واشنطن-لبنان اليوم
كثيرة هي القوى السياسية التي لا تزال تترقب مواقف عواصم القرار مما يجري في لبنان لتبني على الشيء مقتضاه حيال المسار الحكومي، بخاصة وأن بعض هذه القوى يظن أن الانتفاضة الشعبية خرقتها جمعيات ومنظمات وأحزاب ترتبط بأجندات خارجية.
لا يخفى أن عواصم القرار لم تتدخل حتى الساعة بطريقة جدية لدى المعنيين لإيجاد حل للوضع اللبناني الذي دخل مرحلة جديدة مع بدء الثورة في تاريخ 17 تشرين الاول الماضي، والتي أعقبها استقالة رئيس الحكومة سعد الحريري منذ نحو اسبوعين، من دون أن تتضح معالم المرحلة المقبلة، لا سيما أن المعنيين لم يتفقوا بعد على الرئيس الذي سيكلف تشكيل الحكومة المرتقبة.
لا شك أن واشنطن لم تبد اهتمامًا حقيقيًا بمآل الأمور، فهي اكتفت بموقف وزير الخارجية الاميركية مايك بومبيو الداعي إلى الإسراع في تشكيل حكومة جديدة، تستجيب لحاجات الشعب، داعيا الجيش اللبناني وقوات الأمن إلى مواصلة ضمان حقوق وسلامة المتظاهرين. هذا الموقف مرده، بحسب شخصية سياسية عادت من واشنطن، أن الإدارة الاميركية تتابع ما يجري في لبنان لكنها لا تبدي الكثير من الاكتراث، فضلا عن أنها ليست متمسكة بعودة الرئيس الحريري إلى رئاسة الحكومة على عكس ما يشاع. وبحسب الشخصية نفسها، فإن وزارة الخارجية الأميركية قدّمت إلى وزارة الخارجية أوراق السفيرة الأميركية المفترض أن تستلم مهمامها في لبنان خلفا للسفيرة اليزابيت ريتشارد التي قد تكون من الداعمين القلائل للرئيس الحريري في بلادها؛ ومن هذا المنطلق تنقل المصادر أجواءًا أميركية تشير إلى رغبة بتشكيل حكومة تكنوقراط برئاسة وزيرة الداخلية في حكومة تصريف الأعمال ريا الحسن من أجل إدارة الأزمة الماليّة والإقتصاديّة.
على خط آخر، فإن موسكو لا تزال تعتمد سياسية الصمت البناء المدروس حيال التطورات بانتظار اتضاح الصورة النهائية لمسار الأزمة ، تقول الشخصية السياسية نفسها، وان كانت أكدت عبر مبعوث الرئيس فلاديمير بوتين لشؤون الشرق الاوسط ميخائيل بوغدانوف والمتحدثة باسم وزارة الخارجية ماريا زاخاروفا موقفها المبدئي لداعم لسيادة لبنان ووحدته واستقرارها، وعدم جواز أي شكل من أشكال التدخل الخارجي في الشؤون اللبنانية، سواء كانت إعلامية أو لوجستية أو مالية أو أية غيرها.
وعلى هذا الاساس، يمكن القول، بحسب الشخصية نفسها أن موسكو لا تنحاز لطرف سياسي على حساب الآخر، فهي لطالما عملت على حماية التوازنات في لبنان بالتوازي مع تحييده عن أزمات المنطقة، مع إشارتها إلى أن موقفي بومبيو وبوغدانوف يتقاطعان، من دون أن يعني ذلك ان هناك تفاهمًا حيال التعاطي مع الوضع اللبناني، علما أن الشخصية نفسها ورغم علاقتها الوطيدة بواشنطن، ترى ان الظل الروسي بدا يخيم على لبنان ، فالدور الروسي سوف يتعاظم في لبنان، مع الانسحاب الاميركي من الشرق الاوسط على قاعدة أن فراغ واشنطن في لبنان سوف تملؤه موسكو التي تشكل عامل استقرارفي المنطقة، عطفا على علاقتها الجيدة مع دول الخليج لا سيما السعودية والامارات.
وأمام الانتفاضة الشعبية المستمرة لليوم الخامس والعشرين على التوالي، بموازاة المشاورات السياسية على خط المؤسسات العامة والاحزاب، فإنه من الصعب بالنسبة للروس، تقييم الوضع بكلمة من هنا أو إشارة من هناك. ومع ذلك، يقول السفير الكسندر زاسيبكين لـ"لبنان24" أن بلاده ملتزمة بالمسلّمات التي تحمي لبنان واستقراره ، قائلًا: على جميع الفرقاء الابتعاد عن الحديث عن خطر الفوضى والانهيار، والانكباب على بذل الجهود ووضخ خريطة طريق لإيجاد الوسائل للخروج من الأزمة المالية والاقتصادية الراهنة بطريقة صحيحة وانقاذ بلدهم وتحقيق الأهداف المرجوة.
وليس بعيدا، يشير زاسيبكين إلى أن موسكو لا تتدخل بشكل الحكومة اللبنانية المرتقبة (تكنوقراط او سياسية او تكنوسياسية)؛ وما يهمها هو تاليف حكومة أكثر فعالية تحاكي المستجدات الراهنة، مع إشارته إلى أن سفراء مجموعة الدعم يشجعون القوى السياسية على ضرورة الحفاط على امن لبنان واستقراره وتنفيذ الاصلاحات المطلوبة من لبنان، لافتًا إلى أن النهج الاميركي بالضغط على حزب الله بأدوات مختلفة لا ينفع لبنان على المستويات السياسية، الاقتصادية، والمالية.
ليس لروسيا مرشّح لرئاسة الحكومة، على اعتبار أن هذا الأمر شأن لبناني داخلي تحدده المشاورات التي يجريها رئيس الجمهورية العماد ميشال عون وفق الأطر القانونيّة والدستوريّة، بيد ان زاسبيكين لا يخفي ان موسكو اسوة بالعديد من الدول الغربية اعتادت التعاون مع الرئيس الحريري الشخصية السنية المعتدلة باعتراف الجميع.
قد يهمك أيضاَ
فرنسا تُرسل مبعوث إلى لبنان لمساندته في المحنة السياسية والاقتصادية والمالية
تصدّع داخل عائلة ميشال عون وخلافات سياسية بين بناته الثلاث بسبب الاحتجاجات
أرسل تعليقك