اختراع موريل متاهة الآلام والأوهام للأرجنتيني بيوي كاساريس
آخر تحديث GMT18:19:39
 لبنان اليوم -

تشكِّل كل ثيمة مفردة روايات عدّة تدهش المتلقي

"اختراع موريل" متاهة الآلام والأوهام للأرجنتيني بيوي كاساريس

 لبنان اليوم -

 لبنان اليوم - "اختراع موريل" متاهة الآلام والأوهام للأرجنتيني بيوي كاساريس

رواية "اختراع موريل"
الرباط ـ كمال السليمي

يصف خورخي لويس بورخيس رواية "اختراع موريل" للأرجنتيني أدولفو بيوي كاساريس بالكمال، بداية محفزة للقارىء للانغماس في هذه الرواية الصغيرة.

إذ جاءت في 110 صفحة من القطع الصغير، وصدرت العام 1940 وترجمت إلى 20 لغة ولم تنقل إلى العربية إلا منذ شهور قليلة.

عندما تقرأ هذه الرواية ستلهث خلف الأفكار المتلاحقة والمنسابة منها، في كل مفصل هناك الجديد دومًا، وتناصات مع هذه الرواية أو تلك وإحالات إلى أطروحة أدبية هنا أو هناك، وما يذكرك بحزمة من الأفلام.

حينما تبدأ الرواية بشخص هارب من شيء مجهول أو جريمة لا يفصح عنها السرد، يذهب للعيش في جزيرة معزولة يتجنبها الناس، لا يوجد فيها إلا قصر وكنيسة وحمام سباحة، وأماكن أسفل الأرض تتضمن أقبية وسراديب تحتوي على الآلاف من الكتب والمرايا واختراع موريل الذي لن نتعرف إليه إلا قرب نهاية الرواية، تعيش على الجزيرة أيضًا الضفادع والكائنات التي تثير اشمئزاز البطل كثيرًا.

فجأة تظهر امرأة يدعوها كاتب التقرير، وهو صوت آخر يسرد حكاية البطل، بـ"فوستين"، وهناك صوت ثالث يطلق عليه المؤلف "الناشر"، يراقب البطل فوستين من دون أنَّ تراه وهي تستحم، يقع في غرامها، في أحد الأيام تأتي وفي صحبتها مجموعة من الرجال والناس، يشعر بالخوف والانزعاج والغيرة، يحاول أنَّ يقترب منها ويتحدث إليها، ولكنها لا تراه ولا يقدر هو على التحدث معها.

لكن يظل البطل يراقب فوستين حتى يكتشف أنَّ حبيبها موريل اخترع آلة عجيبة توثق لحياة معشوقته مع أصدقائها، وأنَّ ما رآه البطل مجرد صور متحركة لأشخاص موتى، وفي حوار يعصف بكل قواعد اللعبة وما نظن أننا نفهمه ونقترب من الإمساك به، تخرج الشخصيات من الصور لترفض ما يفعله موريل، ولكن عندما يقترب البطل من فوستين يتكرر له ما حدث سابقًا.

تعود الجزيرة إلى سابق هدوئها القاتل، لنعيش مع البطل لحظات الختام وهو يعاني الخوف والوحدة وربما عدم فهم كل هذا الغموض والتعقيد اللذين يحيطان به، ولكن ما يعزيه هو أنه أحب فوستين المرأة الجميلة التي تستحق كل هذه التجربة.

وفي الرواية روح ستيفنسون وانعكاسات ستتردد لاحقًا في الأدب الوجودي إذ أفكار العزلة والسقوط والضيق بالآخرين، ولهاث وراء ثيمة المراقبة بكل أبعادها وتوظيفاتها وحيرتنا مع البطل المراقب الذي يكتشف أنه هو نفسه يُراقب في لعبة لا يفهم تفصيلاتها، ومشاهد ستصور فيما بعد مع موتى فيلم "The others" وحالمي "Inception" ومجانين "Shutter island"، وترديد مفهوم "الدخلاء" الذي نسمعه في الكثير من الحوارات السينمائية.

هؤلاء الذين اقتحموا الجزيرة الهادئة حيث المكان يراوح بين الطهرانية: الهارب الذي ينشد حياة جديدة ويقع في حب امراة، واللعنة الناتجة عن كل الألغاز المحيطة به، هل هؤلاء الدخلاء كائنات فضائية؟، هل يعيش البطل في حلم؟ لماذا لا يوجد أحد في الجزيرة؟ مع إحالات إلى مرض أو وباء حل بالجزيرة قبل سنوات عدة، وسنلمح ملاحظات حول آفاق الصورة المتحركة والفوتوغرافية، حيث ظلال من سوزان سونتاغ ورولان بارت وغيرهما.

في النهاية يتوسل البطل إلى كاتب التقرير ليجعل ماكينة موريل تبحث عنه وعن فوستين لتجمعهما في صورة واحدة، أنَّ يشتركا في الصورة وفق هذه الشخصية التي تتحدث إلى مؤلفها معناه الدخول في وعي المعشوقة وهو "الفعل الوحيد الرحيم في الحياة".

في "اختراع موريل" صوت سردي واحد ولكن ينتاب القارىء شعورًا قويًا بتعدد الأصوات، وشعورًا آخرًا بتعدد المؤلفين لهذه "النوفيلا"، وبرغم تركيز الحكي على بطل واحد، يتحدث مباشرة عن آلامه وأوهامه، إلا أنَّ ثقله لا وقع له، حيث نعرف منذ البداية أننا في متاهة أو لغز معرفي وفلسفي تدارسه بيوي في جلسة مجنونة مع صديقه بورخيس الذي اشترك معه في أكثر من خمسة كتب، متاهة البحث الدائم، متاهة المفارقات التي تحيط بنا بغلظة أو بخفة حسب الوعي وقبولنا لشروط اللعبة، ولذلك دون استرسال كبير لا يحتمله حجم الرواية أو طبيعة فكرتها في العزف على ثيمة محددة: البطل مطارد من مجهول، فوستين تخلب عقله، الجزيرة المنعزلة والغامضة؛ إذ تشكل كل ثيمة مفردة روايات عدة، تدهش المتلقي.

وبتشابك الثيمات وتداخلها وإبداع خطوط وهمية تفصل بينها يكون المؤلف، «المؤلفون»، قد قذف بنا داخل تلك المتاهة، لنسأل ونلح ونحاول الفهم ونتحول إلى مطاردين بأسئلة السرد، هل نتسرع ونقول إنَّ الحب نجاة من هذه المتاهة أو عزاء لمن يحاول فهم مداخلها ودروبها ومخارجها ويفشل؟ ولكن فوستين نفسها لا توجد في الحقيقة، هي داخل الصورة، المرأة المتخيلة أو المثال الذي تشارك الرجل الأول أسئلته أو وحدته/ سقوطه وأوهامه، في مكان لا يوجد فيه إلا قصر ومسبح وكنيسة، ولا نكاد ننتهي من الرواية حتى يتزايد الشعور بالمتاهة التي نستعيدها بالرغم منا "وصلت إلى الجزيرة ببوصلة لا أفقه فيها شيئًا، ودونما اتجاهات ولا قبعة، ومريضًا أهلوس".

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

اختراع موريل متاهة الآلام والأوهام للأرجنتيني بيوي كاساريس اختراع موريل متاهة الآلام والأوهام للأرجنتيني بيوي كاساريس



GMT 06:50 2024 الإثنين ,28 تشرين الأول / أكتوبر

إطلاق النسخة الأولى من "بينالي أبوظبي للفن" 15 نوفمبر المقبل

GMT 07:02 2024 الثلاثاء ,15 تشرين الأول / أكتوبر

جولة على أهم المتاحف والمعارض الفنية العالمية والعربية

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة - لبنان اليوم

GMT 15:24 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

أفكار لتوزيع قطع الأثاث حول المدفأة
 لبنان اليوم - أفكار لتوزيع قطع الأثاث حول المدفأة

GMT 14:02 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
 لبنان اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 14:42 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
 لبنان اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 14:55 2019 الثلاثاء ,02 إبريل / نيسان

يحذرك من ارتكاب الأخطاء فقد تندم عليها فور حصولها

GMT 10:23 2022 الثلاثاء ,17 أيار / مايو

توبة يتصدر ترند تويتر بعد عرض الحلقة 26

GMT 15:53 2024 الأحد ,14 كانون الثاني / يناير

بحث جديد يكشف العمر الافتراضي لبطارية "تسلا"

GMT 12:55 2021 الإثنين ,02 آب / أغسطس

وضعية للهاتف قد تدل على خيانة شريك الحياة

GMT 16:06 2021 الإثنين ,20 أيلول / سبتمبر

دكتوراه لراني شكرون بدرجة جيد جدا من جامعة الجنان
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon