تطايرتْ من «الوقائع الساخنة» التي شهدها لبنان مع دخول «ثورة 17 أكتوبر» يومها الأربعين السيناريواتُ القاتمة عما ينتظر البلاد في ضوء اتخاذ «الحرب الباردة» بين أطراف السلطة حول تشكيل الحكومة العتيدة منحى جديداً أكثر خطورة في إطار لعبة «مَن يصرخ أولاً» التي تستهدف في جوانب أخرى أيضاً «ترويض» الانتفاضة الشعبية وأهدافها، في الوقت الذي يمضي «عدّاد» الاستنزاف المالي في حصْد المزيد من الخسائر التي بات معها القطاع المصرفي والأمن الاجتماعي في «المنطقة الحمراء».
وتوقّفت أوساط مطلعة عبر «الراي» عند ما يشبه «ميني 7 مايو» (في إشارة إلى العملية التي قام بها «حزب الله» في بيروت العام 2008) التي نفّذها مناصرون للحزب ولرئيس البرلمان نبيه بري ليل الأحد في بيروت وتحديداً عند نقطة الرينغ حيث تَعَرَّضوا للمنْتفضين الذين كانوا يقطعون الطريق، على وقع هتافات «شيعة شيعة» والدعم للسيد حسن نصرالله وبري، وصولاً إلى عمليات تخريب ممنْهجة طالت شوارع محيطة بجسر الرينغ ومنها مونو والسوديكو والصيفي التي شهدت تكسير نحو 30 سيارة وزجاج واجهات محلات تجارية ومطاعم وترويع السكان في منازلهم عبر طرق أبواب البيوت، بعدما كانت مجموعات من المشاغبين حطّمت خيم الثوار في ساحتي رياض الصلح والشهداء.
وأكدت هذه الأوساط أن ما حصل في محلة الرينغ ومحيطها حيث سقط ما لا يقلّ عن عشرة جرحى، لا يمكن تفسيره إلا أنه في سياق عملية ضغط متعددة الاتجاه:
• أولاً باتجاه قيادة الجيش اللبناني لدفْعها إلى التزام قرار حماية حرية التنقل أي منْع قطْع الطرق الذي يشكّل هدفاً مركزياً لـ«حزب الله»، الذي سبق أن أبلغ المؤسسة العسكرية أن استمرار قفل الطرق ولا سيما التي يعتبرها «استراتيجية» (مثل الجنوب والبقاع) ستُقابَل بفتْحها ولو بالقوة من «سرايا المقاومة ومهما كلف الأمر».
وما عزّز هذه القراءة وفق الأوساط نفسها، ربْط الثنائي الشيعي (حزب الله - أمل) مدعوماً بالمجلس الإسلامي الشيعي الأعلى مقتل مواطن (حسين شلهوب) وشقيقة زوجته احتراقاً في حادث سير على اوتوستراد الجية (يربط بيروت بالجنوب) بقطْع الطريق الذي كان قائماً في المحلة، انطلاقاً من رواية ابنة الضحية التي نجت من الحادث والتي تحدثت عن سقوط جسم غريب على السيارة قبل أن يفقد والدها السيطرة عليها ويصطدم بالفاصل الإسمنتي الذي تحدّث منتفضون عن أن الجيش اللبناني هو الذي وضعه لتحويل الطريق «قبل مئات الأمتار من نقطة قطْعنا إياها».
وفيما دان «الشيعي الأعلى» ما اعتبره «الاعتداء الهمجي والبربري الذي يتلطى خلف الحراك الشعبي والمطلبي وهو تهديد للسلم الأهلي»، استنكر «حزب الله» بشدة «الجريمة المروعة التي نجمت عن اعتداءات مليشاوية تقوم بها مجموعات من قطّاع الطرق تمارس أبشع أساليب الإذلال والإرهاب بحق المواطنين الأبرياء»، معتبراً «ان هذا الاعتداء الآثِم الذي استهدف الشهيديْن العزيزين هو بمثابة اعتداء على كل اللبنانين وتهديد للسلم الأهلي (...)»، وذلك بعدما كان بري دعا «درءاً للفتنة» القوى الأمنية والجيش «لضرورة التشدد بإبقاء أوصال الوطن سالكة».
• ثانياً باتجاه رئيس الحكومة المستقيل سعد الحريري في محاولة لتحميله مسؤولية المنزلقات التي يمكن أن تتجّه إليها البلاد بحال أصرّ على حكومة من الاختصاصيين المستقلين وعلى رفْض تشكيل حكومة تكنو - سياسية أو محْضها غطاءه عبر الموافقة على شخصيةٍ غيره لترؤسها على أن يشارك فيها «تيار المستقبل».
وإذ لاحظت الأوساط المطلعة أن «الهبّة الساخنة» في الشارع ترافقتْ مع مناخٍ جرى تعميمه أمس عن أن رئيس الجمهورية ميشال عون يقترب من تحديد موعد للاستشارات النيابية المُلْزمة لتكليف رئيس الحكومة العتيدة وأن الحريري لن يكون هو مَن سيُسمى، تساءلت، هل تَراجَع «حزب الله» عن تمسّكه بالحريري كمرشّح وحيد يريده لتأليف حكومةٍ تكنو - سياسية يعتبر الحزب أنها يمكن أن توفّر «ممراً آمناً»؟
• أما الاتجاه الثالث فهو الضغط على الثورة ومحاولة تأليب الرأي العام عليها عبر تحميلها مسؤولية الاضطرابات.
وفيما كان مجلس الأمن يعقد جلسة لمناقشة تقرير الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس حول القرار 1701، كان الموفد البريطاني ريتشارد مور يلتقي كبار المسؤولين اللبنانيين في إطار جولة استطلاعية مكملة للقاء الثلاثي الفرنسي - البريطاني - الأميركي الذي عُقد في باريس الأسبوع الماضي في محاولةٍ للإحاطة بمختلف جوانب الأزمة اللبنانية وآفاقها وسبل تفادي الانهيار المالي - الاقتصادي.
ولم تحجب هذه التطورات الاهتمام بالوضع المالي - الاقتصادي، وسط إعلان الهيئات الاقتصادية الإضراب العام والإقفال التام لكل المؤسسات الخاصة أيام الخميس والجمعة والسبت بما فيها القطاع المصرفي احتجاجاً على ما آلت إليه الأمور.
قد يهمك ايضا:
مكتب الحريري يؤكد أن سياسة محاولة تسجيل النقاط التي ينتهجها التيار الوطني الحر غير مسؤولة
مُتظاهرو صور في جنوب لبنان يُندّدون بـ"الغزو الغوغائي" على المُعتصمين السلميين
أرسل تعليقك