مقبرة الإنكليز مكان يرقد فيه الأموات ويجد فيه سكان القطاع المحاصر متنفساً لهم
آخر تحديث GMT18:47:13
 لبنان اليوم -

تمثل تحفة أوروبية تم إنشاؤها قبل 90 عاماً بشكل هندسي بديع في غزة

"مقبرة الإنكليز" مكان يرقد فيه الأموات ويجد فيه سكان القطاع المحاصر متنفساً لهم

 لبنان اليوم -

 لبنان اليوم - "مقبرة الإنكليز" مكان يرقد فيه الأموات ويجد فيه سكان القطاع المحاصر متنفساً لهم

مقبرة الإنكليز في غزة
غزة – محمد حبيب

غزة – محمد حبيب باتت مقبرة جنود الحلفاء أو كما يسميها الغزيون "مقبرة الإنكليز" والتي تقع شرق مدينة غزة مقصدا للمواطنين الذين يتجهون إليها للتنزه والجلوس على البساط الأخضر الذي ينبسط على امتداد البصر وسط الأشجار والزهور الجميلة المنتشرة في هذه المقبرة التي يزيد عمرها عن 90عاما. وتعد هذه المقبرة إحدى خمس مقابر تحكي تاريخ غزة الاستعماري الحديث وتشهد على ضراوة المعارك التي خاضها العثمانيون ضد قوات الحلفاء خلال الحرب العالمية الأولى، والتي انتهت بفرض الانتداب البريطاني على فلسطين وإقامة  إسرائيل، إذ دفن فيها 3029 قتيلاً وفق سجلات المقبرة، من الإنكليز والحلفاء من مجمل عدد قتلاهم في فلسطين، والبالغ أكثر من عشرة آلاف قتيل.
ودفن في هذه المقبرة جنود الحلفاء الذين قتلوا في حرب (1914-1918) تخليدا لذكراهم" تلك العبارة كتبت باللغتين العربية والإنكليزية على النصب الصخري في هذه المقبرة.
ولجمالها الخلاب، أضحت المقبرة مقصداً لآلاف الغزيين معظمهم من الشباب والفتيات لأخذ الصور التذكارية، بينما يتجه إليها الكثير من طلبة المدارس والجامعات للدراسة نظراً للهدوء والراحة التي تميز المكان، كما تجد فيها العائلات الغزية ضالتها لاصطحاب أطفالهم إليها للعب واللهو وقضاء يوم جميل وممتع.
وعلى الرغم من إصرار الغزيين على تحويل المقبرة لمكان استجمام، لكن القائمين عليها يؤكدون أنها "ليست متنزها" وإن كانت مفتوحة للزوار, فيقول الحاج إبراهيم جرادة الذي أمضى أكثر من40  عاما وهو يعمل فيها "هذه المقبرة اسمها مقبرة حرب غزة والتابعة للشعوب البريطانية " Gaza War Cemetery " و تقع وسط حي التفاح شرق مدينة غزة , وأعمل فيها منذ 46 عاما, وأرعاها كما ترعى الأم ابنها، إذ استلمت إدارتها العام 1958م بعد والدي ربيع جرادة الذي كان يعمل في منظمة الكومونولث ويعمل في المقبرة حاليا أولادي".
ويتابع جرادة الذي تقاعد منذ فترة قريبة فقط من رئاسة طاقم رعاية المقبرة, قوله " أن جنسيات الجنود المدفونين متعددة ومتنوعة، فبعضهم من أستراليا وكندا وبريطانيا، وهناك إنكليز من أصل يهودي ومسلمون أيضا وتوجد هيئة تسمى الكومونولث هي المسؤولة بشكل تام عنها، وتتولى صرف ميزانيتها بشكل دائم".
ويضيف "العائلات الإنكليزية أيضا كانت تزور هذه المقبرة دوريا، وكانت توكل بعض الأشخاص بإرسال صور لقبور أبنائهم المدفونين هنا إلا أن عددهم قل كثيرا بسبب الأوضاع السياسية".
ويواصل الحاج إبراهيم قوله أن هذه المقبرة تعتبر معلما تاريخيا قديما جدا في قطاع غزة وليس متنزها للناس، ويبين: "هناك تساهل كبير مع الناس لدخولها والاستمتاع بمنظرها الجميل، فالكثير من الرحلات المدرسية والسياح الأجانب يترددون بشكل شبه يومي إلى هذا المكان".
ويقول أن هناك الكثير من العمال الذين يعملون بها بشكل يومي ويقومون بأعمال ترميم القبور وزراعة أشجار الزينة، إذ يتقاضون رواتبهم من القنصلية البريطانية", رافضا الحديث عن حدود الرواتب لديهم.
يذكر أن الحكومة البريطانية توفر ميزانية كبيرة، وكل ما يلزم، لبقاء المقبرة مكاناً جميلاً, إذ يتبع لها مشتل كبير، لزراعة الزهور، لتزيين المقبرة، واستبدال أية شتلة تفسد أو تموت فوق القبور, وهناك مصنع خاص في فرنسا يقوم بصناعة شواهد القبور واستبدال ما يتلف منها.
ويقول المحاضر في قسم التاريخ في جامعة الأزهر في غزة، الدكتور سهيل الشنطي عن تاريخ المقبرة وأسباب وجودها في غزة "المقبرة موجودة إلى الشرق من مدينة غزة في منطقة تسمى الشعف وهي تعود للحرب العالمية الأولى بين عامي 1914-1918 عندما كان الجيش البريطاني بقيادة "ألمبي" يخوض معارك قوية في أراضي غزة لإحكام السيطرة عليها من القوات الأخرى، إذ سقط خلال المعارك آلاف الجنود البريطانيين".
وعن سبب دفنهم في أراضي غزة يقول الشنطي إنه بسبب المعارك والحرب الطاحنة التي كانت تدور ولارتفاع تكلفة النقل أيضا كان من الطبيعي أن تدفن الدولة البريطانية موتاها في غزة، ومما لا شك فيه أيضا أن القوات البريطانية كانت تهتم بنقل التموين والعتاد للجيش أكثر من هذا الأمر مما دعاهم لدفنهم في أرض المعركة بشكل سريع".
ويبين الشنطي أن هناك قبورًا لجنود إسرائيليين في المقبرة، ويرجع ذلك بسبب وجود عدد كبير من اليهود المتطوعين في الجيش البريطاني والذين كانوا يأملون الحصول على بعض المكاسب بعد الحرب والتي كان منها وعد بلفور قبل الحرب، ويضيف "كانت هناك أيضا ما تُسمى فرقة البغالة نسبة لركوبها البغال، وقد كانوا من اليهود، إذ كانوا يساعدون الجيش البريطاني بنقل التموين والمساعدات اللوجستية خلال المعارك".
ويؤكد أن الشعب الفلسطيني يحافظ على هذه المقابر منذ زمن طويل لأنها تعتبر بلا شك إرثًا ومعلمًا تاريخيًا وحضاريًا في الأراضي الفلسطينية.
ويقول المواطن حسين حمد الذي يزور المقبرة بشكل دائم لـ "العرب اليوم"، "أذهب للمقبرة بشكل دائم وأشعر أنني أجلس في متنزه وليس مقبرة وألاحظ مدى الإهتمام الكبير بهذه القبور وأشكالها الهندسية الرائعة التي تسلب الناظرين فهذه المقبرة تعتبر متنزه ومتنفس للسكان الغزيين، وهي أيضا تعتبر من المعالم والآثار الفلسطينية ولكنها تعود لأصول غربية".
ويضيف حمد أنه يرى الموت أفضل في ظل هذا الواقع، لما يراه من جمال مساكن الأموات في هذه المقبرة ويشعر أن الموت سيكون أجمل مع مناظر هذه القبور.
ويؤكد حمد أنه يتوجه إلى المقبرة بمفرده للتنفيس والترفيه عن نفسه خلال أوقات الفراغ والتقاط بعض الصور لنفسه نظرا للاختناق الذي تعاني منه غزة في المناطق الطبيعية والمتنزهات العامة.
ويشير حمد إلى أن الناس تقبل بشكل كبير على هذه المقبرة، وهناك زيارات عائلية بشكل مستمر للمكان وهو فعلا أمر مثير للانتباه أن يتوجه الناس إلى المقابر للتنفيس عن أنفسهم في صحبة الأموات.
ويبين حمد أنه يتوجه إلى المقبرة لمراجعة دروسه هناك نظرا للهدوء والأجواء المستقرة بشكل كبير، ويضيف "شعور غريب أن يدرس الشخص بين القبور والأموات، ولكن بلا شك أن الدراسة والجلوس هناك أيضا رائع جدا مع مناظر القبور ومساكن الأموات الرائعة والجميلة".
وحارس المقبرة أبو محمد كما يعرفه الناس وهو القائم بكافة أعمال العناية والترتيب والتنظيف والتزين، منذ سنوات طويلة، يضيف "أعمل في المقبرة منذ العام 1987 المقبرة تابعة بشكل مباشر لهيئة 'الكومنولث البريطانية".
وأشار الحارس بيده إلى نصب صخري كتب عليه باللغتين العربية والإنكليزية " إن هذه الأرض المقام عليها المقبرة هي هبة من أهالي فلسطين لتكون مقر الراحة الأبدية لجنود الحلفاء الذين قتلوا في حرب'1914_1918 تخليدا لذكراهم".
وتابع حديثة قائلا" تضم المقبرة قرابة 21 قبراً لمسلمين هنود، وثلاثة قبور تعود لمسلمين جزائريين، إضافة إلى أعداد من قبور تعود لجنود الحلفاء".
ويؤكد الحارس أن الحكومة البريطانية منذ ذلك التاريخ تقوم بالإشراف وتمويل المقبرة، إضافةً إلى المقابر الأربع الأخرى الموجودة في قطاع غزة، كما وتخصص لها ميزانية كبيرة لتظهر بأبهى حلتها.
وأشار الحارس إلى أن أقارب الجنود الراقدين قي المقبرة يأتون لزيارة قبور أبنائهم وأجدادهم من الحين للآخر، فضلا عن زيارات متكررة لبعض المسؤولين والمشرفين من هيئة "الكومنولث" ومن الاتحاد الأوروبي.
وتابع الحارس حديثة قائلا"أشعر بالسعادة بزيارات الناس سواء المحليين أو الأجانب والإنكليز للمقبرة، إلا أنني اشعر بالأسى في بعض الأحيان من الزوار الذين يأتون لزيارة المقبرة ولا يحافظون على ممتلكاتها ونظافتها".
ولم تسلم المقبرة خلال الحرب الأخيرة التي شنتها (إسرائيل) على قطاع غزة مع نهاية العام 2008 فقد قصفت وألحقت بها أضرارا بالغة, إذ أن 287 ضريحا تضرّرت بفعل القصف الإسرائيلي الذي دمّر بعضها بشكل كامل، كما سقطت خمس قذائف إسرائيلية عليها تسببت بأضرار جسيمة بمقتنياتها, إلا أنه تم إصلاح الأضرار فيما بعد واستبدال الشواهد المدمرة بأخرى جديدة.
وتبقى مقبرة الإنكليز شاهداً حيا على صمود أهل فلسطين في وجه الاستعمار الذي عانت لعقود طويلة ولازالت من ويلاته, وخاضت حروبا ضارية في دفاعها عن ارضها ولتبقى هذه المقبرة شاهدا على زرع دولة مغتصبة روتها دماء جنود الحلفاء الذين قاتلوا من أجل قيامها.

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مقبرة الإنكليز مكان يرقد فيه الأموات ويجد فيه سكان القطاع المحاصر متنفساً لهم مقبرة الإنكليز مكان يرقد فيه الأموات ويجد فيه سكان القطاع المحاصر متنفساً لهم



GMT 06:50 2024 الإثنين ,28 تشرين الأول / أكتوبر

إطلاق النسخة الأولى من "بينالي أبوظبي للفن" 15 نوفمبر المقبل

GMT 07:02 2024 الثلاثاء ,15 تشرين الأول / أكتوبر

جولة على أهم المتاحف والمعارض الفنية العالمية والعربية

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة - لبنان اليوم

GMT 14:02 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
 لبنان اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 14:42 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
 لبنان اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 09:51 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

فساتين الكاب تمنحك إطلالة ملكية فخمة
 لبنان اليوم - فساتين الكاب تمنحك إطلالة ملكية فخمة

GMT 19:06 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

اليونان تمزج بين الحضارة العريقة والجمال الطبيعي الآسر
 لبنان اليوم - اليونان تمزج بين الحضارة العريقة والجمال الطبيعي الآسر

GMT 10:05 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

أفكار هدايا مبتكرة ومميزة في موسم الأعياد
 لبنان اليوم - أفكار هدايا مبتكرة ومميزة في موسم الأعياد

GMT 12:03 2021 الخميس ,21 كانون الثاني / يناير

تعرف على تقنية "BMW" الجديدة لمالكي هواتف "آيفون"

GMT 19:06 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

اليونان تمزج بين الحضارة العريقة والجمال الطبيعي الآسر

GMT 07:21 2021 الثلاثاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

موديلات ساعات متنوعة لإطلالة راقية

GMT 09:17 2022 الإثنين ,11 تموز / يوليو

6 نصائح ذهبية لتكوني صديقة زوجك المُقربة

GMT 12:59 2021 الثلاثاء ,02 شباط / فبراير

مصر تعلن إنتاج أول أتوبيس محلي من نوعه في البلاد

GMT 06:22 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

استغلال وتزيين مساحة الشرفة المنزلية الصغيرة لجعلها مميزة

GMT 21:49 2022 الأربعاء ,11 أيار / مايو

عراقيات يكافحن العنف الأسري لمساعدة أخريات

GMT 12:22 2022 الأربعاء ,06 تموز / يوليو

أفضل العطور النسائية لصيف 2022

GMT 21:09 2023 الأربعاء ,03 أيار / مايو

القماش الجينز يهيمن على الموضة لصيف 2023

GMT 17:08 2022 الأحد ,06 آذار/ مارس

اتيكيت سهرات رأس السنة والأعياد
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon