بيروت - لبنان اليوم
استوقف المعنيين كلام نائب الامين العام لـ"حزب الله" الشيخ نعيم قاسم في تقويمه لحجم المسؤولية التي يتحملها حاكم مصرف لبنان عندما قال إن الاخير يتحمل مسؤولية ما وصلنا إليه لكن ليس لوحده؛ وللتذكير فإن "التيارالوطني الحر" جدد لسلامة ولاية اضافية في العام 2017 ،ولم يعترض "حزب الله" حينذاك على التمديد. ويشير ذلك إلى أنه قبل سنتين لم تكن علاقة هذه القوى مع سلامة على النحو الذي بلغته خلال الاشهر الاخيرة بل كان ثمة مساحة مشتركة للتفاهم، علما أن الجميع يومذاك كان يراقب الهندسات المالية التي كان يقوم بها الحاكم المركزي، وينصت بشدة إلى تقويماته الإيجابية والى مواقفه التي تؤكد الثقة بالوضعين النقدي والمالي في لبنان، فلم تضع هذه القوى نفسها ولا المؤسسات الدستورية والحكومة في موقع التصادم مع سلامة الذي حاول في المرحلة الأخيرة من عمر حكومة الرئيس سعد الحريري، وفي مرحلة تصريف الاعمال بعيد استقالتها، أن ينكمش في ممارسة دوره المالي وأن يعود إلى حدود وظيفته الأساسية عندما رفض تمويل الدولة لتسديد سنداتها المستحقة قائلاٍ ما مفاده ليس دوري تمويل الدولة، إنما إدارة الوضع النقدي وحماية سعر الصرف، علما أن رئيس مجلس النواب نبيه بري تدخل شخصيًا لديه في مرحلة تصريف الأعمال لتوفير الأموال لتسديد أحد السندات قبل يوم واحد من استحقاقه.
وفق قراءة مصادر مطلعة في الثنائي الشيعي يستطيع سلامة القول اليوم في مؤتمره الصحافي، إنه أجبر على تمويل الدولة الأمر الذي استنزف قدرات البنك المركزي من الاحتياطي المالي، لكن ما لا يستطيع سلامة تبريره هو إصراره الدائم على إبراز صورة إيجابية وطمأنة الجميع من سياسيين واقتصاديين ورجال أعمال ونقابات ومواطنين عاديين بأن الأمور تحت السيطرة، وأن قدرات البنك المركزي في إدارة الوضعين المالي والنقدي قوية ومتمكنة، فهو كان دائمًا ينشر بطريقة منتظمة ميزانية البنك المركزي على نحو الذي يحافظ على الثقة ولا يثير مشكلة، لكن ما حصل لاحقًا بعد انتفاضة 17 تشرين أظهر مسارًا مختلفًا وأبرز الحقائق بوجهها المتناقض مع مواقف سلامة.
بعد إقفال المصارف لمدة 15 يوما في تشرين الأول الماضي لم يكن مفهوما أن يسمح البنك المركزي للمصارف فتح أبوابها من دون أن يكون هناك كابيتال كونترول رسمي ومقونن، علما أن قانون النقد والتسليف يتيح له ممارسة هذا الدور، لكنه حينذاك أشار إلى أن هذا الأمر يحتاج إلى توافق سياسي واقرار من المجلس النيابي، لكن النتيجة كانت مدمرة للقطاع المصرفي، وشكّل هذا الامر حجر الدومينو الذي تساقطت بعده كل البنية المصرفية. والغريب، بحسب المصادر نفسها، أن سلامة ظل متمسكا بخطابه الواثق حتى أنه في لقائه الاول هو وجمعية المصارف مع لجنة المال والموازنة فند الارقام المالية الموجودة في مصرف لبنان ليقول إن ما تبقى هو 43 مليار وأن احتياطي البنك المركزي يملك أكثر من ذلك، لكن سريعا ما أخذ هذا الرقم بالتضاؤل حتى استقر في الأونة الأخيرة على 22 مليار من دون أن يوضح سلامة ما إذا كان هذا المبلغ هو سيولة مالية متوفرة أو يتضمن أمورًا اخرى، حيث بقي هذا الأمر غامضا ولم يتمكن أي من المعنيين من معرفة حقيقته.
لا شك أن الصاعقة التي وقعت على رأس الجميع وأصابت سلامة قبل أي أحد آخر، تتمثل بحسب المصادر نفسها، بما يسمى خطة الحكومة الإصلاحية بالاستناد إلى الدراسات التي أنجزتها "لازارد" والتي تحدثت عن أن خسائر البنك المركزي تبلغ 83 مليار دولار لتستقر على قرابة 60 مليار دولار بعد إزالة رأسمال المصارف.
تكمن المفارقة الكبيرة في أن الحكومة لغاية اللحظة، لا تعرف الأرقام الحقيقية للبنك المركزي الذي يصدر تعاميم تصفها المصادر، بالاشكالية ومن دون تنسيق مع الحكومة، هذا فضلًا عن أن هيئة التحقيق الخاصة التي تتابع أمر التحويلات إلى الخارج لم تتعاط بالشفافية الكافية، فتحويل الأموال إلى الخارج استمر رغم كل الاعتراض الشعبي والسياسي.
لقد وصلت علاقة الحكومة والقوى التي تدعمها بسلامة إلى الحضيض . فقد افصح التيار البرتقالي عن موقفه بصورة واضحة ومتكررة، بما فيها التحرك الميداني ضد المصرف المركزي في الحمرا؛ أما "حزب الله" فظل صوته خافتا ومتقطعا وفي أغلب الاحيان دبلوماسيا؛ هذا الأداء يعكس مقاربة "حزب الله" لمجمل القضايا الحيوية في ظل حكومة دياب التي عليها، كما تقول المصادر، أن تتحمل مسؤوليتها وتستكمل ما بدأته لا سيما وأن معالجة مسالة المصارف تلقى تاييدًا شعبيًا عارمًا بغض النظر عن المواقف التي فرملت اندفاعة الحكومة.
لا يريد"حزب الله" ان يكون في واجهة المواجهة مع المصارف والبنك المركزي وحاكمه، فدخوله بفاعلية وقوة على موضوع سلامة والوضع المصرفي سيتيح لـ"المتربصين" بالاجراءات الإصلاحية على صعيد مكافحة الفساد واسترداد الأموال المنهوبة تسييس المسألة وحرفها عن وجهتها الإصلاحية لأنه سيسهل على هؤلاء أن يصوروا المشكلة أنها بين الحزب والقطاع المصرفي، الذي يعتبره الأميركي أحد ركائز تعاونه، لذلك يبدو، بحسب المصادر نفسها، أن الخلط القائم والخطير في خطاب القوى المؤيدة للحكومة من جهة والمعترضة عليها من جهة أخرى، هي بين أن تكون الاجراءات تقنية وإصلاحية محايدة وبين أن تكون سياسية واستنسابية وانتقامية وفقا لما يرد في خطاب قوى المعارضة
قد يهمك ايضا:نعيم قاسم يؤكد أن حزب الله يدعم الحكومة بشكل كامل
قاسم يؤكد نريد حكومة إصلاحية إنقاذية تعطي الناس حقوقهم
أرسل تعليقك