بيروت ـ لبنان اليوم
غابت السلطة السياسية عن البلاد وحضرت الفتنة. غابت العلاجات الناجعة لانقاذ ما تبقى وحضرت المشاحنات الطائفية والمذهبية التي تسببت منذ 46 عاما بحرب اهلية ما زالت تجرجر ذيولها حتى اليوم. هي نفسها المنظومة الحاكمة المتقاعسة عن تشكيل حكومة تترك لبنان للتسيّب والفلتان والفوضى وشريعة الغاب، لانهماكها بالبحث عن وسيلة تكفل عودتها في الانتخابات النيابية المقبلة الى مقاعدها النيابية وقد لا تجد آنذاك من تمثلهم في دولة متحللة نصف مواطنيها هاجروا والنصف الاخر اما ينتظر في زحمة الاستحصال على جواز سفر او هو منهمك بالفتن المتنقلة بين "غزوة" عنقون لمغدوشة وحرب فنيدق وعكار العتيقة او انه يتحضر بما تيسّر لديه من ادوات دفاعية لهجمات محتملة قد تستهدف اهله ومناطقه قد تنطلق شرارتها من محطة محروقات في طوابير الذلّ التي لا يعرف مسلسلها الطويل نهاية.
فتتعدّد الأسباب التي كان لها أن أدّت إلى فرملة مسار التقدّم الحكوميّ، انطلاقاً من مجموعة تباينات طرأت لناحية غياب التوافق حول بعض الأسماء الوزاريّة، وفي طليعتها الأسماء المقترحة عن الحقائب التي سيضطلع تيار "المرده" بدور في اختيار الشخصيات التي ستتولّاها. وتشير المعلومات إلى أنّ الاسمين اللذين حصل التداول بهما في مرحلة أولى من المشاورات الحكومية، هما جوزف شيخاني عن حقيبة الاتصالات وجوني قرم عن حقيبة الصناعة. ثمّ جرى التداول باسم موريس الدويهي لتولّي حقيبة الاتصالات. وبعد ذلك، انتقل البحث إلى اسم جورج قرداحي للاتصالات.
ومن جهة ثانية، لا يزال النقاش قائماً حول الحقائب التي يمكن أن يتولّاها كلّ من مروان بو فاضل وسعاده الشامي بين موقع نائب رئيس الحكومة وحقيبتي الاقتصاد والدفاع. وفي غضون ذلك، لا يزال التباين قائماً حول الأسماء التي يمكن أن تتولّى حقيبتي الداخلية والعدل في غياب التوافق حول هذا الموضوع بين الجهات المعنية بالتأليف حتى اللحظة. وتظهر التباينات في سياق آخر على صعيد الاسم الذي سيتولّى وزارة الشؤون الاجتماعية، والتي ستكون من ضمن حصّة رئيس الجمهورية ميشال عون. وتشمل الأسماء التي تشكّل محلّ توافقٍ بين الرئاستين حتى الآن، في حال لم يستجدّ أيّ معطى حولها، اسم عباس الحلبي عن حقيبة التربية وغالبية الأسماء السنية التي علم أنها تتضمن كلّ من ناصر ياسين وفراس الأبيض.
إلى أين يتّجه مسار المشاورات الحكوميّة في ظلّ مجموعة التبانيات التي لا تزال تحول من دون تصاعد الدخان الأبيض عن التشكيلة الوزارية؟ تفيد المعطيات بأنّ ثمّة حركة ناشطة للوسطاء بين الرئاستين الأولى والثالثة مع انفتاح لإمكان الوصول إلى حلحلة طالما أن المسائل لا تزال تسير في منحى تسهيليّ، لكن لا يمكن إطلاق نفحات تفاؤلية أو خارجة عن سياق ما ستؤول إليه أيّ مرحلة جديدة من المفاوضات، رغم أنّ ثمّة من المواكبين للموضوع الحكومي من لا يبدو متفائلاً لجهة القدرة على إمكان التوصّل إلى حكومة في وقت قريب أو الخروج من دوّامة المراوحة المستمرّة. ويرى البعض أنّ الأسباب التي تحول من دون التأليف أبعد من موضوع توزيع الحقائب والأسماء، ومرتبطة بشكل أو بآخر بمجموعة اعتبارات إقليمية في ظلّ التصعيد الإيراني المستمرّ على الصعيد السياسي في المنطقة.
وتنفي مصادر مطّلعة عن كثب على تفاصيل المواقف التي يتبنّاها رئيس الجمهورية ميشال عون أن يكون قد اشترط أو طلب من الرئيس المكلف نجيب ميقاتي تعهّدات قائمة على إقالة حاكم مصرف لبنان رياض سلامة ومجموعة من كبار الموظّفين، فيما لا أساس لهذه الاعتبارات من الصحة، بما في ذلك طلب تسمية 10 وزراء مسيحيين. وترى المصادر أنّ المساعي الهادفة للوصول إلى حكومة مستمرّة في إطار ترقّب لإمكان إطلاق عجلة مشاورات جديدة يقودها عدد من الوسطاء بين الرئاستين، معبّرة عن بعض الملاحظات القائمة لجهة اعتبارها بضرورة التبديل في بعض الأسماء الوزارية بما يتلاءم مع التنوّع المناطقي الذي ترى ضرورة أن يراعي التوازن بين المحافظات.
و تقول جهات مقرّبة من الرئاسة الثالثة بأنّ رئيس الحكومة المكلّف نجيب ميقاتي يهمّه بالحدّ الأدنى التوصّل إلى فريق عمل متناغم ومشترك يساهم في الوصول إلى نتائج مضمونة في الموضوع الحكومي، مع ضرورة الأخذ في الاعتبار تطلّعات الناس إلى ضرورة السير بفريق عمل متجانس، فيما من شأن إطلاق الحسابات الحكومية ببعدها السياسي أن يؤدي إلى تعقيد الأمور، في وقت يبدو موضوع تشكيل الحكومة على مفترق طريق مع ضرورة التوصل إلى احترام للتوازنات بعيداً من الحسابات والتموضعات السياسية. ولا يمكن إغفال أهميّة حصول الحكومة العتيدة على ثقة المجلس النيابي، مع مراعاة هذه الاعتبارات في عملية التأليف. وتشير إلى أن المشاورات لا تزال مستمرّة مع إيجابيات يمكن الوصول إليها طالما أنّ الحوار لا يزال سالكاً في مكان ما. وإذا كانت الحكومة تُعتبر أولوية لا بدّ من الاتفاق على تفاصيلها، إلا أنّ "بيت القصيد" يبقى في أهميّة التوصل إلى حكومة منتجة وقادرة على العمل.
تتضاعف التساؤلات حول الاحتمالات التي يمكن أن ترسم ملامح الأشهر المقبلة في البلاد، فيما يتعثّر الملف الحكوميّ في ظلّ تباينات لا تزال قائمة حول كيفيّة توزيع عدد من الحقائب وبعض الأسماء الوزاريّة إضافةً إلى العوامل الإقليميّة التي لا تبدو مؤاتية أو ممهّدة لولادة الحكومة في ظلّ التصعيد الإيراني المستمرّة فصوله لبنانيّاً من خلال "حزب الله" وموضوع استجرار باخرة النفط الإيرانية التي تأخذ حيّزاً من التداول على صعيد الداخل اللبنانيّ. ويستبعد مراقبون أن تحمل المرحلة المقبلة معها حسماً على صعيد تأليف الحكومة، في غياب انقشاع أيّ أفق حتى اللحظة وسط غيوم ملبّدة. وترتبط علامات الاستفهام المطروحة في ظلّ استمرار المراوحة الحكوميّة بما يمكن لهذا الوضع أن يولّد معه من معطيات على صعيد استحقاق الانتخابات النيابيّة من جهة والانتخابات الرئاسيّة من جهة ثانية.
ويردّد مرجع سياسي سنيّ في مجالسه بأنّه لا يمكن التسليم بالقدرة الفعليّة على إجراء استحقاق الانتخابات النيابية في موعده، طالما أنّ الأوضاع العامة في البلاد لا تزال غير مستقرّة انطلاقاً من أنّه "كلّ ما البلد ليس بخير، سيكون من الصعب إجراء الانتخابات"، وفق تعبير المرجع الذي يعبّر عن نظرة غير متفائلة لجهة القدرة على العبور نحو أيّ استحقاق في ظلّ الواقع الذي يراوح مكانه. وثمّة من يرى أن الوضع يتّجه نحو مزيد من التدهور اذا لم تتشكّل الحكومة سريعاً بغضّ النظر عن إمكان عقد التنازلات والتسويات الداخليّة، باعتبار أنّ هناك من يربط أي حلّ لبناني بالوضع الإقليمي- الإيراني تحديداً - ما يشير إلى أنّ الحلول لا يمكن أن تأتي في إطار سياق طبيعيّ.
وترى مصادر سياسيّة بأنّ الوضع يتّجه إلى مزيد من الانهيار والتدهور اذا لم تتشكل الحكومة خلال أسابيع قليلة، بما قد يعزّز نظريّة إعادة رسم الخريطة اللبنانية من دون ضرورة أن تؤدي إلى تغييرات على الورق، بل الاتجاه نحو واقع تقسيمي قد يفرضه الانهيار بما يعني فصل المناطق عن بعضها البعض، بما يشبه تفاصيل الوضع السوري الذي لا يزال مفكّّكاً ومتعدّد النفوذ رغم الخريطة الموحّدة. وتعتبر أن الأوضاع في البلاد يمكن أن تُفتح على كلّ التفاصيل، كما سبق أن حصل إبان المراحل التي شهدت أزمات في لبنان، بما في ذلك زمن تدخل أكثر من جيش عسكري أجنبي على الأراضي اللبنانية. ويستبعدون إمكان ولادة حل في لبنان خارج إطار حلّ الوضع السوريّ.
وإذا كانت الأسباب الآنفة الذكر تبعد عن إمكان ولادة الحكومة في مرحلة قريبة، فإن الانتخابات الرئاسية تبدو أيضاً مستبعدة في قراءة المصادر السياسية، طالما أن الحكومة لم تولد بعد. وهناك من لا يغفل إمكان أن ينسحب الوضع العام على البحث في شكل البلاد بكليّتها في ظلّ تتابع للأحداث وتشعّبها من الجنوب إلى الشمال وعكار، بما يمكن أن يحمل لبنان نحو مزيد من الفوضى المجتمعية التي يمكن أن ترتّب انعكاسات وتداعيات.
وأبعد من ذلك، فإنّ المقاربة الحكومية تبدو معلّقة نتيجة أسباب يرى معارضون للعهد أنها مرتبطة باعتزام فريق رئيس الجمهورية الحصول على الحصّة الأكبر من المقاعد الوزارية، بما يفرمل إمكان التوصل إلى حلول على الصعيد الداخلي أيضاً، باعتبار أنه يبدو ثمّة استحالة في التسليم بسيطرة أي مكوّن على الحكومة العتيدة التي يُنتظر أن تحظى باستقلالية قرارها.
أرسل تعليقك