مكة المكرمة - العرب اليوم
حظي عدد من الصحابة بمكانة عالية لدى النبي صلى الله عليه وسلم، وحصل بعضهم على ألقاب من النبي، فمنهم من لقب بخطيب رسول الله، ومنهم من لقب بمؤذن الرسول، ولكن هناك من حظي بلقب يعلو كل هذه الألقاب مكانة، وهو الصحابي الجليل زيد بن حارثة، الذي تبناه النبي فناداه الناس "زيد بن محمد"، بل ارتفعت مكانته ليصبح الصحابي الوحيد الذي ذكر اسمه في القرآن.
زيد بن حارثة بن شرحبيل بن عبدالعزي بن امرئ القيس، اختطف زيد عندما كان طفلا، حيث خرجت به أمه لزيارة أهلها، فخطف من بين يديها زيد، ثم بيع في سوق عكاظ، وأصبح غلاما للسيدة خديجة بنت خويلد، وبعد أن تزوجت من الرسول، وهبت له زيدا لخدمته.
كان النبي يعامل زيد معاملة حسنة، وكان يحبه حبا شديدا، فوجد زيد الأمان عنده، وفي يوم ما تعرف عليه جماعة من قومه وذهبوا إلى أهله وأبلغوهم بمكانه، فذهب والده وعمه إلى النبي ليعتقاه، وكان من المفترض أن يستقبل زيد هذا الأمر فرحا، فكم من الموالي يتمنون أن يعتقهم أحد، ولكن موقف زيد كان مختلفا، حيث اختار النبي على أبيه وعمه، فلقد أحب النبي لحسن تعامله معه، فعندما جاء أبوه وعمه قال له النبي "فأنا من قد علمت ورأيت صحبتي لك فاخترني أو اخترهما، فقال زيد ما أنا بالذي أختار عليك أحدا أنت مني بمكان الأب والأم، فقال أبوه وعمه: ويحك يا زيد أتختار العبودية على الحرية وعلى أبيك وعمك وأهل بيتك، قال زيد: نعم إني قد رأيت من هذا الرجل شيئا ما أنا بالذي أختار عليه أحدا أبدا".
وبعد اختيار زيد للنبي صلى الله عليه وسلم، أخذه وخرج به إلى الكعبة وقال: "يا أهل قريش اشهدوا، هذا زيد ابني يرثني وأرثه"، وبعده ناداه الناس "زيد بن محمد". ولكن لم تكتمل فرحة زيد مدى الحياة بشرف أن يكون ابنا لسيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم، فبعد ذلك حرم الله التبني في قوله تعالى "ادْعُوهُمْ لِآَبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آَبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا"، وبعد نزول الآية عاد الناس ينادونه زيد بن حارثة، فحزن حزنا شديدا. ولكن الله لم يترك زيد بن حارثة حزينا فأنزل آية ذكر فيها اسمه تطييبا لخاطره، ولأن الله يعلم مدى حب زيد للنبي فيقول سبحانه وتعالى "فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَراً زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولاً".
كان سبب تحريم التبني هو أن الناس كانوا يحرمون على أنفسهم زوجات أبنائهم بالتبني، وبعد نزول الآية كسر النبي هذه القاعدة وامتثل إلى أمر ربه، وتزوج من زينب بنت جحش بعد أن طلقها زيد بن حارثة، وبذلك نجح النبي في تغيير مفهوم الناس الخاطئ في هذا الأمر. زيد قائدا للسرايا بأمر النبي كان زيد يحب النبي حبا شديدا، ولا يتحمل غيابه، وكان شديد الدعم للنبي في دعوته، لذا رافق النبي في غزواته وكان كاتم أسراره، كما أنه اشتهر بأنه من الرماة الماهرين.
دافع زيد عن النبي في الطائف، ودفع عنه الحجارة التي كان يرميها عليه المشركون لإيذائه، ومن كثرة الحجارة التي تحملها جرح رأسه دفاعا عن النبي محمد. ومن الغزوات التي شهدها زيد مع النبي الخندق وخيبر وبدر وأحد والحديبية، وكان يرسله النبي قائدا على السرايا فأرسله أميرا على سرية إلى مكان يسمى "الفردة"، وأرسله قائدا على سرية إلى الجموم، وسرية أخرى إلى العيص، ثم سرية إلى الطرف، ثم سرية إلى حشمي، وبعدها سرية إلى الفضفاض، وسرايا أخرى كثيرة كان زيد أميرا عليها بأمر النبي صلى الله عليه وسلم. استشهاده رحل أحب الناس إلى رسول الله زيد بن حارثة، الذي أطلق على ابنه أسامة بن زيد لقب "الحب بن الحب" وذلك لحب النبي لهما، حيث كان ينادي الصحابة زيد بـ"حب رسول الله"، حيث استشهد في غزوة مؤتة التي أرسله النبي قائدا عليها ضمن ثلاثة قادة استشهدوا جميعا. استغفر النبي للقادة الثلاثة، وعندما زار بيت زيد بكت ابنته بغزارة، فبكى النبي بصوت عال فقال له سعد بن عبادة "يا رسول الله ما هذا؟"، قال: هذا شوق الحبيب إلى حبيبه".
أرسل تعليقك