أعلن رئيس الحكومة اللبنانية المكلف سعد الحريري الخميس اعتذاره عن عدم تشكيل حكومة جديدة في لبنان، بعد تسعة أشهر من تسميته، في خطوة من شأنها أن تعمّق معاناة البلاد الغارقة في أسوأ أزماتها الاقتصادية.وقال الحريري إنه كان من الواضح أنه لن يتمكن من الاتفاق مع الرئيس ميشال عون على المناصب الوزارية.
وكانت الحكومة الأخيرة قد استقالت في أعقاب الانفجار الهائل في مرفأ بيروت في أغسطس/ آب الماضي والذي خلف 200 قتيلاً. ومنذ ذلك التاريخ، تفاقمت الأزمة الاقتصادية الحادة في لبنان.فقد تسبب انهيار العملة اللبنانية في ارتفاع التضخم بشكل كبير وترك الناس عاجزين عن شراء المواد الغذائية، بينما تعاني البلاد من نقص حاد في إمدادات الوقود والكهرباء والأدوية.
وقال الحريري في مقابلة مع تلفزيون محلي إن "حزب الله لم يبذل الجهد الكافي لتشكيل الحكومة".وفور اعتذار الحريري، تجاوز سعر صرف الليرة عتبة عشرين ألفاً مقابل الدولار، في معدل قياسي جديد، وفق ما قال صرافون لوكالة فرانس برس. وأفادت الوكالة الوطنية للإعلام عن قطع طرق في مناطق عدة احتجاجاً.
وقد ألقى البنك الدولي باللائمة في الوضع على السياسيين اللبنانيين الذين لم يستطيعوا الاتفاق على سبيل للمضي قدماً للخروج بالبلاد من الأزمة.ورفضت دول أخرى تقديم مساعدات بمليارات الدولارات للبنان إلى أن تتمكن الأطراف السياسية من تشكيل حكومة يمكنها تطبيق الإصلاحات ومعالجة الفساد.
كان الحريري قد رُشح من قبل أعضاء مجلس النواب لتشكيل حكومة جديدة في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، بعد عام واحد فقط على استقالته من منصب رئيس الوزراء في أعقاب احتجاجات شعبية مناهضة للحكومة أشعلت فتيلها بداية الانهيار الاقتصادي في البلاد.
ووعد الحريري بالتشكيل السريع لحكومة من التكنوقراط، أي المتخصصين غير الحزبيين، تعمل على تطبيق الإصلاحات.لكن عون رفض العديد من المرشحين للمناصب الوزارية الذين اقترحهم الحريري.وتبادل الحريري وعون الاتهامات على محاولة فرض تعيينات تمكنهما من الحصول على حق الاعتراض على القرارات الوزارية.
وقدم الحريري يوم أمس الأربعاء قائمة جديدة تضم 24 وزيراً من التكنوقراط، واصفاً إياها بأنها "لحظة الحقيقة".ولكن بعد اجتماع قصير مع عون الخميس، أبلغ الحريري الصحافيين بأن الرئيس طلب إدخال تعديلات "جوهرية" لم يستطع قبولها.وقال إنه عرض على الرئيس منحه المزيد من الوقت للتفكير، لكنه أضاف قائلاً: "من الواضح أننا لن نتمكن من الاتفاق".
وأضاف الحريري "لذلك، قدمت اعتذاري عن (عدم) تشكيل الحكومة وليعين الله البلد".وفي وقت لاحق، ردّ عون في بيان عبر مكتبه الإعلامي على تصريح الحريري، معتبراً أن الأخير "لم يكن مستعداً للبحث في أي تعديل من أي نوع كان".
وأضاف عون في البيان بأنه سيحدد قريباً موعداً جديداً للمشاورات النيابية من أجل اختيار بديل للحريري.وبموجب نظام تقاسم السلطة الطائفي في لبنان، فإنه يتعين أن يكون رئيس الحكومة سنياً ورئيس الجمهورية مسيحياً ورئيس مجلس النواب شيعياً.
تبادل الاتهامات
وفيما يواجه لبنان انهياراً اقتصادياً رجّح البنك الدولي أن يكون من بين ثلاث أشدّ أزمات في العالم منذ عام 1850، لم تتمكن القوى السياسية المتناحرة من تشكيل حكومة منذ 11 شهراً.وأمضى الحريري وعون الأشهر الماضية يتبادلان الاتهامات بالتعطيل جراء الخلاف على الحصص وتسمية الوزراء.
والحريري هو ثاني شخصية تعتذر عن عدم تشكيل حكومة، بعد اعتذار مماثل قدّمه السفير مصطفى أديب الذي كلفه عون تأليف الحكومة نهاية آب/أغسطس إثر استقالة حكومة تصريف الأعمال الحالية برئاسة حسان دياب، بعد أيام من انفجار المرفأ.ولم تنجح الضغوط الدولية التي مارستها فرنسا خصوصاً منذ الانفجار على الطبقة السياسية في تسريع عملية التأليف.
وفي مواجهة انسداد الأفق السياسي، أعلن وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي خلال اجتماع الإثنين توجّهاً لفرض عقوبات على قادة مسؤولين عن التعطيل قبل نهاية الشهر الحالي.
فراغ سياسي
ومن شأن الفراغ السياسي أن يعمّق معاناة اللبنانيين، الذين يعيش أكثر من نصفهم تحت خط الفقر، على وقع الانهيار الاقتصادي المتسارع الذي أدى الى فقدان الليرة أكثر من تسعين في المئة من قيمتها مقابل الدولار.
وتشهد البلاد منذ أسابيع أزمة وقود وشحاً في الدواء وساعات تقنين في الكهرباء تصل إلى 22 ساعة. وترفع القطاعات والمرافق العامة والخاصة تدريجياً صوتها مطالبة بدعمها لتقوى على تقديم الخدمات.
ومنذ انفجار المرفأ الذي فاقم الانهيار الاقتصادي، يقدم المجتمع الدولي مساعدات إنسانية مباشرة إلى اللبنانيين عبر منظمات المجتمع المدني ومن دون المرور بمؤسسات الدولة. وتعتزم فرنسا والأمم المتحدة تنظيم مؤتمر دعم إنساني في الرابع من الشهر المقبل، هو الثالث منذ الانفجار.
وتبدو الأزمة الراهنة مرشحة للتفاقم مع اقتراب الذكرى السنوية الأولى لانفجار المرفأ. وينفذ أهالي الضحايا منذ أيام تحرّكات شعبية غاضبة مطالبين البرلمان برفع الحصانة عن ثلاثة نواب، شغلوا مناصب وزارية سابقاً، والجهات المعنية بمنح الإذن لملاحقة قادة أمنيين، طلب المحقق العدلي استجوابهم في قضية المرفأ.
ولم يصل القضاء بعد إلى أي نتيجة حول من يتحمّل مسؤولية حدوث الكارثة، علما أن المؤشرات واضحة الى أن الإهمال والفساد لعبا دوراً كبيرا في انفجار مواد خطرة مخزنة عشوائياً.
الرئاسة اللبنانية تكشف أن رفض الحريري مبدأ الاتفاق مع عون لتشكيل الحكومة يدل على أنه اتخذ قرارا مسبقا
كما قالت رئاسة الجمهورية اللبنانية إن رفض رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري لمبدأ الاتفاق مع رئيس الجمهورية ميشال عون يدل على أنه اتخذ قرارا مسبقا بالاعتذار عن تشكيل الحكومة.وأضافت رئاسة الجمهورية اللبنانية في بيانها: بعد اعتذار الرئيس المكلف سيحدد رئيس الجمهورية موعدا للاستشارات النيابية الملزمة بأسرع وقت ممكن.
وقال مكتب الإعلام في الرئاسة: الرئيس المكلف لم يكن مستعدا للبحث في أي تعديل من أي نوع كان.وأشار مكتب الإعلام إلى أن الرئيس عون عرض على الرئيس المكلف ملاحظاته على التشكيلة المقترحة طالبا البحث في إجراء بعض التعديلات للعودة إلى الاتفاق الذي تم التوصل من خلال مسعى الرئيس نبيه بري
الحريري يكشف سبب اعتذاره عن تشكيل الحكومة
وقال رئيس الحكومة اللبنانية المكلف سعد الحريري إنه تخلى عن تشكيل الحكومة بعدما تأكد أن الرئيس ميشال عون، لا يزال يريد الثلث المعطل وأن حزبه لن يمنح الحكومة الثقة.
وأضاف الحريري في مقابلة مع قناة "الجديد" اللبنانية بعد ساعات من اعتذاره عن تشكيل الحكومة إنه لم يفرض شروطا على الرئيس عون.وقال: "أنا لا أستطيع أن أقدم تشكيلة للحكومة ورئيس الجمهورية لا يريد إعطاء الثقة بل يريد الثلث المعطل، وكلكم تعرفون أن هذه ليست طريقة لتشكيل الحكومة".
وتابع الحريري في تغريدات على "تويتر": "اعتذاري عن التشكيل هو لأني رأيت أن رئيس الجمهورية لا يريد أن يشكل، وعندما يقرر رئيس الجمهورية متى الاستشارات أتحدث مع حلفائي ونقرر ماذا سنفعل".
وأضاف: "زرت رئيس الجمهورية بكل انفتاح وطلبت بأن نأخذ قرار سريع لأنه مضى وقت على التشكيل وأنا رشحت نفسي لكي أشكل بحسب المبادرة الفرنسية أي حكومة أخصائيين واليوم أنا اعتذرت عن حكومة ميشال عون".
احتجاجات صاخبة بعد اعتذار الحريري وتراجع جديد لليرة
من جهه اخري شهدت مناطق متفرقة في العاصمة اللبنانية بيروت وعدد من المحافظات تظاهرات وقطع طرق وأعمال عنف أدت لوقوع إصابات لم يتم حصرها حتى الآن، وذلك احتجاجا على اعتذار سعد الحريري زعيم تيار المستقبل عن عدم تشكيل حكومة اليوم (الخميس) بعد تعثر في التشكيل استمر لأكثر من ثمانية أشهر.وحدث التعثر في تشكيل الحكومة بسبب خلافات بين الحريري والرئيس اللبناني ميشال عون حول تسمية عدد من الوزراء وتوزيع الحقائب على الطوائف اللبنانية.
وكانت حالة من التفاؤل قد سادت في البلاد منذ أمس (الأربعاء) بعدما قدم الحريري تشكيلة جديدة للحكومة مكونة من 24 وزيرا لرئيس الجمهورية، وذلك للمرة الثانية بعد رفض تشكيلته الأولى في التي قدمها في ديسمبر (كانون الأول) الماضي والتي كانت تضم 18 وزيرا. إلا أن الخلافات بين الطرفين استمرت ليعلن الحريري اليوم اعتذاره بعد ما وصفه بإصرار رئيس الجمهورية على عدم التعاون معه.
وفور إعلان الاعتذار، وصل متوسط سعر بيع الدولار الأميركي إلى 21500 ليرة للدولار الواحد، فيما بلغ متوسط سعر الشراء 21300 للدولار وذلك بعد أن كان متوسط سعر البيع صباح اليوم 19300 ليرة للدولار الواحد والبيع 19350.
وفي العاصمة بيروت، قطع عدد من المتظاهرين العديد من الطرق من بينها شارع الحمرا وكورنيش المزرعة وميدان الكولا وجس سليم سلام والبربير والمنطقة الرياضية وعدد من الشوارع الرئيسية، مما أدى لنزول قوات من الأجهزة الأمنية اللبنانية في محاولة لإعادة فتح الطرق واعادة حركة المرور. إلا أن عددا من المتظاهرين أصروا على إغلاق الطرق وسط مشادات كلامية تطورت لأعمال عنف استخدم فيها المتظاهرون الحجارة، فيما حاولت قوات الأمن تفريق المتظاهرين بالقنابل المسيلة للدموع.
وفي مدينة صيدا عاصمة الجنوب قطع عدد من المحتجين الطريق عند ساحة الشهداء في المدينة بحاويات النفايات والعوائق. وكذلك قطع محتجون الطريق الدولي بين صيدا وبيروت في نقطتين.وفي طرابلس عاصمة الشمال، وجهت دعوات عبر مكبرات الصوت للنزول إلى الشوارع.
قد يهمك ايضا:
التفاؤل بعد لقاء ميشال عون وسعد الحريري ينعش "الليرة"
لم يكن لدى الحريري اي خيار في المهلة التي أعطيت للاثنين
أرسل تعليقك