شن رئيس التيار الوطني الحر النائب اللبناني جبران باسيل، هجوما ضاريا على الثنائي الشيعي "حزب الله" و"حركة أمل"، شمل تهديدات بفك التحالف مع الحزب، وذهب إلى حد طرح أسئلة بشأن سلاحه وتعطيل اجتماعات الحكومة.وجرى النظر في لبنان إلى هذه التصريحات الصادرة عن باسيل بمثابة افتتاح رسمي للسباق الانتخابي، في مسعى من رئيس التيار الوطني الحر لتعزيز موقفه.وقال باسيل، في مؤتمر صحفي "اخترنا تفاهم مار مخايل على الفتنة، واتفقنا على أن السلاح فقط لحماية لبنان"، مؤكدا أن "محاولات العزل والحصار لن تنتهي، ويجب أن نقتنع أن قوتنا من قوة بعضنا البعض، والوحدة الشيعية مهمة (حزب الله وحركة أمل)، ولكن ليس على حساب البلد".
وتساءل "أين ترجم تفاهم مار مخايل في بناء الدولة؟ بتغطية الفساد والمسايرة وبشل صلاحيات رئيس الجمهورية وعهده؟ بضرب المجلس الدستوري؟".وأضاف "حاولنا تطوير وثيقة التفاهم في الغرف المغلقة، فنحن لا نريد إلغاءها، لكنها لم تعد تجيب عن تحدياتنا، ويجب أن تبقى المقاومة فوق الدولة وفي كنفها، نحن بحاجة لحوار جدي، ولن نربح أصواتًا انتخابية إضافية في حال فك التفاهم، ونحن نختار أن نربح أنفسنا وصدقيتنا على أن نخسر الحزب والوطن".وفيما يعتبر خطوة للوراء، قال باسيل "دعمنا المقاومة ضد إسرائيل وتنظيم داعش، دعمناها سياسيا لا بالمال ولا بالسلاح ولا بالأرواح، وحصلنا منها على دعم سياسي لتثبيت الحقوق بالشراكة والتوازن الوطني".
وتابع "أولويتنا الدولة وإصلاحها، أما أولويتهم فالمقاومة والدفاع عنها، وقلنا إنه يمكننا الحفاظ على الاثنين لكن تبقى المقاومة تحت الدولة وفي كنفها وليس فوقها، ولا يمكن أن نخسر الدولة من أجل المقاومة، لكن نستطيع أن نربح الأمرين".وعن العقوبات الأميركية، أوضح باسيل "تقدمت بطلب لرفع العقوبات الظالمة عني، والاتهامات الكاذبة عن فساد مزعوم، وأن يثبتوا ذلك بالمستندات بحسب القانون الأمريكي؛ قانون حرية المعلومات".كما شن باسيل هجومًا ضاريًا على رئيس مجلس النواب نبيه بري (حليف حزب الله)، متهمًا إياه بالتحكم في قرار البرلمان، ومطالبًا بتطوير الدستور اللبناني وفق وثيقة الوفاق الوطني وبالتوافق.
وتابع "نريد التغيير الكبير بالحوار تلبيةً لدعوة رئيس الجمهورية ميشال عون الذي سبق له أن دعا إلى عقد طاولة حوار وطني".ومضى قائلًا "نظامنا الأساسي معطل"، مضيفًا أن "الدولة المركزية تسلب رئيس الجمهورية صلاحياته بالقوة من قبل مجلس النواب والمجلس الدستوري، وتسلب بقية الطوائف حقها بالمداورة بوزارتي المالية والداخلية، وهذا الأمر لم نعد نريده".
وكان من الملاحظ في كلام باسيل أنه لم يخرج عن جملة من النقاط التي تناولها رئيس الجمهورية في النظرة الى طاولة الحوار واللامركزية الإدارية. وأضاف العونيون إليها المالية هذه المرّة بغية استقطاب أوسع شريحة من الرأي العام المسيحي، والإيحاء بأن مناطقهم هي التي تدفع الضرائب ولا تستفيد من كامل حصيلتها. وثمّة من يؤيّد باسيل في تسليطه الضوء على تهريب نافذين أموالهم الى الخارج منذ 2019 وتقدّر بـ14 مليار دولار. ولا يزال يعلن براءته هنا من حاكم مصرف لبنان رياض سلامة وينفض يده من التمديد للرجل، من دون أن ينسى بالطبع لازمة التوصّل الى التدقيق الجنائي الذي لا يبدو أنه سيأخذ طريقه الى التنفيذ.
ولا يزال ثنائي حركة أمل وحزب الله على عدم الرد على عون، لكن ما جرى العمل به حيال الكلمة الأخيرة لرئيس الجمهورية لا يمكن العمل به مع باسيل، أقلّه من طرف "أمل" وكتلة "التنمية والتحرير" التي تفيد مصادرها بأنها ترفض اتهام باسيل للرئيس نبيه برّي بأنه يعمل على تعطيل القوانين والمشاريع في مجلس النواب. وتسأل: أين تكتل "لبنان القوي" الذي ينشط نوابه في اكثر من لجنة نيابية؟ وتحيل المصادر كلام باسيل وكل اتهاماته للمجلس الى رئيس لجنة المال والموازنة النائب إبرهيم كنعان إن كان الكلام الذي ردّده باسيل صحيحاً حيال المجلس.
وكانت حصة من مؤتمر باسيل لـ"القوّات"، المنافس الأول في المقاعد المسيحية في أكثر من دائرة، ولا سيّما بعد تفوّقها على العونيين في تسجيل أعداد كبيرة من الناخبين في الاغتراب، الذين يشكلون مادة قلق لـ"التيّار".ومن المتوقع أن تصدر جملة من الردود القواتية على الاتهامات التي تلقاها حزبهم من نوع أنه ينفذ سياسة الخارج ويأتمر بما يتلقاه من السفارات. ووجّه باسيل الاتهامات نفسها لجمعيات المجتمع المدني أيضاً.ويصف أمين سر تكتل "الجمهورية القوية" النائب السابق فادي كرم (المرشح في الكورة وهو من الأسماء التي سترشّحها قيادة القوات) كلام باسيل بـ"المفلس والمأزوم". ويضيف أن "الاتهامات التي أطلقها ضدّ القوات والسياديين مردودة عليه، وهو يمارس الصناعة التي مارسها النظام السوري. ولن تنفعه كل الحجج الفارغة التي قدّمها والتي لم يعد اللبنانيون يصدّقونها. وبالنسبة الى القوانين والمشاريع الإصلاحية التي أظهر أنه أول من يحمل لواء الإصلاح، يتناسى باسيل أنه وقف وفريقه في
وجه جملة من المشاريع الإصلاحية مثل عدم سيره في وضع آليّة لاختيار موظفي الفئة الأولى وغيرها من المشاريع الإصلاحية".وفي الأسبوع الماضي، قال الرئيس اللبناني ميشال عون، إن بلاده بحاجة إلى "ست أو سبع سنوات" للخروج من الأزمة، وهو تقييم متشائم لا يفتح نافذة للأمل أمام بلد يتطلع بشدة إلى تطورات إيجابية منذ الانهيار الاقتصادي في 2019.
ودعا عون إلى ضرورة أن يجتمع مجلس الوزراء في أسرع وقت بعد أكثر من شهرين من تعطيل حليفه حزب الله لجلسات الحكومة، فيما بدا انتقادًا ضمنيًّا لموقف الحزب من دون أن يسميه.ولم تجتمع الحكومة اللبنانية برئاسة نجيب ميقاتي منذ 12 تشرين الاول/ أكتوبر الماضي، من جراء رفض وزراء حزب الله وحليفته حركة أمل، عقد أي جلسة ما لم تكن مخصصة للبت في مصير المحقق العدلي في قضية انفجار مرفأ بيروت طارق البيطار الذي يطالبان بعزله ويتهمانه بـ"التسييس".
واندلعت مظاهرات واسعة في لبنان منذ أكتوبر 2019؛ احتجاجًا على فساد الطبقة السياسية في البلاد، وتردي الأوضاع المعيشية، وتعالت الأصوات التي دفعت نحو إجراء انتخابات عامة مبكرة في البلاد، إلا أنها أخفقت في هذا المسعى.يرى محللون سياسيون، أن كلمة جبران باسيل تعد بمثابة افتتاح الموسم الرسمي للسباق الانتخابي بلبنان المقرر في منتصف مايو المقبل، ويبدو أنه يحاول كسب الوقت ببداية مبكرة جدا عبر سهام سياسية طالت الجميع دون استثناء.ويضيف المحللون، أنه بالنسبة لانتقادات حزب الله قد يفهمها البعض بأنها محاولة انفصال أو قطيعة، ولكن بتمعن قراءة مضمون الكلمات نجد أنها مغازلة لحزب الله، وأن مشكلة التيار ليست معه بل مع حركة أمل، ويفتح الباب لتفاهمات جديدة مع حزب الله، حيث كرر أكثر من 3 مرات بأن اتفاق "مار مخايل" قائم، ولكن يحتاج بعض التعديلات.
وأوضحوا أن بعض التعديلات تتعلق بالتعاطي مع حركة أمل، ومع غريمه التقليدي سياسيًّا سليمان فرنجية، وقدم الطاعة أيضًا لحزب الله عبر الهجوم على سمير جعجع الذي وصفه بأنه حليف أميركا، مشيرًا إلى أن باسيل ظل يغازل حزب الله عبر تأمين غطاء مسيحي في الانتخابات للتحالف.وتابعوا "خلال الانتخابات المقبلة، إذا فقد باسيل دعم حزب الله فسيخسر كثيرًا من كتلته النيابية، خصوصًا أن التحالف يملك أكبر كتلة نيابية بالانتخابات الماضية، وهو ما يعلمه باسيل جيدًا ويدفعه لتعزيز حظوظه ليس من أجل الانتخابات البرلمانية فقط، ولكن من أجل الرئاسة التي يصبو نحوها".وفي 6 شباط/ فبراير 2006، وقع الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، وزعيم التيار الوطني الحر (آنذاك) الرئيس الحالي ميشال عون، تفاهمًا في كنيسة مار مخايل ببيروت، للعمل معًا في معالجة قضايا مهمة أبرزها "بناء الدولة".
قد يهمك أيضا :
جبران باسيل تنتظره عقوبات أميركية مُؤلمة ومُكلِّفة على المستوى الشخصي
مطالب باسيل التعجيزية تُعرقل عملية تشكّيل الحكومة في لبنان
أرسل تعليقك