أنشودة مصرية للحرية وثقافة المحبة في عيد ميلاد المسيح
آخر تحديث GMT19:34:03
 لبنان اليوم -

أنشودة مصرية للحرية وثقافة المحبة في عيد ميلاد المسيح

 لبنان اليوم -

 لبنان اليوم - أنشودة مصرية للحرية وثقافة المحبة في عيد ميلاد المسيح

القاهرة ـ أ ش أ

فيما تحتفل مصر بعيد ميلاد السيد المسيح فإن الذكرى الجليلة تبقى نبراسًا للحرية التي ثار المصريون من أجلها بقدر ماهي دالة على ثقافة المحبة ونظرة العقل المسلم للذكرى المباركة كما أنها تثير تأملات ثقافية في كتاب جديد صدر بالإنجليزية وبات موضع اهتمام بالغ من القراء والنقاد معا في الغرب. إنه كتاب "قتل المسيح" لبيل أوريلي ومارتين دوجارد الذي إحتل المركز الثاني في قائمة نيويورك تايمز للكتب الأكثر مبيعًا خلال الأسبوع الأول من العام الجديد فيما كان يحتفظ بمركزه المتقدم بهذه القائمة في أواخر عام 2013. المثير للإهتمام بشدة في هذا الكتاب الجديد أن المؤلفين عبرًا بعمق عن تلك النزعة الغربية حيث تعمد تيارات واتجاهات وفرق متعددة لإضفاء ملامح وصفات وسمات معينة على المسيح بما يخدم مصالح كل فريق ويتماهى مع سماته ذاتها. فكأن هناك في الغرب من يحاول "صنع المسيح على صورته هو لا صنع ذاته على صورة المسيح وأمثولته" وكأن اشكالية خلط الدين بالسياسة هي اشكالية في الغرب كما هي اشكالية في الشرق وهو ما يتجلى في "التأويل السياسي للمسيح". فاليمين الشعبوي الأميركي كما تجسده حركة أو ما يسمى بحزب "الشاي" يتحدث عن المسيح الثائر ومحرر المعبد من الصيارفة المرابين لكنه في الحقيقة ولأسباب سياسية وتاريخية في السياق الأميركي ترجع لعدائه لفكرة الدولة ذات الحكومة المركزية القوية إنما يسعى لاستعارة هذا المشهد وتصوير الإدارة في واشنطن باعتبارها ممثلة العصر لقوى النهب والربا والرشوة والضرائب الفاحشة التي تصدى لها المسيح. وفي سبيل إثبات صحة هذا التصور مضى بيل اوريلي ومارتين دوجارد في جهد بحثي مكثف لكن لا يمكن تبرئته من الهوى الأيديولوجي حتى وهما يتوغلان في بحث حقيقة العلاقة بين اليهود والإمبراطورية الرومانية في زمن المسيح. ويقتضي الإنصاف التنويه بأن المؤلفين اللذين اشتركا من قبل في كتابي "قتل لينكولن" و"قتل كنيدي" بذلا في كتابهما الجديد وعنوانه الكامل "قتل المسيح: تاريخ" جهدًا كبيرًا في محاولة جمع التفاصيل التاريخية لفترة البحث بأكبر قدر ممكن حتى أن القاريء يكاد يستشعر بأنه يعيش في تلك الفترة بتفاصيلها من نظام الضرائب وعدد الجنود وتصميم المعبد وبلاط الحكم. لكن من الذي قال إن التفاصيل التاريخية وحدها ومهما بلغت دقتها وصياغتها بحس أدبي ملحمي هي التاريخ؟!..انما التاريخ رؤية موضوعية مركبة بناء على تحليل التفاصيل الدقيقة وبريئة من الهوى الايديولوجي والتأويل لصالح هذا الفريق أو ذاك كما عمد المؤلفان بنزعتهما اليمينية المحافظة وهما يحاولان خدمة فريق بعينه في راهن الساحة السياسية الأميركية. نعم عمد المؤلفان بيل اوريلي ومارتين دوجارد "لتسييس المسيح بما يتوافق مع ايديولوجية ومصالح حزب الشاي" تجاهلا جوهر الدوافع التي كانت وراء الحقد المتآمر على المسيح وأهمها أن دعوته هي دعوة للحرية وتحرير الانسان بصورة شاملة تتجاوز البعد الاقتصادي وحده وبما يتناقض جذريًا مع نظام الحكم القائم يومئذ. ومن هنا وقع مؤلفا الكتاب في الخطأ الذي نبها القارئ إلى أنهما بذلا جهدًا كبيرًا حتى لا يقعا فيه أي الخلط بين الحقيقة والأسطورة ولم يصلا لجوهر دعوة صاحب المقولة الباقية أبدًا:"ماذا ينتفع الانسان لو ربح العالم كله وخسر نفسه"؟. فدعوته دعوة ثورية بصورة جذرية لا تقبل المهادنة أو أي نوع من المصالحة مع قوى الظلم والطغيان والاستبداد ومن هنا ارادت تلك القوى الظالمة قتل المسيح الذي يريد تقويض دعائم حكمها تمامًا ودك النظام بأكمله. لم يقبل المسيح للإنسان خيانة الذات وخيانة الآخر فكان هو الخائن الذي يستحق الموت في نظر سدنة النظام القاتل لكل قيمة تمنح للحياة معنى وكأن "لابن الناصرة" أن يمضي في طريق الآلام أو "الجلجلة" منتصرا "للإنسان الحر" حتى يقضي الله أمرًا كان مفعولًا. ومع التسليم بوجود خلافات عقيدية كأمر طبيعي بين كل الأديان فغنى عن البيان أن المسلمين يشاركون المسيحيين الحب والتوقير للمسيح وأمه العذراء مريم فيما جاء الطفل ابن السيدة العذراء والذى تكلم فى المهد ليدافع عن أمه التي لم يمسها بشر بشارة رحمة من السماء للإنسان الذى يكابد العذابات. ويكفي تأمل الدفاع القرآني عن المسيح والعذراء والحواريين من الفئة المؤمنة في مواجهة الطغمة الظالمة من اليهود الذين رفضوا الايمان برسالة الرحمة والمحبة للقول بأن "المسيح حى بالفعل فى وجدان المسلم الحق". دافع القرآن عن المسيح والعذراء مريم فيما ينظر العقل المسلم للمسيح باعتباره أيقونة الزهد والنسك والتواضع تماما كما أن أمه العذراء هي أيقونة الطهر وهكذا قال الامام ابو حامد الغزالي أحد أكبر المفكرين الاسلاميين فى القرن الحادي عشر الميلادي أن المسيح هو أمثولة التقوى وأيقونة الورع. وامتد التوقير الإسلامي للمسيح إلى اتباعه وخاصة من النساك والرهبان كما يتجلى فى التنزيل الحكيم فى آيات مثل:"ليسوا سواء من اهل الكتاب امة قائمة يتلون آيات الله اناء الليل وهم يسجدون يؤمنون بالله واليوم الآخر ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويسارعون فى الخيرات واولئك من الصالحين"، والآية الكريمة التي جاء فيها: "لتجدن اقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا انا نصارى ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانًا وانهم لا يستكبرون". هكذا يحق القول بأن حب المسيح فى الواقع يجمع بين المسيحيين والمسلمين وأن ما يجمعنا هنا أكثر مما يفرقنا وربما تكون هناك حاجة في هذا السياق لتأمل قبة الصخرة ذلك المصلى الثماني الأضلاع عند المسجد الأقصى وأحد أعرق انجازات العمارة الإسلامية كرمز يجمع بين محمد والمسيح كما يجمع بين الاسلام والقدس الشريف. فمصلى قبة الصخرة بقدر اقترابه من المسجد الأقصى وحدث الاسراء والمعراج المحمدي الجليل والمهيب وإمامة النبي محمد لكل الأنبياء في الصلاة بقدر ما يقترب من كنيسة شهد موقعها لحظات حاسمة فى مسيرة السيد المسيح وتضحياته من أجل الانسان ومقاومة الطغيان كما تحوى رفات شهداء فى تاريخ المسيحية. وهذا المصلى الواقع على صخرة المعراج أمر ببنائه الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان خلال الفترة بين عامي 688 و692 وبات رمزًا معماريًا للقدس. وعلى جدران مصلى قبة الصخرة آيات من سورة مريم تفيض بها الدموع من العيون الخاشعة والقلوب المحبة وابتهالات ودعوات محبة للمسيح ابن العذراء ترمز للرغبة في بناء أرضية مشتركة بين أبناء ابراهيم وهي ليست الأولى من نوعها كما قال الباحث الأميركي المسلم هارون موجول في طرح بمجلة "بوسطن ريفيو". فهذا الباحث أشار إلى أنه بعد فتح المسلمين لمكة ودخول الكعبة أمر خاتم الأنبياء الرسول محمد اتباعه بتطهيرها من كل الأصنام إلا أنه نهاهم عن المساس بلوحتين أحداهما تصور النبي ابراهيم والأخرى للمسيح وأمه مريم العذراء وإن كان الرسمان قد اندثرا بمضي الزمن. كل هذا الحب من محمد للمسيح يستدعى أن يحب كل مسلم أي مسيحي وأن يحتفي المسلمون بيوم ميلاد المسيح ورسالته للإنسان التي هي في أصلها النقي رسالة محبة ودعوة رحمة. إنها القدرة على رؤية القيمة في أشياء قد تبدو لا ثمن لها في عصرنا هذا. لكن أرض الكنانة التي استقبلت بحفاوة المسيح وامه مريم البتول ستبقى وفية لقيمة الحرية وكل القيم النبيلة. نور على نور وارض لا تهون. ورد لأبناء السبيل ومهد لأطفال يتامى وتقاسم العيش الضنين مع المستجير. مصر التي إحتفت بالمسيح تستظل بمئذنة ونخلة ومسلة وكنيسة وتخفض جناح محبتها وتمدد من راحتيها كرمًا لا يضام. مصر التي سارت على الجراح مرنمة لحن الخلاص برؤية للحرية لا تحني الجبين كالنخل المديد ورؤيا للخلود ورجما للطغاة.. وطن للفرح ومحبة للفقراء ومدى يعانق الأبد.. عود على بدء ليكون ميلاد جديد..مدد. مدد.  

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أنشودة مصرية للحرية وثقافة المحبة في عيد ميلاد المسيح أنشودة مصرية للحرية وثقافة المحبة في عيد ميلاد المسيح



إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمان - لبنان اليوم

GMT 07:17 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

تجديد جذّري في إطلالات نجوى كرم يثير الجدل والإعجاب
 لبنان اليوم - تجديد جذّري في إطلالات نجوى كرم يثير الجدل والإعجاب

GMT 17:56 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية فخّمة تجمع بين جمال الطبيعة والرفاهية المطلقة
 لبنان اليوم - وجهات سياحية فخّمة تجمع بين جمال الطبيعة والرفاهية المطلقة

GMT 17:38 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث متعددة الأغراض
 لبنان اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث متعددة الأغراض

GMT 15:24 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

أفكار لتوزيع قطع الأثاث حول المدفأة
 لبنان اليوم - أفكار لتوزيع قطع الأثاث حول المدفأة

GMT 08:54 2022 الخميس ,02 حزيران / يونيو

جينيسيس تكشف عن G70" Shooting Brake" رسمياً

GMT 19:19 2021 الجمعة ,17 كانون الأول / ديسمبر

موضة حقائب بدرجات اللون البني الدافئة

GMT 21:00 2020 الأربعاء ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

أملاح يلتحق بمعسكر المنتخب ويعرض إصابته على الطاقم الطبي

GMT 21:13 2023 الخميس ,13 إبريل / نيسان

موضة الأحذية في فصل ربيع 2023

GMT 18:07 2022 الأربعاء ,01 حزيران / يونيو

ساعات أنيقة باللون الأزرق الداكن

GMT 21:12 2023 الأربعاء ,03 أيار / مايو

آخر صيحات الصيف للنظارات الشمسية
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon