تتزامن التقارير الدولية التي تشير إلى تزايد حدة المخاطر التي يعيشها الاقتصاد القطري، والذي يتجه إلى مزيد من تسييل أصوله الدولية في محاولة لإنعاش الاقتصاد بعدما تأثر بشدة منذ انطلاق أزمة عنيفة بين الدوحة وأربع من الدول العربية هي السعودية والبحرين والإمارات ومصر في مطلع شهر يونيو (حزيران)، شملت مقاطعة اقتصادية.
وأشارت صحيفة “فاينانشيال تايمز” البريطانية، الخميس، إلى أن قطر ضخت نحو 38 مليار دولار مما لديها من إجمالي احتياطي قدره 340 مليار دولار في اقتصادها من أجل تخفيف آثار المقاطعة، إضافة إلى توظيفها لنحو 23% من إجمالي الدخل المحلي في دعم الاقتصاد خلال أول شهرين من حملة المقاطعة. موضحة أنه بات على الدوحة التعامل مع “تدفق رأسمال هائل إلى الخارج” يقدر بنحو 30 مليار دولار خلال شهري يونيو (حزيران) ويوليو (تموز)، إلى جانب المزيد من تدفق رأس المال نحو الخارج في ظل إحجام خليجي عن استثمار الودائع، وذلك بحسب ما أوضحه تقرير لوكالة “موديز” للتصنيف الائتماني.
ومن جهة أخرى، أشار تقرير لوكالة بلومبرغ الإخبارية الأميركية إلى أن صندوق الثروة السيادية القطري باع مجموعة من الأسهم في شركة “تيفاني آند كو” للمجوهرات، وذلك بعد أسابيع من بداية عمليات التسييل، التي شهدت خفض حصص الصندوق القطري في مجموعة “كريدي سويس إيه جي” وشركة “روسنفت” الروسية.
وباع جهاز قطر للاستثمار 4.4 مليون سهم في عملية بيع واحدة تقدر قيمتها بنحو 417 مليون دولار عبر مصرف مورغان ستانلي، وفقا لبيان للمصرف. ولا يزال الصندوق القطري يملك حصة قدرها 9.5% بعد البيع من خلال شركة تابعة معروفة باسم قطر القابضة الأميركية المحدودة، وفقا لنفس البيان. وأوضحت بلومبرغ أن السهم عرض للبيع بسعر 94.40 إلى 94.75 دولار للسهم الواحد، وفقا لإفادة أحد الأشخاص المطلعين على عملية البيع، حيث كان جهاز قطر للاستثمار عزز من حصته في شركة “تيفاني آند كو” وصولا إلى 8.7% بحلول نهاية عام 2012، وفقا لبيانات الإيداع التنظيمية لعام 2013.
ويأتي البيع بعد تخفيض جهاز قطر للاستثمار حصته المباشرة في مجموعة كريدي سويس إلى 4.94% في أغسطس (آب) الماضي، وهي ما تعد أولى عمليات البيع “المعلنة” للأسهم من قبل الصندوق القطري في البنك السويسري منذ عام 2008. كما وافق جهاز قطر للاستثمار مع غلينكور بي إل سي الأسبوع الماضي على بيع أغلب الحصص التي كان قد تم شراؤها في شركة روسنفت الروسية في ديسمبر (كانون الأول) الماضي. وسوف تدفع شركة سي إي إف سي الصينية الخاصة للطاقة ما يقرب من 9 مليارات دولار لشراء أغلب الأسهم في روسنفت، مما يترك للصندوق السيادي القطري نسبة 4.7% فقط من الأسهم.
وبحسب بلومبرغ أيضا، يعتزم جهاز قطر للاستثمار، والذي تأسس للتعامل مع أكبر قاعدة لتصدير الغاز الطبيعي المسال في العالم، لإنفاق معظم ما تبقى من هدف الاستثمار المقدر بنحو 45 مليار دولار من الاستثمارات الأميركية خلال سعيه لتنويع الأصول المملوكة، كما صرح بذلك المدير التنفيذي لجهاز قطر للاستثمار الشيخ عبد الله بن محمد بن سعود آل ثاني يوم الأربعاء. والصندوق السيادي، والذي جمع حافظة مالية تقدر بنحو 320 مليار دولار حول العالم، ابتاع خلال السنوات الماضية كثيرا من الأصول التي تتراوح بين سندات بنك باركليز البريطاني إلى شركة توتال النفطية وشركة غلينكور بي إل سي. ويحتل جهاز قطر للاستثمار المرتبة التاسعة على العالم من حيث أكبر صناديق الثروات السيادية، وفقا إلى معهد صناديق الثروات السيادية الدولية.
وفي غضون ذلك، تشير التقارير الأخيرة، ومن بينها تقرير “موديز” إلى ضخ الدوحة مزيدا من الدولارات لدعم الاقتصاد والنظام المالي الوطني خلال الشهرين الأولين من الأزمة الدبلوماسية. حيث ضخ الصندوق القطري الودائع إلى المصارف المحلية بغية تعزيز السيولة. وقالت مؤسسة موديز إن التدفقات الرأسمالية من المصارف القطرية إلى الخارج بلغت نحو 30 مليار دولار في حزيران/يوليوز الماضيين.
وبحسب “فاينانشيال تايمز” تلقت قطر ضربة قوية في كل من قطاعات السياحة، والتجارة، والقطاع المالي، وعليها معالجة ارتفاع التكلفة المالية. وتقول “موديز”، التي توقعت مستقبلا قاتما لقطر في تقريرها الصادر في يوليو (تموز) الماضي، إن فشل محاولات الوساطة التي قامت بها كل من الكويت والولايات المتحدة الأميركية تشير إلى عدم وجود أي حل سريع يلوح في الأفق. وذكر التقرير: “نتوقع استمرار التوترات على المدى القصير، بل من المحتمل أن تتصاعد. حدة الخلاف غير مسبوقة، وهو ما يكرّس الشعور بعدم اليقين فيما يتعلق بالآثار الاقتصادية، والمالية، والاجتماعية”.
الجدير بالذكر أن حجم تجارة قطر قد انخفض بنسبة 40% خلال الشهر الأول من المقاطعة، مما يكشف عن مدى اعتماد الدولة على دول الجوار، حيث يتم استيراد نحو 70% من مواد البناء من المملكة العربية السعودية، والإمارات العربية، أو عن طريقهما بحسب تقديرات “موديز”. ودفع ذلك قطر إلى البحث عن طرق تجارة أخرى مما زاد التكاليف، حيث ارتفعت أسعار السلع الغذائية بنسبة 4.5% في يوليو، بعد انخفاضها بنسبة 1.9% في مايو (أيار). كذلك تأثرت السياحة سلبًا، حيث تراجع عدد السائحين القادمين من دول مجلس التعاون الخليجي بنسبة تزيد على 70%، مما أدى إلى انخفاض قدره 40% في إجمالي عدد الرحلات القادمة إلى البلاد في حزيران.
على الجانب الآخر، أوضحت وكالة “موديز” أن التكاليف المالية طويلة الأمد قد وصلت إلى نقطة استقرار، لكن يمكن ملاحظة علاوة المخاطرة في عملية إصدار السندات، التي يبلغ أجلها خمس سنوات، في يونيو (حزيران) 2016. والتي فاقت ما يعادلها في وزارة الخزانة الأميركية بمقدار 120 نقطة أساس، مقارنة بـ100 نقطة أساس قبل نشوب الخلاف، كما أشارت إلى أنه خلال شهري حزيران/تموز، تدفقت 14.4 مليار دولار، أو نحو 10% من ودائع غير المقيمين، والودائع الخاصة، إلى خارج البلاد، إلى جانب 15 مليار دولار أو 23% من التمويل المقدم من المصارف الأجنبية في الخارج. وتراجع احتياطي النقد الأجنبي لقطر بنسبة 30% خلال شهر حزيران، ووصل إلى 24.4 مليار دولار بعد أن كان 34.8 مليار دولار في الشهر الذي يسبقه، وقد ضخت قطر نحو 38 مليار دولار مما لديها من إجمالي احتياطي قدره 340 مليار دولار في اقتصادها من أجل تخفيف آثار المقاطعة .
أرسل تعليقك