نقش شواهد القبور في فاس ما بين تعلم حرفة والتعريف بالموتى
آخر تحديث GMT10:46:32
 لبنان اليوم -

نقش "شواهد القبور" في فاس ما بين تعلم حرفة والتعريف بالموتى

 لبنان اليوم -

 لبنان اليوم - نقش "شواهد القبور" في فاس ما بين تعلم حرفة والتعريف بالموتى

نقش "شواهد القبور" في فاس
فاس – العرب اليوم

لا يمكن لزائر المدينة العتيقة في فاس أن يمر وهو يشق "الطالعة الصغيرة"، صاعدًا أو هابطًا، دون أن تثير انتباهه ألواح رخامية مكتوبة بخط عربي أنيق، معروضة بأبواب ورشات صغيرة.. إنها شواهد القبور التي يتخصص في نقشها حرفيون مهرة، خطاطون يطوعون الخط العربي ليحولوا ألواح الرخام الصماء إلى بطاقات ناطقة عن "حياة الموتى" تتضمن، بالإضافة إلى أسمائهم وتاريخ ميلادهم ووفاتهم، نقوشًا عبارة عن آيات قرآنية أو أدعية مأثورة أو عبارات تعزية.

أدوات بسيطة ومهارات كبيرة

بمجرد ما تخطو خطواتك الأولى بـ"الطالعة" الصغيرة، في اتجاه عمق المدينة العتيقة في فاس، ستجد نفسك وسط أربع ورشات متخصصة في نقش شواهد القبور، إحداها ورشة محمد الشرقاوي، وهو حرفي في عقده الرابع، قضى في ممارسة هذه الحرفة حوالي 30 سنة، بعد أن تعلم أولى أبجدياتها عندما كان، خلال نعومة أظافره، يرافق جده إلى ورشته في أوقات الفراغ من الدراسة، ليساعده في عمله.

وعندما دخلت هسبريس إلى ورشة الشرقاوي وجدته رفقة زبون يطلب منه أن ينجز له شاهدًا رخاميًا لقبر أحد أقربائه، توفي قبل أيام ليست بالبعيدة، فدله على نماذج، ليختار واحدًا منها، قبل أن يتناول الحرفي مذكرته ويشرع في تسجيل المعطيات الخاصة بالشخص المتوفى. وبعد أن ذكر الزبون أنه لا يعرف التاريخ الهجري الموافق لازدياد قريبه، طمأنه الشرقاوي وأقنعه بأنه لا داعي لذلك، وأخبره أنه سيكتفي بكتابة التاريخ الميلادي للازدياد والتقويمين معًا عند الإشارة إلى تاريخ الوفاة؛ ثم انصرف الزبون بعد أن ناول صاحب الورشة ثمن اللوحة، ضاربًا معه موعدًا للعودة من أجل أخذ طلبيته التي أوصاه بإخراجها في أحسن حلة.

وأسرع محمد الشرقاوي، بعد انصراف زبونه، ليشرع في عمله، وهو يتجاذب أطراف الحديث مع هسبريس حول واقع وخصوصيات هذه الحرفة، وأخذ بركارا وبدأ يرسم به على اللوح الرخامي أنصاف دوائر وأقواسًا، قبل أن يأخذ قلم مداد (ماركور) وينطلق، في رشاقة، يخط على المستطيل الرخامي دعاء رحمة لسيدة متوفاة، ستكون هذه القطعة الرخامية شاهدًا على قبرها، قبل مروره إلى خط بطاقة تعريفية لحياة المتوفية، وذلك بخط عربي جميل، بلمسة فنية وإبداعية متميزة.

وما إن أنهى الشرقاوي الخط على اللوح حتى أخذ مطرقة وأداة حادة (إزميل)، فانهمك في النقش على اللوح مقتفيًا آثار الحروف؛ وذلك بكل انتباه ودقة، مسترسلًا في الحديث مع هسبريس دون أن يرفع عينيه عن اللوح؛ وبمجرد أن أنهى هذه المهمة حتى شرع في صباغة ما نقشه على اللوح، مستعملًا اللونيين الأخضر والأسود، قبل أن يضع لوحته جانبًا لكي ينشف المداد وتصبح الصباغة مقاومة للمسح، فتحولت القطعة الرخامية من قطعة "عذراء" إلى لوحة فنية تزينها نقوش بخط عربي بديع.

فن وإبداع

"أنا أستعمل ثلاثة خطوط في نقش شواهد القبور، هي الثلث والأرقام والنسخ"، يوضح محمد الشرقاوي، الذي اعترف بأنه لا يحترم قواعد الكتابة بهذه الخطوط، قائلا: "إذا كتبت بهذه الخطوط كما هي، فالزبون لن يتقبل الأمر، سيطالبك مثلًا، بتطويل الألف وإظهار الهاء، إلى غير ذلك من الحروف التي لم يعتد الناس على أشكالها بالخطوط المذكورة"، مشددًا على ضرورة أن يكون الخط بلمسة فنية ومقروءًا لدى الجميع.

وأجمع جل حرفيي نقش شواهد القبور في فاس على أن هذه الحرفة تعلموها منذ الصغر، وذلك على مراحل، تبدأ بتعلم حك اللوح بالملح، ثم التخطيط (الترساج)؛ وبعد ذلك ينتقل المتعلم إلى التدرب على النقش والصباغة، مؤكدين أن هذه الحرفة تتطلب التركيز ودراية واسعة بأنواع الخط العربي، كما هو حال الشرقاوي الذي ذكر أنه كان يتدرب على الكتابة بالخط العربي في منزل أسرته؛ وذلك عبر اطلاعه على بعض الكتب التي تتناول أنواع الخط العربي وطريقة الكتابة بها.

ولا ينتظر حرفيو نقش شواهد القبور في فاس مقدم الزبون ليبدؤوا في إنجاز لوحاتهم، فهم يعملون مسبقًا على إعداد نماذج متعددة منها، يتم عرضها داخل ورشاتهم وعلى أبوابها، بعد أن ينقشوا عليها آيات قرآنية أو أدعية، مع ترك مكان الضمائر فارغًا، فإذا ما جاء أحد الزبائن واختار نموذجًا للوحة معينة بادر الحرفي ليضيف إليها الضمير المناسب لجنس المتوفى، بعد ذلك يكمل خطها بتضمينها اسم المتوفي أو المتوفية وتاريخي الميلاد والوفاة.

"هناك من يختار رخامة كبيرة، وهناك من يفضل رخامة صغيرة"، يوضح عبداللطيف، أحد الحرفيين الشباب، موردًا أنه في بعض الأحيان يقترح قريب المتوفي أو المتوفية صيغة الدعاء أو الآية القرآنية التي يريد أن تكتب على الشاهد، وزاد: "نكتب ما يريده، ونخيره بين النماذج المتوفرة، فإذا أعجبته فله ذلك، وإن أراد بديلًا عنها نلبي طلبه".

تراجع المداخيل

أجمع نقاشو شواهد القبور في مدينة فاس على أن القطاع أصبح يعيش وضعية صعبة، ليس بسبب تراجع عدد الموتى، ولكن بفعل المنافسة الشرسة بين الحرفيين، بعد ارتفاع عدد الممارسين لهذه الحرفة؛ كما أن غلاء الرخام، الذي يتم جلبه من إيطاليا، قلل من الأرباح، وذلك بعد أن أصبح الطلب عليه متزايدًا بسبب استعماله في تزيين المنازل والإدارات العمومية وواجهات البنايات.

"كان يأتي عندنا الزبائن من مختلف الأقاليم القريبة من فاس. وحاليًا نقتصر على طلبيات من مدينة فاس وضواحيها وإقليم تاونات"، يؤكد محمد الشرقاوي، الذي ذكر أن هذه الحرفة كانت مزدهرة فيفاس في مرحلة تواجد اليهود بكثرة في المدينة، إذ كانوا يقبلون على وضع شواهد القبور لموتاهم بالمقبرة العبرية الكائنة في حي الملاح، وزاد: "كانوا يطلبون منا أن ننقش لهم "الحانوكات"، وصورة شخص ملتح يحمل في يده شيئا ما".

ويختلف ثمن الشاهد حسب حجم لوحته الرخامية، ولا يقل عن 80 درهمًا؛ كما يتحدد حسب سخاء الزبائن أو بخلهم، والذين يتفاوت إقبالهم من يوم إلى آخر، علمًا أن عدد الموتى يبقى المؤشر الرئيسي الذي يحدد الدخل اليومي لنقاشي شواهد القبور في مدينة فاس.

 

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

نقش شواهد القبور في فاس ما بين تعلم حرفة والتعريف بالموتى نقش شواهد القبور في فاس ما بين تعلم حرفة والتعريف بالموتى



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة - لبنان اليوم

GMT 15:24 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

أفكار لتوزيع قطع الأثاث حول المدفأة
 لبنان اليوم - أفكار لتوزيع قطع الأثاث حول المدفأة

GMT 14:02 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
 لبنان اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 14:42 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
 لبنان اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 09:51 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

فساتين الكاب تمنحك إطلالة ملكية فخمة

GMT 10:05 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

أفكار هدايا مبتكرة ومميزة في موسم الأعياد

GMT 08:48 2023 الأربعاء ,22 آذار/ مارس

أبرز العطور التي قدمتها دور الأزياء العالمية

GMT 15:27 2021 السبت ,10 إبريل / نيسان

علي ليو يتوج بلقب "عراق آيدول" الموسم الأول

GMT 11:57 2023 الأربعاء ,20 كانون الأول / ديسمبر

برومو ”الاسكندراني” يتخطى الـ 5 ملايين بعد ساعات من عرضه

GMT 16:26 2021 الإثنين ,20 أيلول / سبتمبر

بريشة : ناجي العلي

GMT 15:28 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

أفكار لاستغلال زوايا المنزل وتحويلها لبقعة آسرة وأنيقة

GMT 09:37 2022 الخميس ,21 تموز / يوليو

طرق تنظيم وقت الأطفال بين الدراسة والمرح

GMT 14:26 2017 الجمعة ,15 كانون الأول / ديسمبر

متوسط أسعار الذهب في أسواق المال في اليمن الجمعة

GMT 19:03 2019 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

منى عبد الوهاب تعود بفيلم جديد مع محمد حفظي
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon