يتوقَّع كثيرون أن تقع المواجهة المقبلة بين "حزب الله" والاحتلال الإسرائيلي في الأجواء اللبنانية، وليس في العمق الفلسطيني المحتل، مثلما جرت العادة خلال السنوات العشرين الماضية، وربما كانت البداية إرسال طائرتين إسرائيليتين مسيرتين إلى الضاحية الجنوبية في انتهاك صريح وواضح لقواعد الاشتباك التي سادت طوال السنوات الماضية.
وأكّدت المعلومات الجديدة المتوفرة بشأن فتح بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي، لهذه الجبهة، وقبل 3 أسابيع تقريبا من موعد الانتخابات البرلمانية (الكنيست) نقاطا مهمة عدة في هذا الصدد لا بد من التوقف عندها في أي قراءة لتطورات المستقبل:
الأولى: أن الطائرتين المسيرتين اللتين استهدفتا الضاحية الجنوبية قبل أيام انطلقت من لبنان، وبالتحديد من مناطق شمالية قريبة من الضاحية، ومن قبل أحد العملاء، حسب ما كشفت مصادر لبنانية عالية المستوى، وجرى التحكم بهما من غرفة عمليات خاصة في تل أبيب، مما أدى إلى توجيههما إلى أهدافهما، وهذا لا يعني أن العميل الذي قام بهذه المهمة يعرف وجهتهما.
الثانية: السلطات اللبنانية العليا التي توصلت إلى هذه المعلومات، وتملك ملفا متكاملا مدعوما بالأدلة، قررت فتح تحقيق لمعرفة تفاصيل هذا الاختراق الداخلي وكل الجهات المتورطة، لتجنب حدوث فتنة تقف خلفها إسرائيل وبعض الدول الغربية، تريد تفجير الوضع اللبناني أمنيا.
الثالثة: كان هناك تطابق ملحوظ في العملية الهجومية التي استهدفت الضاحية ونظيراتها التي استهدفت مخازن أسلحة للحشد الشعبي في العراق، أي إرسال طائرات مسيرة تنفجر، وتفجر هذه المخازن، دون ترك أي أثر.
الرابعة: الطائرة المسيرة الأولى التي أرسلت إلى الضاحية الجنوبية ليلا سقطت نتيجة اصطدامها بالأسلاك الكهربائية العشوائية التي تتمدد بين العمارات والمنازل، وهو ما لم يضعه مشغليها في الحسبان، وأدى سقوطها إلى فضح النوايا الإسرائيلية، أما الطائرة الثانية فجرى إرسالها لاستهداف مستودع أسلحة ولكنها فشلت في مهمتها، ولم تحقق أهدافها، لأسباب عديدة رفضت مصادر لبنانية كشفها.
المواجهة في لبنان ربما تكون تجمدت أو أرجئت، بعد رد “حزب الله” القوي على الاختراق الإسرائيلي لقواعد الاشتباك، وهو الرد الذي أدى إلى تقويض منظومة الردع الإسرائيلية، وتغيير الكثير من المعادلات العسكرية السابقة، وأبرزها التفوق الردعي الإسرائيلي، مضافا إلى ذلك أن هذا الرد استهدف عربة عسكرية مدرعة في عمق الجبهة الشمالية، وليس في أراضي محتلة داخل الأراضي اللبنانية مثل مزارع شبعا، مثلما جرت العادة، مما يعني سقوط كل الخطوط الحمر.
المهم هو في الضربة نفسها، والإقدام على تنفيذها، وبالدقة التي شاهدناها مصورة في فيديو خاص سجل وقائعها، وليس في عدد القتلى والجرحى، مثلما كشفت لنا المصادر اللبنانية نفسها، فالقدرات الصاروخية الجديدة، والدقيقة، في إصابة الهدف باتت تشكل قلقا حقيقيا للقيادتين السياسية والعسكرية الإسرائيلية.
تزايد التسريبات في الإعلام العبري هذه الأيام حول وجود مصانع لحزب الله في أماكن لبنانية مختلفة لإنتاج صواريخ دقيقة، رغم تأكيد السيد حسن نصر الله كذب هذه المعلومات، وامتلاك المقاومة القدر الكافي من هذه الصواريخ، ربما تعكس محاولة إسرائيلية لاستخدام هذه الذريعة لشن هجمات على لبنان، سواء قبل الانتخابات الإسرائيلية لتعزيز فرص نتنياهو في الفوز، أو بعدها في حال خروجه منتصرا منها، لأن هذا النوع من الصواريخ يشكل تهديدا خطيرا للدولة العبرية، وبناها التحتية، ومصالحها الحيوية مثل المطارات والموانئ، والمصانع، وحاويات الأمونيا في ميناء حيفا، وحتى المفاعل النووي الإسرائيلي في ديمونا بصحراء النقب.
عندما يؤكد السيد نصرالله في خطابه الأخير الذي ألقاه قبل بضعة أيام بأن الضربة الحقيقية لنتنياهو وغطرسته ستكون بإسقاط أي طائرة مسيرة تقتحم أجواء لبنان، فإن هذا يعني للوهلة الأولى أن “حزب الله” يملك الصواريخ والمنظومات الدفاعية القادرة على القيام بهذه المهمة الاستراتيجية، فالرجل لا يكذب، ولا يهول ويستند دائما إلى الأدلة العملية والمعلومات الدقيقة.
هناك معلومات تؤكد أن الحزب ربما يملك نوعا من الصواريخ المتقدمة التي تؤهل دفاعاته لإسقاط الطائرات المسيرة الإسرائيلية مهما بلغت درجة تقدمها التقني، ومصادر هذه المعلومات تشير إلى أن الصاروخ الإيراني الذي أسقط الطائرة المسيرة الأمريكية التي اخترقت الأجواء الإيرانية في مضيق هرمز قبل شهرين وهي على ارتفاع 20 كيلومترا، لا تستبعد وصول هذا النوع من الصواريخ إلى “حزب الله”.
الخطورة الناجمة عن امتلاك هذه الصواريخ تكمن في أن إسرائيل معروفة عالميا بإنتاج الطائرات المسيرة، وأنواع متقدمة تكنولوجيا منها، وباتت هذه الصناعة تدر المليارات على الخزانة الإسرائيلية من جراء بيعها إلى دول مثل تركيا والهند والجيش الأمريكي نفسه.
نجحت القدرات الصاروخية المتطورة لحزب الله في تدمير أسطورة دبابة “الميركافا” الإسرائيلية أثناء حرب تموز (يوليو) عام 2006، ومن غير المستبعد أن تكشف الأسابيع أو الأشهر المقبلة عن مفاجأة جديدة تتمثل في ظهور صواريخ جديدة تنهي أسطورة الطائرات المسيرة الإسرائيلية، وبالقدر نفسه وفي الأجواء اللبنانية.
تبدأ الحروب الكبرى دائما بمعارك تكشف عن العديد من المفاجآت، وقد تتخللها هدن بين الحين والآخر، وأي حرب بين محور المقاومة وإسرائيل وحلفائها العرب والأمريكان لن تكون استثناء، فعامل الوقت والتوقيت على درجة كبيرة من الأهمية، والشيء نفسه يقال عن كظْم الغيظ، وطول النفس، وعدم الرمش أولا.. والأيام بيننا.
قد يهمك ايضا
عشرات حالات الاختناق فى مواجهات مع الاحتلال الاسرائيلى في مخيم شعفاط
قوات الاحتلال الاسرائيلي تعتقل 9 مواطنين من الضفة
أرسل تعليقك