بيروت ـ كمال الأخوي
سواء أكان داخل السلطة السياسية من خلال موقعه كوزير للخارجية، أو كان خارجها، لا يستطيع جبران باسيل أن يغيب عن المشهدية السياسية، وذلك من خلال تعاطيه المباشر بكل الملفات، التي هي في الأساس مناطة حصرًا برئيس الجمهورية.
فهو الذي يفاوض، وهو الذي يطرح اسماء المرشحين المحتملين ليتولوا رئاسة الحكومة المقبلة، وفق دفتر شروط يتلاءم مع ما يطالب به، وهو الذي يحدّد موعدًا للإستشارات النيابية الملزمة التي سيجريها رئيس الجمهورية، وهو الذي يقاطع ما يتوافر من معلومات بين "حزب الله" وسائر الأطراف المعنية بمسألتي التكليف والتأليف، وهو الذي يحدّد مواصفات رئيس الحكومة العتيدة، وهو كان أول من طرح إسم الوزير السابق محمد الصفدي ليدخل نادي رؤساء الحكومات، وهو الذي أعطاه الضوء الأخضر بعد إجتماعه به، وحاول أن يفرضه على بيئته أولًا وعلى رؤساء الحكومات السابقين، الذين قطعوا عليه الطريق ولم يتركوا له فرصة الزهو بما أعتبره إنتصارًا، وكذلك حاول أن يتحدّى به الإنتفاضة، وهو الذي يعرف مسبقًا أنه لن يكون مقبولًا في الشارع، وكأنه أراد بذلك "زكزكة" المنتفضين، حتى أن إنسحاب الصفدي جاء بعد إجتماعه به، وهو يحاول في كل ما يقوم به الإيحاء بأنه الآمر والناهي، البداية والنهاية، من دون أن يأخذ في الإعتبار إنعكاس ما يقوم به على الحياة السياسية وعلى التوازنات القائمة داخل السلطات الثلاث.
وأغرب ما في الأمر أنه يسمح لنفسه القيام بما لم يسبقه إليه أحد من خلال مدّ يده على مقام رئاسة الحكومة من خلال تهميش دورها، سواء قبل التكليف أو بعد التكليف، وذلك من خلال "القوطبة" على من سترسو عليه مهمة تولي رئاسة الحكومة العتيدة، ومحاولة تأليف الحكومة قبل التكليف وتحديد شكلها ومهامها من خلال مروحة المشاورات التي يجريها مع مختلف الأطراف.
وفي رأي بعض المراقبين الحياديين أن باسيل، عدا عن كونه وزيرًا للخارجية، يحاول أن يصادر صلاحيات رئيس الجمهورية، وكذلك صلاحيات رئيس الحكومة، أيًّا يكن الإسم الذي سيقع عليه الإختيار، بعدما أنسحب الصفدي من الميدان، وبهذا يمسك بخيوط اللعبة من جوانبها كافة، إذ تنطبق عليه مقولة ثلاثة بواحد تمام الإنطباق.
إلاّ أن حسابات بيدر باسيل لم تنطبق على حسابات حقله، إذ أن الصفدي الذي أستهاب الموقف وجسامة المهمة التي كانت ستلقى على كتفيه، فأعلن إنسحابه، وبالتالي فإن أي من الأسماء المطروحة لن يستطيع حمل هذا الحجر الثقيل، خصوصًا أن الرؤساء نجيب ميقاتي وفؤاد السنيورة وتمام سلام، ومعهم مفتي الجمهورية اللبنانية، بما يرمزون إليه داخل الطائفة السنية، قد حدّدوا في شكل نهائي موقفهم، وسمّوا الرئيس سعد الحريري لكي يكون على رأس حكومة الإنقاذ وفق شروطه وليس وفق شروط الوزير باسيل، بإعتباره الخيار الوحيد المتاح حاليًا، إلاّ إذا قرر باسيل ومعه 8 آذار الذهاب إلى حكومة اللون الواحد، بما يعنيه هذا النوع من الحكومات من مواجهات بينه وبين شريحة واسعة من المكون الأساسي في معادلة القوى، التي يتشكل منها المجلس النيابي من جهة، وما يمثله هذا المكون من ثقل شعبي، فضلًا عن قوة الرفض الذي يتمتع به شارع الإنتفاضة.
فهذا الخيار، في حال أصرّ عليه من يجاري باسيل في طروحاته، يُعتبر وفق المراقبين، بمثابة إنتحار جماعي، لأن وضع البلد لا يحتمل هذا النوع من المغامرة، وهو بالكاد يستطيع الوقوف على رجليه، فلا يبقى أمام المعنيين بهذه الأزمة سوى القبول بما يشترطه الرئيس الحريري لكي يقبل السير في ما يعتبره مغامرة لا بدّ منها.
قد يهمك ايضا:
مكتب الحريري يؤكد أن سياسة محاولة تسجيل النقاط التي ينتهجها التيار الوطني الحر غير مسؤولة
الصفدي يرفض الحكومة اللبنانية والسنيورة يجدّد العهد للحريري خوفًا من الوقت
أرسل تعليقك