بيروت - لبنان اليوم
دروس كثيرة تعلّمها اللبنانيون من تجربة الثورة التي مروا بها مؤخرًا، وأهمها عدم السكوت على الغلط والمطالبة بتصحيحه. وتأتي مبادرة "ممنوع التهذيب" المنظمة من قبل الفعالية الفنية "النوم مع العدو" بمثابة تكملة لمرحلة حالية يعيشها اللبنانيون. فهي سبق أن قدّمت نسختين من ورشة عملها هذه في عام 2019، وفي هذا العام ومن خلال النسخة الثالثة لهذه الفعالية، يبرز هذا الاتصال المباشر ما بين الناس و9 فنانين يشاركون في الحدث، ويثورون من خلاله على أسلوب عمل تقليدي. فهم يحاولون في عملهم اليومي الدؤوب، الذي يستغرق أربعة أسابيع متتالية أن يكسروا حواجز وهمية، وضعت بينهم وبين المشاهد، من خلال فتح الفعالية الفنية للعامة.
وتكمن مهمتهم في تشريع أبواب مركز الورشة الفنية في منطقة مار مخايل أمام الجميع مجانا، ويتشاركون مع الناس موضوعات لوحاتهم والتقنية المستخدمة فيها، ليختتموا مهمتهم بمعرض رسم يقام في اليوم.
ويتيح الفنانون المشاركون للزوار أيضا التعرف على مسار ريشتهم وأناملهم وكيفية ترجمة أفكارهم على الورق مباشرة، من على أرض الواقع. فيكتشف المشاهد في هذه الرحلة البصرية المباشرة أسرار الموهبة الفنية عندما تلوح في الأفق وأصولها المتوفرة لدى الفنانين من خلال دراسات وتجارب يختزنونها.
أمّا القواعد الوحيدة الملزمة في هذا المعرض، وكما جاءت في بيان فعالية "النوم مع العدو" صاحبة المبادرة، فهي توحيد الأسعار بين جميع الفنانين. وتُقسّم بعد ذلك، العائدات من بيع اللوحات التي تتراوح أسعارها ما بين 200 و400 و600 ألف ليرة بالتساوي بين جميع الفنانين، ومجموعة العمل بأكملها، بمن فيها من منسقين وهما: لين مدلل وزلفا حلبي.
أمّا الفنانون التسعة المشاركون في هذا النشاط الفني فهم: لوما رباح وشوقي يوسف ومنصور الهبر وبترام شلش وآية كازون وآني كوركجيان، وسمعان خوام غيلان الصفدي وفادي الشمعة الذين كانوا من الفنانين المبادرين لإقامة هذه الورشة الفنية منذ بداياتها.
وعن سبب تسمية هذا النشاط الفني "ممنوع التهذيب" توضح لين مدلل المنسقة المشرفة على الورشة: "لقد أصبحنا في وقت يتطلب منا الجرأة بكل معاييرها. فبعد اليوم لم نعد نستطيع أن نوصل رسائلنا أو تحقيق أهدافنا بطريقة كلاسيكية مهذبة. فالجميع لاحظ أن المطالبة بحقوقنا بصوت خافت وبتهذيب لم يوصلنا إلى أي مكان، ولم يجد آذانا صاغية. ومن هذا المنطلق ارتأت الفعالية الفنية "النوم مع العدو" إطلاق هذا العنوان على نسخاتها منذ إطلاقها حتى اليوم. فهي بمثابة سلسلة فنية تتطور مع الوقت وتواكب اللحظة بأسلوب جماعي يضفي الحوار والثقافة على المشاركين فيه". وتتابع لين مدلل في حديثها لـ"الشرق الأوسط": "الفنانون التسعة المشاركون في هذه المبادرة هم معروفون وأخذوا على عاتقهم التواصل مع الناس عبر لوحاتهم، وأثناء تنفيذها مباشرة على أرض الورشة. وهم مستعدون وحاضرون للإجابة عن أسئلة الناس الذين يأتوننا من مختلف الأعمار. فيتحدثون معهم وينخرطون في عملية الإبداع الدائرة أمامهم من دون أي حواجز تذكر بينهم".
تقنيات الرسم على أنواعها من باستيل وزيت وقلم الرصاص وكولاج وغيرها يتابعها زوار الورشة في أعمال الفنانين التسعة، أثناء عملية تنفيذهم لوحاتهم. أما موضوعاتهم فتتنوع بين رسومات تحكي عن الثورة وأخرى عن الطبيعة والحب والطفل وغيرها من الموضوعات الاجتماعية. "يمكن القول إنّ الجرأة تعنون الرسومات وتبرز التطور التقني والمهني في عالم الرسم في مضمونها إن بصورة مباشرة أو بالعكس. وهي تدور حول وضع ما تأثر به الفنان الرسام فينقله بريشة ساخرة أو حالمة ورومانسية". تشير لين مدلل في معرض حديثها لـ"الشرق الأوسط".
ومن ناحيته يؤكد فادي الشمعة أحد المؤسسين لهذه المبادرة الفنية، أن هدف إقامة هذه الورشة التي تختتم بمعرض رسم، هو دعم التكاتف والتعاضد بين الفنانين بشكل عام.
ويضيف في حديث لـ"الشرق الأوسط" "إننا نعمل جميعا ضمن مساحة واحدة تخولنا الاطلاع على القطع الفنية التي ننفذها، وتسديد النصائح لبعضنا. كما ترسو فيها مشاعر القناعة وحب الآخر ووحدة الحال، سيما أنّ هناك تسعيرة واحدة نتقاسمها جميعا من دون استثناء فنكون متساويين من نواح كثيرة".
ويختم الشمعة في سياق حديثه لـ"الشرق الأوسط": "لقد ساهمت هذه التجربة في تجاوزنا ما نسميه أنانية الفنان عادة ما تسكن أعماقه. فتشاركنا الأحلام وتفاعلنا ودعمنا بعضنا البعض بدل أن نعمل في أجواء العزلة التي نعيشها عادة في بيوتنا أو مشاغلنا. فحملت في طياتها تحفيزًا مباشرًا لنا، ترجم عملا وإنجازا على الأرض، وحوارا ناجحا مع الناس أيضا".
قد يهمك ايضا: طالبة من جامعة الباحة يشاركن في الورشة الفنية الثقافية
أرسل تعليقك