِتّي"
فترمقني النحاةُ بعين مقتِ.
ولكنْ غادةٌ مَلَكت جهاتي
فلا لحنٌ إذا ما قلتُ: سِتِّي!
وهو بذلك يدفع بكون الكلمة القصد منها الجهات الست، أي أن الرجل عندما يقولها للمرأة، فهو يعني أنها ملكت جهاته كلها لشدة تعلّقه بها وتأثيرها عليه. ولهذا يقول إنه لا يوجد لحن في الكلمة، أي لا تتضمن خطأ لغويا، كون معناها الجهات الست التي أصبحت تحت سيطرة تلك السيدة التي ملكت قلبه.
وعلى الرغم من أن قاموسيين كبارًا، عرضوا لكلمة "ستّي" بمختلف وجوهها، إلا أن الكلمة واصلت الظهور كقضية خلافية، فظهرت في "قاموس ردّ العامي إلى الفصيح" للشيخ أحمد رضا، وقال فيها: "وقالوا للسيدة من النساء، الستّ بمعنى السيدة، ويا ستّي أي يا سيدتي، وهذا يُشعِر بأن ستّي محرّف عن سيدتي".
إلا أن رضا يعود لما قاله لغويون كبار، كابن الأنباري، بشأن كلمة ستّي، فينقل عنه قوله: "يريدون بها، يا ستّ جهاتي".
وسبقه شهاب الدين الخفاجي، المتوفى سنة 1069 للهجرة، في مصنّفه المشهور: "شفاء الغليل فيما في كلام العرب من الدخيل"، إلا أنه يضيف هجومه على الكلمة، ويعتبر الدفاع عن فصحاها، بأنه نوع من "التكلّف والتمحّل". لكن الخفاجي، كغيره من اللغويين العرب، ينقل الرأي المضاد، من باب أمانة النقل، فيقول: "سيدة، وقولهم ستّي بمعنى سيدتي، خطأ، وهي عامية مبتذلة، ذكرها ابن الأعرابي وتأوّلها ابن الأنباري فقال: يريدون يا ستّ جهاتي، وتبعه القاموس فقال: وستّي للمرأة، أي يا ستّ جهاتي، كناية عن تملّكها له".
و"ستّي" الآن، لا تقال إلا تبجيلا وتقديراً في النساء. وعادة ما يشار بها إمّا إلى كبيرات السنّ، من مثل ما ترد في أغنية المطربة اللبنانية طروب: "يا سِتّي يا ختيارة" أي العجوز الطاعنة في السن، أو يقصد بها، المبجلات ذوات الحسب والنسب. وكذلك تقال عفو الخاطر، للنداء والمخاطبة، وهي من مفردات التأدب والتقرّب، وفي جزء من استعمالها تأتي سخرية أو دعابة.
وخرجت "يا ستّي" كلياً، من سياقها الأول الذي كان يأتي في معنى العشق والتعبير عن تملّك المرأة للرجل في جهاته الست، وأصبحت مجرد نداء عفوي أو مجرد تعبير عن مكانة السيدة في المجتمع، بعدما كانت تشير إلى مكانة هذه السيدة أو تلك، في قلب عاشقها المتيّم، فقط، ولهذا قال بهاء الدين زهير: "بروحي، من أُسمّيها بِستّي"، أي أفديها بروحي، تلك التي ملكت عليّ جهاتي الستّ، رغم أنف النّحاة!
أرسل تعليقك