بيت المدى يستعيد استذكار المسرحي المتصوّف عزيز عبد الصاحب
آخر تحديث GMT19:34:03
 لبنان اليوم -

ينتمي الى جيل من الفنانين ذي حقل إبداعي له ضوابطه وقوانينه العامة

"بيت المدى" يستعيد استذكار المسرحي المتصوّف عزيز عبد الصاحب

 لبنان اليوم -

 لبنان اليوم - "بيت المدى" يستعيد استذكار المسرحي المتصوّف عزيز عبد الصاحب

الراحل عزيز عبد الصاحب
بغداد - نجلاء الطائي

ينتمي الراحل عزيز عبد الصاحب إلى جيل من الفنانين الذين آمنوا بأن "الفن جزء من الحياة وإن الحياة ما هي إلا مسرح كبير يعيش فيه الجميع أدوارهم بشكل كامل".. ألم يقل المعلم ستانسلافسكي "إن المسرح هو شكل محدد لعكس الحياة وأحداثها فنيا" هذا المسرح الذي كان رفيقا لعمر عزيز وقرينًا لروحه وتوأمًا لفكره ومعتقداته والحلم السعيد بالنسبة إليه.

 وقد أورثه حب المسرح هذا، عدم الانسجام مع الظروف، ونهمًا لا يفقد عنفوانه للبقاء جامحا متوترا حر العقل والجسد والمصير، وأورثه نظرة متفائلة للحياة وعشقا للحرية..ولعل ما يثير الانتباه في تجربة عبد الصاحب هو ذلك الارتباط الوثيق بين سيرته الذاتية من حيث هي حياة خاصة وتجربته الفنية والثقافية باعتبارها تجربة تنتمي الى حقل إبداعي له ضوابطه وقوانينه العامة.

من هنا استحالة فصل أعماله الفنية عن حياته.

فقد كانت هذه الأعمال وإن اتخذت أشكالاً مختلفة "نصوص مسرحية، مقالات نقدية، ادوار تمثيلية، قصائد" أكثر من تعبير عن أفكار ومفاهيم. إنها يومياته وتفاصيل هذه اليوميات..بهذا المعنى يمكن أن نقول إن عزيز عبد الصاحب كان ابن اللحظة المعاشة، أفكاره ومشاريعه تنفجر من هذه اللحظة تماما كما ينفجر الدم من الشرايين..الفن وعالمه السحري اتخذ عند عزيز حركة الحريق في غابة عظيمة وبالتالي هو الانفجار الذي يكسر كل انتظام. 

هو شيء من الحياة المتمردة على الأطر الاجتماعية السائدة والقوانين القسرية.

ويكتب عزيز عبد الصاحب: "حبوا الفن لأنفسكم ولكن لا تحبوا أنفسكم من خلال الفن. 

والفنان الذي يستخدم الفن لأغراضه الشخصية ونزواته العابرة هو فنان أناني مغرق بالنرجسية ولا يتجاوز نفسه وبالتالي ينتهي كفنان"، هذا هو شرط الدخول إلى عالم الفن الذي وضعه عزيز عبد الصاحب لنفسه وسار عليه وهو شرط أن يؤثر الفن بالفنان وان يكون له صدى بمستقبله، فالفن الذي يعجز عن تغيير الفنان لحياته يعجز حتما عن تغيير الآخرين والتأثير في حياته .

يذكر أن عبد الصاحب اتجه الى المسرح الصوفي والشخصيات الصوفية، هذا ما خلق  تحولات كثيرة في  شخصيته.

" وقد يتمظهر هذا من خلال الموضوعات التي ناقشها عبد الصاحب في كتاباته وأدواره المسرحية كبشر الحافي، ومسرحية ابن ماجد،  واعمال اخرى كثيرة .. إنها رسالة، بُعثت إليه، والرسائل أسهل ما يمكن إيصاله للراحلين، المخرج المسرحي صلاح القصب كتب رسالته إلى الراحل عزيز عبد الصاحب، ورمى بكلماتها على مسمع من طيفه الحاضر. 

وقال القصب: "السنين  تتهاوى الى الغروب وظلك يلمع معنا، ايها العزيز، رحيلك حارب بعيدا وتوقف السير بعناء بطريقه في الفضاء وتلاشى الوقت وتوقفت الاشجار عن التمايل، وروحك جمال خالد يسكن في مساءات المسرح، وكنت معنا في احلام سحرية كنا نشاهدها كعروض مسرح باتجاه ضوء مشع."

 ويبدو أن الساعات لاتزال تُذكّر القصب بمجيء صديقه العزيز، من الناصرية، وحيثُ عُرف عبد الصاحب بروحه العاشقة للغناء الجميل، والراقصة على ترانيم عذبة اعتاد أن يدندنها لحضيري أبو عزيز وداخل حسن وحسين نعمة، يستوقف القصب عند صوت الراحل " كان صوتك الجنوبي يُشعل روحي صمتاً، حيث كنت انت مرتفعاً كالافق كأشجار عالية." لم يكن عبد الصاحب مسرحاً، واغنيات، فكان كلمات شعرية تنساب كجدولٍ من بين أقدام الجمال لتكتب قصائده، ليغفو هو تعلو الشهقة صدور القصب ومن معه، في تلك اللحظة حيث كانت الموسيقى وأضواء المسرح تصنع نوراً لا يعرف التوقف.

كيف خُلق التصوف في روحية عزيز عبد الصاحب؟ تساؤل يجد من خلاله الكاتب والاكاديمي المخرج المسرحي عقيل مهدي يوسف  انطلاقة للحديث عن المرحلة التي وصل إلها عزيز عبد الصاحب من التحزبية، حيث أراد أن يصنع تحولات في داخله فيها من النقد والتطوير ومعراج الروح الكثير، بهذا يجد مهدي أن عبد الصاحب " شاطر روجيه غارودي، وحسن العلوي، وعزيز السيد جاسم  تلك التحولات التي قادتهم الى التصوف."

كان الراحل مُتأثراً ومُلغماً بالفولكلور الناصري في مدينته، ومتأثراً بمثقفي الناصرية كما أنه اثر عليهم، وقد لمس مهدي " ان هذا التأثر أثر على حركته التربوية في العمل المسرحي." عزيز عبد الصاحب كان ملماً باللغة، ولديه فعل لغوي كبير، شاعراً وناقداً، وصاحب تراكم معرفي كبير ومميز. حيث أكد مهدي أن "هنالك فعلاً باللغة حوّله الى تقنية شعرية ونقدية ومسرحية وحوّله الى تأثير بالجمهور وكان جزءاً من ديمقراطيته يركز على الجمهور والعدالة والجانب الاستعراضي، وكان متأثراً بزوربا بطريقة عراقية وكان يحاول الرقص بشكل لا يتطابق مع واقعنا، فكان طموحه أن يغير ويكسر تابو الواقع العراقي."

أيُمكن لعمر العلاقة والتواصل أن تُحكى من خلال بضع اوراق، او جلسة لا تتعدى بضع ساعات، فأولئك الذين تجمعنا بهم حياة، لا علاقة، ذكريات لا أحداث، حيث عطر الاماكن، روح الكلمات لا حروفها، لا يمكن أن نختصرهم ببضع ورق، او ساعات من الحديث، إلا أنهم يمكن أن يكونوا يوماً ما قصيدة بالنسبة لنا، بهذه الطريقة ومن خلال قصيدته " ما عليك " .

يستذكر الفنان عزيز خيون الراحل عزيز عبد الصاحب" ما عليك يا ابن آل عبد الصاحب، وفاءً عراقياً  يُخلدك المسرح، أيها الطيب الزكي ويا روح الجنوب أيها الشيخ العراقي الهوى، برغم الحصارات والهروب لم يبع الطفل الذي فيه."

المرأة وعزيز عبد الصاحب، والوسط الذي يجمعهما، حيث الفنون، الاضواء، والصحافة والإعلام ومزيد من الشائعات، أيّاً من الشخصيات التي تتوسط المشهد الفني كان عبد الصاحب في تعامله مع المرأة؟ لم يكُن هُنالك شهادة أكبر بحق الراحل في تعاملاته مع الجنس النسوي سوى من امرأة عايشت هذا الوسط، الفنانة والكاتبة المسرحية عواطف نعيم، تشرد بذاكرتها حيث التي قادتها ، تشرُد بذاكرتها حيث التي قادتها حيث اللقاء الاول بشاب كان يرقص، حتى أبهرها لتنظر إليه طويلاً فيُفاجئها بسؤاله " شكو" وهذا كان اللقاء الاول الذي جمع عواطف نعيم بعزيز عبد الصاحب " حيث كنت طالبة في الدراسات الثانوية وذهبت للقاء إبراهيم جلال للعمل في مسرحية "البيك والسايق".."

 بدأت مسيرة جميلة ورفقة وصحبة طيبة، نعيم تجد أن الجميع يعرف عبد الصاحب إلا أن " الرجل الجميل الذي يعشق المرأة لم يكن يعرفه إلا المقربون.

" كان عبد الصاحب يرى المرأة حديقة جمال وهذا ما أخبره ذات مرة لعواطف نعيم "قال لي هذه حديقة المرأة لون وعطر وجمال ولمسة وعبارة، كان عبد الصاحب المبادر الاول في الحفاظ على نساء الوسط الفني وحمايتهن من الاقاويل ومعاملتهن بمنتهى الاحترام في الوقت الذي كان الكثيرون لا يهتمون لهذا."

أما على الصعيد الفني فعزيز عبد الصاحب اهتم بالادوات المسرحية واستطاع خلق عمل من امكانات بسيطة، هكذا تحدثت نعيم عن الراحل ،مشيرةً إلى "انه حين كان ناقداً لم يستخدم السكين لأنه كان مؤمناً أن النقد تقييم."

د.سعد عزيز عبد الصاحب  تحدث عن والده الراحل بلغة مسرحية، وقد كان حاضراً ليضع توقيعه على مؤلفات الراحل التي تم توزيعها في نهاية الجلسة والتي تحمل عنوان " لاترسم عصفوراً ناقصاً، سعد يشير إلى أنه " أكمل مسيرة والده من خلال نشر كتبه، حيث نشر كتاب مسرحيات صوفية، الذي شارك بإنتاجه البيت الثقافي في الناصرية، إضافة إلى نشره المجموعة الشعرية الكاملة للراحل التي تحمل عنوان " صحبة ليل طويل" والتي رفضت دائرة الشؤون الثقافية نشرها في فترة حكم النظام السابق، وأخيراً قام بطباعة ونشر كتاب " لاترسم عصفوراً ناقصاً" .

" والذي تم توقيعه في ختار الجلسة، ليؤكد سعد " أن هنالك الكثير من القصائد والاعمال التي كتبها الراحل والتي لم أتمكن حتى الآن من طباعتها."

لم يكُن عبد الصاحب ذا حضور مسرحي فحسب فهو شخصية مؤثرة ثقافياً، يراه المثقفون أنه مثقف أخلاقي وإنساني وعضوي يمتلك قدرة استثنائية على التحول ، الناقد والكاتب علي الفواز، يعدّ الراحل أُنموذجاً يستحق الاستعادة ويؤكد " أن الراحل يذكرني بمجموعة من الاشياء التي تحتاج أن نستعيده، في أوروبا حين تهبّ أزمة أخلاقية،  هناك الكثير من المؤسسين يعودون الى "كاونت" لانه المثال الاعلى للاخلاق، لذلك اليوم حين نتحدث عن عبد الصاحب كونه  السانحة الاخلاقية التي نلجأ لها لممارسة طقوس الاطمئنان والنُبل ليكون الانسان حراً وله من الإيثار الشيء الكثير."

 عزيز عبد الصاحب ملح المجموعة، حيث يجد الفواز أنه "واحد ممن يمكن ان نلجأ له لممارسة هذه الطقوس لاسيما ان الفضاء الثقافي العراقي هو فضاء مؤدلج والهروب من الادلجة يغني قدرة المثقف  على مواجهة هذه الادلجة." استطاع ان يجعل من الحياة المسرحية مجالاً يعمل من خلاله الآخرون وهو ممن فكك مفهوم المكان، وحين جاء عزيز عبد الصاحب جاء بحمولة المثقف والروائي والمتصوف، ولم تأخذ هذه المدينة كل حمولته القديمة وقد اضاف الى المدينة ولم تضف له المدينة شيئاً.

عزيز عبد الصاحب، أثر بقي لأجيال اخرى جاءت بعده، المخرج المسرحي فاروق صبري وبعد أن شكل فرقة بابل المسرحية مع زملائه، وتم اختيار مسرحية " الحصار" لعادل كاظم لتتم استعادتها، كُلّف صبري بتجسيد دور " محمد السايس" يقول فاروق صبري " رفضت الدور لأني وجدته صعباً حين استذكرت أداء عزيز عبد الصاحب لهذا الدور، ولكنهم طلبوا مني أن أتحدى ذاتي بهذا الدور وبالفعل تحديت ذاتي ولكنني لم أستطع الوصول إلى مستوى الراحل مهما ارتقيت بأدائي."

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

بيت المدى يستعيد استذكار المسرحي المتصوّف عزيز عبد الصاحب بيت المدى يستعيد استذكار المسرحي المتصوّف عزيز عبد الصاحب



إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمان - لبنان اليوم

GMT 07:17 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

تجديد جذّري في إطلالات نجوى كرم يثير الجدل والإعجاب
 لبنان اليوم - تجديد جذّري في إطلالات نجوى كرم يثير الجدل والإعجاب

GMT 17:56 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية فخّمة تجمع بين جمال الطبيعة والرفاهية المطلقة
 لبنان اليوم - وجهات سياحية فخّمة تجمع بين جمال الطبيعة والرفاهية المطلقة

GMT 17:38 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث متعددة الأغراض
 لبنان اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث متعددة الأغراض

GMT 07:58 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

طهران ترحب بوقف إطلاق النار في لبنان
 لبنان اليوم - طهران ترحب بوقف إطلاق النار في لبنان

GMT 08:54 2022 الخميس ,02 حزيران / يونيو

جينيسيس تكشف عن G70" Shooting Brake" رسمياً

GMT 19:19 2021 الجمعة ,17 كانون الأول / ديسمبر

موضة حقائب بدرجات اللون البني الدافئة

GMT 21:00 2020 الأربعاء ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

أملاح يلتحق بمعسكر المنتخب ويعرض إصابته على الطاقم الطبي

GMT 21:13 2023 الخميس ,13 إبريل / نيسان

موضة الأحذية في فصل ربيع 2023

GMT 18:07 2022 الأربعاء ,01 حزيران / يونيو

ساعات أنيقة باللون الأزرق الداكن

GMT 21:12 2023 الأربعاء ,03 أيار / مايو

آخر صيحات الصيف للنظارات الشمسية

GMT 21:00 2021 الإثنين ,18 كانون الثاني / يناير

مايك تايسون في صورة جديدة بعد عودته لحلبة الملاكمة

GMT 04:56 2022 الثلاثاء ,05 تموز / يوليو

نصائح للاستمتاع بالجلسات الخارجية للمنزل

GMT 05:12 2022 الإثنين ,11 تموز / يوليو

6 تصرفات يقوم بها الأزواج تسبب الطلاق النفسي

GMT 15:43 2021 الخميس ,23 أيلول / سبتمبر

أعلى 10 لاعبين دخلاً في صفوف المنتخب الجزائري
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon