بيروت- لبنان اليوم
أكّد جوني منير أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، أوجَز المهمة التي رسمها لبلاده في لبنان ومنطقة شرق البحر الأبيض المتوسط، قائلاً لصحيفة "بوليتيكو" الأميركية: "لقد وضعتُ رأسمالي السياسي كله على الطاولة".
لم يكن ماكرون يبالغ في إجابته، بل كان يعكس حقيقة الوضع، فحزبه سجّل تراجعاً كبيراً داخل فرنسا وسط تصاعد قدرة معارضيه، وهو المحاصَر بالمصاعب الاقتصادية التي فجّرت العام الماضي ثورة "السترات الصفر". وبانتقاله إلى الساحة اللبنانية، سجّل ماكرون تأييداً فرنسياً بعد التعاطف الواسع نتيجة انفجار 4 آب الرهيب.
وعدا المصالح الفرنسية الموجودة في لبنان، والتي تشكل آخر ما تبقّى من مرحلة الإمبراطورية الفرنسية في الشرق الاوسط، فإنّ باريس تدرك جيداً الاهمية الفائقة والاستراتيجية للساحل اللبناني في إطار الصراع المفتوح مع تركيا، فمرفأ بيروت الذي دُمّر هو موقع ممتاز يعطي النافذين فيه مكاسب مهمة في إطار الإمساك بالممرات البحرية شرقي المتوسط، وفي مسافة ليست بعيدة عن قبرص التركية وعن الساحل التركي.
وفي لبنان أيضا نفوذ إيراني مهم من خلال "حزب الله"، وباريس أدركت مدى أهمية إبقاء خطوط التواصل المباشر قائمة ومفتوحة معه. فوَسط الاندفاعة الأميركية لإرغام الدول الغربية على قطع تواصلها مع إيران، وهو ما ارتابت منه أوروبا واعتبرته إخراجا لها من اسواق ايران الغنية بحيث تعود الشركات الاميركية وحدها الى هذه الاسواق لاحقاً، أسهم "حزب الله" بإعادة فتح قنوات التواصل بين فرنسا وإيران والابقاء على دور حيوي وأساسي لفرنسا، في وقت بقيت طهران على رفضها للتفاوض والتحاور مع واشنطن.
في الواقع بَدت فرنسا بكل تلاوينها السياسية راضية لا بل مؤيدة لوصول ماكرون السريع الى بيروت مطلع آب الماضي، مُستبقاً وصول الوفد التركي برئاسة نائب الرئيس التركي، والوفد الإيراني برئاسة وزير الخارجية، لكنّ زيارة ماكرون الثانية أظهرت أنّ الأمور أكثر تعقيداً مما يعتقد كثيرون، وهو التنبيه الذي دَأب عليه رئيس جهاز المخابرات الخارجية الفرنسية برنار ايمييه نتيجة خبرته العميقة بالطبقة السياسية اللبنانية، والتي خبرها عن عمق حين عمل في أدق مراحل لبنان في العام 2005 وما بعده، وحيث كانت باريس تتولى دوراً اساسياً في رعاية فريق 14 آذار.
فبعد زيارته الثانية، لمسَ ماكرون لمس اليد كيف انّ هذه الطبقة السياسية اللبنانية، والتي اعتادت "غش" اللبنانيين، منشغلة بشكل كامل بكيفية بقائها واستمرارها، بينما كان الرئيس الفرنسي يعمل على هَزّها من خلال تحصين الجهود الآيلة لتشكيل حكومة قادرة على وضع وتنفيذ بعض الإصلاحات الملحّة في قطاعات ومرافق شكّلت محميات حزبية وشخصية تعيث فساداً وقحاً.
نجح ماكرون في انتزاع تعهدات والتزامات من القوى السياسية بتأمين ولادة حكومية قبل منتصف أيلول، خصوصاً بعدما رفع عصا العقوبات في وجه الطبقة السياسية الحاكمة.
وبالمناسبة، فإنّ تقريعه للصحافي الفرنسي في صحيفة "لو فيغارو"، والذي تعهّد أن يكون علنيا وعبر الاعلام، إنما كان موجّهاً الى ما كتبه حول اجتماعه برئيس كتلة الوفاء للمقاومة محمد رعد تحديداً.
في الواقع، إنّ رهان ماكرون على تأمين انتقال هادئ للطبقة السياسية اللبنانية خارج "جنّة" السلطة فيه الكثير من المجازفة، فالالتزامات ستصطدم عاجلاً ام آجلاً بجدار الجمود والمصالح السياسية في لبنان، وهو الجدار الذي يريد المجتمع اللبناني التخلّص منه. المسألة تكتيكية لدى أطراف الطبقة السياسية، من زاوية "تصنع" الليونة بانتظار دنو لحظة الانقضاض.
وتردّد أنّ واشنطن، وفي إطار التواصل القائم مع باريس حيال مهمتها في لبنان، حذّرت الرئاسة الفرنسية من تلاعب أطراف الطبقة السياسية اللبنانية الحاكمة بالمبادرة الفرنسية، وشجّعتها على تجهيز ملف العقوبات الذي لا مفر منه.
قد يهمك أيضا :
ماكرون يوبخ صحافيًا نشر تفاصيل "خلوة" جمعته مع ممثل "حزب الله"
"التكامل مع المبادرة الفرنسية" أبرز أولويات أديب في رئاسة الحكومة اللبنانية الجديدة
أرسل تعليقك