ترتفع أصوات الشجار الداخلي أكثر كلما تكشّفت مآسي الانهيار المالي والاقتصادي الذي يُزلزل لبنان؛ ومعه تبدو الدولة وكأنها تلفظ انفاسها، ما يدفع بأطراف الطبقة السياسية الحاكمة الى تقاذف الاتهامات، فكل فريق يريد ان يغسل يديه من ملف الفساد الذي أفرغ الخزينة ودفع بالبلاد الى حال الفقر المُدقع.وتحت عنوان "دولة التهريب"، كتب جوني منير في "الجمهورية"؛ أكد أن التهريب عبر الحدود اللبنانية - السورية هو أحد اسباب أذيّة الخزينة اللبنانية، ولكنه لا يختصر ابداً الفساد المستشري الذي ساد الطبقة السياسية الحاكمة طوال المراحل الماضية. والتهريب عبر الحدود اللبنانية - السورية مزمن وعمره من عمر الاستقلال، وهو تطوّر ليصبح تهريباً أمنياً وعسكرياً وفقاً للمرحلة التي كان يمر بها لبنان؛ لكن على الدوام امتهَنت عائلات وعشائر فنون التهريب مستفيدة من التداخل الحاصل للحدود، لتنمو قرى لبنانية على جانبي الحدود تسهيلاً لأعمال التهريب.
وتعاظم ذلك خصوصاً خلال الحرب اللبنانية والمرحلة التي تلتها مستفيدة من الظروف المساعدة. صحيح انّ وجود مناطق غير واضحة الهوية وتعتبر كمنطقة متنازَع عليها ومناطق اخرى متداخلة جعلَ من الرقابة الأمنية الكاملة مسألة بالغة الصعوبة، الّا انّ الصحيح ايضاً انّ الحكومات المتعاقبة لم تولِ يوماً الاهتمام المطلوب للشروع في وضع خطة واضحة للامساك بالحدود.
في النقطة الأولى لا بد من الاشارة الى انّ بناء أبراج المراقبة، ولو لأسباب امنية وعسكرية، شَكّل المدماك الاول الجدي للبدء بالامساك بالحدود لكن هذه التغطية لم تؤمن سوى 80 % من الحدود. والسبب الصعوبة الجغرافية والمناطق المتداخلة والمتنازع حولها، وهو ما ترك حوالى 20 % خارج التغطية، وتحديداً هنالك 36 نقطة خلافية في 27 منطقة حدودية.
وفي النقطة الثانية انّ الحدود الطويلة بين لبنان وسوريا، والبالغة حوالى 375 كلم والموجود عليها 5 معابر شرعية، تؤمّن مراقبتها أفواج حدودية للجيش اللبناني يبلغ مجمل عديدها حوالى 5 آلاف جندي.
واذا وضعنا جانباً عناصر الادارة واللوجستي يصبح العديد الفعلي ما دون الـ1500 ثلثهم يكون في الخدمة فقط. وهو عدد ضئيل لا يمكنه الامساك بكامل مساحة الـ 375 كلم. ومع مهام الجيش في الداخل ووقف التطويع يصبح الوضع اكثر تعقيداً. وهذا ما استوجب مثلاً سحب سرية للجيش من جرود عرسال رغم المخاطر المطروحة لوضعها في مؤازرة أفواج الحدود في منطقة القصر.
وفي الداخل اللبناني توحي التطورات بقرارات صعبة قد تعيد المتظاهرين الى الشارع. ومن هنا تفسّر التحصينات حول السراي الحكومي وبعض المصارف انها استعدادات لأيام صعبة ستنتج عن قرارات موجعة ستتّخَذ. ما يعني استحالة سحب أي جندي من الداخل. ويحاول الجيش التعويض عن النقص العددي من خلال القيام بدوريات متحركة طوال الوقت في المناطق المتداخلة التي يكثر فيها تهريب مادة المازوت خصوصاً، مثل منطقة القصر في الهرمل والتي تبلغ حدودها زهاء 32 كلم.
ربما الأفضل كان بإغلاق كامل المنطقة مع إنشاء معبر شرعي يسمح للناس بالذهاب الى اراضيهم والعودة منها، لكن ذلك لم يحصل، وفي الوقت نفسه لا يمكن منع المواطنين من العمل في أراضيهم في الجانب الآخر لتأمين لقمة العيش. وقيل مثلاً انّ عديد الجمارك في كل البقاع لم يتعدّ الـ30 عنصراً. وهو ما يعني انّ ضبط الحدود بحاجة لتطويع عناصر عسكرية في الجيش والجمارك.
وفي النقطة الثالثة وجوب ضبط تهريب المازوت من بيروت، ذلك انه لا يعقل ان يجري تزويد محطات وقود صغيرة تقع في الغرب من الحدود في البقاع والشمال بكميات هائلة من المازوت. من الواضح انّ الذي يرسل المازوت من بيروت بهذه الكميات يدرك جيداً انّ البضاعة معدّة للتهريب، وهو يستفيد مادياً ولا تستطيع الحواجز الامنية توقيفها طالما انّ الاوراق شرعية وقانونية. وللتهريب فنونه، كمِثل نقل البضائع الى محطات بنزين وخزانات وضعت في المنطقة المتنازَع عليها، وعمد مهرّبون آخرون الى مَد "خراطيم" تحت التراب، تبدأ من الاراضي اللبنانية وتنتهي في الاراضي السورية حيث يجري ضَخ المازوت عبرها. وهذا يعني انّ الحل بمراقبة الكمية من المنشأ.
والنقطة الرابعة أنّ القانون مُتساهل جدًا مع المهربين، ويضع هذه الآفة في خانة الجنحة، ما يشجّع على الاستمرار في التهريب طالما ان لا عقوبة فعلية تردع المهرّب؛ وعلى سبيل المثال فلقد تم توقيف اكثر من 65 مهرّبًا من قبل الجيش اللبناني منذ بداية هذا العام. لكنّ القضاء ما يلبث ويطلق سراحهم وفقاً للقوانين الموضوعة. ما يعني انه يجب تشريع قوانين اكثر صرامة وحزماً لردع المهربين.
قد يهمك ايضا:عناصر لبنانية وسورية منتشرة على الحدود في ظل تفشي كورونا
أسبوعان إضافيان من "التعبئة العامة" والاستمرار في إغلاق الحدود اللبنانية
أرسل تعليقك