بيروت - لبنان اليوم
يكفي لأي سلطة فاسدة مهما بلغ حجم نبذها شعبيًا، أن تزجّ بالمعيار الطائفي والمذهبي بين جموع المطالبين بالرغيف، لتشتت هؤلاء وتحيلهم فرقًا منقسمة متصارعة، ولا ناجية واحدة من بينها. يساعدها على تسطير النجاح الباهر في هذا الأسلوب القديم المتجدد في الجغرافية اللبنانية، قلة الوعي الشعبي وسهولة خلق فتنة مذهبية بلحظات قليلة. إذ يكفي أن ينتشر عبر وسائل التواصل الإجتماعي أو عبر وسيلة إعلامية واحدة، أنّ فلانًا تابعًا لتلك الجهة الدينية أساء إلى رمز ديني مقدّس لدى جهة ثانية لتشتعل حرب بين هذا وذاك، فيتناسى معها المنتفضون لقمة عيشهم المنهوبة، ويتجاهلون، عن قصد أو جهل لا فرق، أنّ من يزج بهذه الإساءات إنّما بقصد إفشال تحركهم المطلبي.
فضلًا عن شعار "يا غيرة الدين" التي نجحت من خلاله السلطة في تفشيل تحرّك السادس من حزيران، أتى المعيار السياسي ومقارعة سلاح "حزب الله" في شوارع بيروت ليزيد الطين بلة. ففي الظاهر بدا أنّ تبني بعض الإنتفاضة بنسختها الثانية للقرار الدولي القاضي بنزع سلاح "حزب الله"، وحمل لافتات مطالبة بتنفيذ القرار 1559، جعلت الجمهور الآخر الذي تجمعه بالأول نفس الهموم والشجون يُستفز، وينزل إلى الشارع دفاعًا عن استمرارية سلاحه.
من زجّ بمطلب نزع السلاح في تظاهرة 6/6؟
الإنتفاضة الشعبية التي ولدت في17 تشرين الماضي والتي اطلقت شرارتها ضريبة الواتس آب الخلّاقة، حملت منذ ذاك الحين شعارات مطلبية ومطالبات بمكافحة الفساد وانتخابات نيابية مبكرة وحكومة مستقلة. تحوّلٌ حصل باتجاه تبني شعارات سياسية، شهدناها في الوقفة الإحتجاجية الخجولة أمام قصر العدل قبل حوالي أسبوع، طالب خلالها المعتصمون بنزع سلاح "حزب الله" وحصر السلاح بالجيش اللبناني تنفيذًا للقرار 1559، وحملوا شعار "السلاح الأسود"، وبصرف النظر عن الجهة التي زجّت بهذا الشعار والغاية من ذلك، فقد استثمرت السلطة في ذلك جيدًا وسجّلت نجاحًا باهرًا في حرف الأنظار عن الشعارات المطلبية والمعيشية، التي حملها الاف من الناس في ساحة الشهداء، مجددين التزامهم بتحقيق اهداف ثورة 17 تشرين.
الحزب التقدمي الإشتراكي كان موقفه واضحًا منذ اللحظة الأولى حيال تظاهرة 6 حزيران، إذ أكّدت أنّه لم يكن معنيًا بهذه التظاهرة ولم يشارك فيها، ولو أنّه يقف إلى جانب المطالب الشعبية المحقة، معتبرًا أنّ حرف التظاهرة عن عناوينها المطلبية شكّل نكسة لها، وأضيفت إليها الشعارات المذهبية المسيئة التي وتّرت الأجواء وكادت تشعل فتنة، حذر رئيس التقدمي وليد جنبلاط من الوقوع في فخها من خلال تغريدته المسائية " أهم شيء في هذه الظروف ألا نقع في لعبة الأمم على حساب الوحدة الوطنية في لبنان". كما أنّ مشاركة المواطنين من مناطق تواجد الإشتراكي في الشوف وعاليه والمتن وراشيا كانت خجولة جدًا.
حزب "القوات اللبنانية" سارع إلى النأي بنفسه عن مطلب نزع السلاح وكذلك فعل حزب الكتائب، بحيث غرّد رئيس الحزب سمير جعجع "إن الأهداف التي تحرك الشعب اللبناني برمته من أجلها، من شمال لبنان إلى جنوبه، ومن بحره إلى سهله، هي أهداف معيشية إصلاحية. لذلك، من المهم جدا التزام هذه الأهداف بغية الوصول إلى تحقيقها وعدم تشتيت الجهود في اتجاهات مختلفة يمكن أن تؤدي إلى إحباط الحراك". فيما رأى رئيس الكتائب سامي الجميل أن "موقفنا من "حزب الله" معروف، وبالنسبة لنا الساحة اليوم للأمور المشتركة وليست للأمور الخلافية بين الناس، وأن مشاركتنا في التظاهر هي لاستكمال كل ما أنجز منذ السابع عشر من تشرين".
بالمحصلة يعلم القاصي والداني أنّ مقاربة سلاح "حزب الله" لا تكون بالشوارع، بل بتوافق وطني حول استراتيجية دفاعية وطنية، تحصّن لبنان بسلاح مقاوميه من العدو الإسرائيلي المتربّص والطامع بنفطنا الموعود وأرضنا ومياهنا، والذي لم ينفك يخرق السيادة اللبنانية على مرأى المنظمات الأممية والمجتمع الدولي. كما ويعلم الجميع أن لغة التخوين والإتهامات الجاهزة لم تعد تجدي، لاسيّما وأنّ الفاخوري كسر الجرّة تلك، فعودوا جميعكم إلى لبنان وحصّنوا وحدته الداخلية، لنتجاوز معًا أزماتنا المالية والإقتصادية، قبل أن نصبح بلدًا منكوبًا متروكًا.
قد يهمك ايضا:"تيار المستقبل" وجه اللوم لـ"حزب الله" عن مواجهات السبت
قيادات الحراك اللبناني تتنصّل من نزع سلاح "حزب الله" وتهتم بالملف المعيشي
أرسل تعليقك