ترددت أنباء عن الحكومة اللبنانية مفادها أنّ التفاوض مع صندوق النقد غير محدّد بمدى زمني، رئيس لجنة المال ابراهيم كنعان لاقى هذا الجو أيضًا بقوله "لا مفاوضات سهلة أو سريعة مع صندوق النقد". إذن تحاول السلطة أن تمرّر فشلها في جولات التفاوض مع الصندوق، حتى الآن على الأقل، بتعابير خلّاقة وناعمة، كالحديث عن عدم وجود مدى زمني، علمًا أنّ الجوع وانحدار الوضع المعيشي لدى معظم فئات الشعب اللبناني، يسابق كلّ الجداول الزمنية، ولا ينفع معه سير السلحفاة الحكومية. بالأمس القريب توصّل الصندوق نفسه، إلى اتفاق مع الحكومة المصرية، ستحصل بموجبه على قرض استعداد ائتماني بقيمة 5.2 مليار دولار، وذلك بعد لقاءات مع الحكومة المصرية كانت قد أجرتها بعثته في الفترة الممتدة من 19 أيار إلى 5 حزيران، بحسب البيان الصادر عن الصندوق. إذن بأسبوعين فقط أثمر التفاوض المصري مع الصندوق اتفاقًا، فلماذا يستغرق لبنان كل هذه الأسابيع من جولات التفاوض، علما أنّ جغرافيته واقتصاده لا يقارنا بمصر؟
"مَرْتا، مَرْتا، تهتمين بأمور كثيرة إنّما المطلوب واحد"، ربما يوصّف قول يسوع حالنا المضطرب، إذ أنّ الحكومة تدرك ما هو المطلوب منها من قبل المانحين لتحصل على قرض الصندوق، ولطالما كرّره على مسمعنا أكثر من موفد دولي من دوكان وغيره، ولكنّنا نمضي متجاهلين متذاكين، ونهدر الوقت بالتفاوض دون أن نبدأ بخطوة إصلاحية واحدة.
النائب ياسين جابر رئيس لجنة الخارجية النيابية وعضو في لجنة المال، ومشارك في لجنة تقصّي الحقائق المنبثقة عن لجنة المال والموازنة، والتي أخذت على عاتقها مقاربة الأرقام الماليّة في محاولة لتوحيدها، يوضح أنّ عدم التوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد يتخطّى مسألة الفارق الكبير في أرقام تقدير الخسائر. فهذه الفجوة على رغم فداحتها ليست العائق الوحيد أمام المسار التفاوضي.
في حديث لـ " لبنان 24" يقول جابر "القضية أبعد من الأرقام على أهميتها، بل تكمن في النقاش بالمنطلقات والسياسات التي أوصلت لبنان إلى هذا الوضع، فالأرقام تأتي نتيجة سياسات معينة، وبالتالي التغيير في السياسة والأداء ينعكس تغييرًا في الأرقام. من هنا نناقش في اللجنة الطريقة التي اتُبعت في التعاطي مع الأرقام، وبرأينا كلجنة مال وموازنة نيابية، هناك خطأ جسيم لا بل مميت اقترفه المعنيون في لبنان، عندما ذهبنا لنفاوض صندوق النقد الدولي، منقسمين على بعضنا البعض، بعد أن رفض فريقٌ التنسيق مع الآخر، وحصدنا النتيجة بانفجار اللغم في أنفسنا، بحيث أضحى صندوق النقد حكمًا بين فرقاء داخل البلد الواحد، وهكذا قدّمنا انطباعا سيئًا عن أنفسنا".
برأي جابر، كان من الضرري أن يتوصّل المعنيون في لبنان إلى مقاربة واحدة، قبل الذهاب إلى التفاوض. والمعنيون ليسوا فقط المصارف والحكومة، بل المجلس النيابي "فالحكومة لم تفكّر بالتشاور مع المجلس النيابي قبل التفاوض، وفي بلد ديمقراطي لا بدّ للبرلمان أن يوافق على السياسة العامة للحكومة. في اليونان مثلا لم يلجأوا إلى الصندوق إلّا بعد إجراء انتخابات ". فضلًا عن مشهديتنا أمام الصندوق فرقًا لبنانية متصارعة، يرى جابر أنّنا قدّمنا كل شيء دفعة واحدة، فعلى سبيل المثال، في محفظة مصرف لبنان سندات تستحق بعد 10 و15 سنة، وبالتالي لا يمكن احتسابها على أنّها خسائر، فلا زال هناك متسع من الوقت، ولكننا فعلنا، من هنا تمظهرت الثغرات في طريقة احتساب الخسائر، وكأنّنا نمارس جلد الذات.
هل توحيد الأرقام سيشكّل بداية التوصل إلى اتفاق مع الصندوق؟
يجيب جابر "يجب أن نكون متيقّنين أنّ المفاوضات ليست مرتبطة فقط بتوحيد الأرقام، هناك ما هو أهم، هناك الإصلاحات التي اشترطها المانحون قبل أي دعم. فهل سيدفع المجتمع الدولي للبنان أموالًا من دون أن يدرك في أيّ اتجاه سوف تُنفق؟ تمامًا كأن يُطلب من المصرف أن يقرض زبونًا يقامر في الكازينو، فهل يقرضه المصرف وهو مدرك أن الزبون لن يعيد الأموال؟ حتما لا. ونحن بدرونا هل وضعنا حدًّا للخسائر المتأتية من النهج والأداء؟ هل قدّمنا ما يقنع الصندوق أنّنا عالجنا مكامن الهدر؟ فوفق أي مرتكز إصلاحي سوف يقرضنا المانحون؟".
ما هي الإصلاحات التي يشترطها الصندوق؟
"مجموعة الدعم الدولية كانت قد أبلغت لبنان وحكومته بشروط المجتمع الدولي للمساعدة، وضخ السيولة متوقف على تنفيذ ثلاثة شروط، أولًا إقفال ملف الكهرباء وهدره، ثانيًا استقلالية القضاء، وثالثًا إقرار قانون المناقصات والشراء العام". هذا الكلام سمعه جابر من ممثلي صندوق النقد في جلسة انعقدت قبل حوالي اسبوع برئاسته للجنة منبثقة عن اللجان المشتركة، درست قانون الشراء العام وهو من القوانين المطلوبة دوليًا، كونه ينظّم كلّ ما تشتريه الدولة ويضع إطارًا شفّافًا للمناقصات، وبناءًا على دعوة جابر حضر الجلسة ممثلون عن صندوق النقد الدولي والإتحاد الأوروبي والوكالة الفرنسية للتنمية في لبنان.
من الشروط الثلاثة تلك، لم تنفّذ الحكومة شيئًا، إذ يبدو أنّ هذه الإصلاحات تأتي في الـ 3% المتبقية من إنجازات حكومتنا التي حقّقت ما نسبته 97%. وأكثر من ذلك ذهبت حكومة الإنجازات في الإتجاه المعاكس، لتفجّر أمام المجتمع الدولي في توقيت التفاوض فضيحة معمل سلعاتا وملايين استملاكاته، فضلًا عن عجزها عن وقف تهريب الطحين والمحروقات إلى سوريا، وتكبيد الخزينة مليارات الدولارات المتبقية من احتياط المصرف المركزي. أمّا شرط استقلال القضاء فحدّث ولا حرج، ومرسوم التشكيلات القضائية يحكي عن تلك الإستقلالية.
أتسألون بعد لماذا يحجب صندوق النقد الدولي دولاراته عن بلدنا ويمنحها لبلدان أخرى؟
قد يهمك ايضا:رئيس الحكومة اللبنانية يبحث إمكانية فتح المطارات ويتعهد بموسم سياحي جيد
أرسل تعليقك