ناقش مجلس الوزراء اللبناني، "برنامج الإصلاح الحكومي" الذي أعدّته اللجنة الحكومية وشركة لازار الفرنسية. هذه الخطّة مصمّمة على المدى المتوسط (خمس سنوات) ومحورها الأساسي الدعم الخارجي الذي يمكن أن يحصل عليه لبنان والذي يتراوح بين 10 مليارات و15 مليار دولار. هذه الأرقام مقدرة في حال تحرّر أموال ”سيدر". فيها الكثير من التوصيف والإجراءات الضرائبية والإصلاحات، إلا أنها تدفع بشكل واضح نحو الانخراط في برنامج مع صندوق النقد الدولي ومع جهات مانحة دولية.
يتضمن "برنامج الإصلاح الحكومي" توزيعاً لخسائر إجمالية بقيمة 83 مليار دولار سيتحملها مصرف لبنان والمصارف ودافعو الضرائب. هذه العملية ستتم من خلال إعادة هيكلة الدين العام ومصرف لبنان والمصارف والقطاع العام، فضلاً عن تحرير تدريجي لسعر صرف الليرة اعتباراً من السنة المقبلة ليصبح 3 آلاف ليرة في 2024. ومن أجل تصحيح المالية العامة، يقترح البرنامج زيادة الضرائب، ومن أبرزها: تثبيت سعر البنزين على 25 ألف ليرة، وزيادة ألف ليرة على المازوت، وزيادة ضريبة القيمة المضافة على السلع الفاخرة إلى 15%… فضلاً عن إعادة هيكلة القطاع العام، بما فيها شروط التقاعد والمعاشات التقاعدية والمخصصات لموظفي القطاع العام.
تختلف هذه الخطة جذرياً عما طُرح أيام رئيس الحكومة السابق سعد الحريري لجهة الخصخصة لتمويل الخسائر. إنما لا تختلف بأهدافها السياسية عن استقدام صندوق النقد الدولي إلى لبنان. هي تحاكي جزئياً ما طلبه صندوق النقد الدولي، وخصوصاً زيادة الضرائب وإعادة هيكلة القطاع العام، لكنها تفرض نمطاً عالمياً متبعاً على جبهة "توزيع الخسائر" مبنياً على تحميل المصارف ومصرف لبنان جزءاً أساسياً منها قبل النقاش في انخراط كبار المودعين في هذا الأمر، أي أنها لا تتضمن استعمال الخصخصة عبر إنشاء صندوق توضع فيه أملاك الدولة لتمويل جزء من الخسائر، وإن كانت الخصخصة مذكورة بشكل هامشي فيها عبر لحظ عمليات التشركة مع القطاع الخاص.
تنطلق الخطة من فرضيات اقتصادية أساسية أهمها أن اقتصاد لبنان (الناتج المحلي الإجمالي) سينكمش بنسبة 12% في 2020 و7% في 2021، وأن يعود إلى النمو بنسبة 2% في 2024. كذلك تشير إلى أن التضخم سيبلغ 25.1% في 2020 بسبب تحرير سعر الصرف الذي سيكون تدريجياً، على أن ينخفض التضخم إلى 5.2% في 2024. وتشير إلى أن التعافي سيكون محفّزاً بالدعم الخارجي للحدّ من تقلص الواردات والاستهلاك الداخلي، وأن يكون هناك دفع عبر تحرير أموال ”سيدر“، وأن يعمل القطاع الخاص على التأقلم مع البيئة الجديدة من خلال خفض الأكلاف وإعادة توجيه الإنتاج.
وتلفت إلى أن السياسات المالية يجب أن تكون محفّزة بخطة مالية طموحة على مدى خمس سنوات. العجز سينخفض من 11.3% كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي في 2019 إلى 1.3% في 2024، وستنخفض نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي من 179% حالياً إلى 103.1% في 2024، وذلك عبر عدد من الإجراءات التشريعية والإدارية وهيكلة موظفي القطاع العام. ”من دون الأخذ في الاعتبار تحرير أموال ”سيدر“، فإن تكوين فائض أولي في الموازنة بنسبة تتراوح بين 3% و4% من الناتج المحلي الإجمالي، يتطلب خفض التحويلات إلى كهرباء لبنان، وعقلنة فاتورة الرواتب وقصّ كل المصاريف الجارية غير ذات الفعالية، وزيادة الإيرادات عبر التحصيل الضريبي ومكافحة التهرب الضريبي، وزيادة الضرائب لتصبح أكثر عدالة، وشبكة أمان اجتماعي تتضمن دفعات مالية للأكثر فقراً ومعايير جديدة للتعليم والصحة“.
الخسائر المتراكمة وتوزيعها
تحدّد الخطة الخسائر المتوقعة من عملية إعادة الهيكلة الشاملة بنحو 83.2 مليار دولار، في مقابل رساميل المصارف البالغة 20.7 مليار دولار. ما يعني أن هناك 62.4 مليار دولار باقية. هذه الخسائر ناجمة عن خسائر متراكمة في مصرف لبنان والمصارف والاقتصاد عموماً (محفظة القروض) والحكومة (سندات الخزينة بالدولار وبالليرة)، حيث يفرض هذا الحجم من الخسائر خيارات محدودة. فالخطة تشير إلى أنه لا يمكن تجنب إعادة هيكلة الدين العام عبر استراتيجية تتضمن ثلاث نقاط:
ـــ وقف دفع أصول وفوائد الدين على سندات اليوروبوندز من أجل تجنّب المزيد من تبخّر العملات الأجنبية والدخول في تفاوض حسن النية مع حاملي السندات.
ــــ إعادة تدوير أصل الدين، وخفض قيمة الفوائد (باستثناء مصرف لبنان) في انتظار انتهاء المفاوضات مع حاملي السندات. وتقييم نتائج إعادة الهيكلة على القطاع المصرفي، وعلى المودعين، من أجل اتخاذ القرار الحكومي بشأن الدين بالليرة. هناك شطب أكيد لقسم من الدين المحلي بالليرة من أجل إعادة مستويات الدين إلى المستوى المستدام.
ــــ إبقاء خدمة الدين الثنائية والثلاثية العائدة للأطراف الدولية من دول ومؤسّسات دوليّة على حالها (مجمل هذه الديون يبلغ 2.6 مليار دولار) وخدمتها محدودة تبلغ 257 مليون دولار، أما الهدف من إعادة الهيكلة فهو أن تبلغ نسبة الدين إلى الناتج 90% في نهاية 2027.
من أين خسائر مصرف لبنان؟
تتضمن ميزانية مصرف لبنان خسائر متراكمة من عمليات تحويل العملة للدولة اللبنانية على مدى يتراوح بين 15 عاماً و20 عاماً. هذه الممارسة موجودة في المصارف المركزية حول العالم أثناء الأزمات. ومصرف لبنان استعملها لفترة طويلة، حتى تراكم مجمل الخسائر لتزيد على 40 مليار دولار وتصبح حصتها وازنة من أصوله وأكثر من 100% من الناتج المحلي الإجمالي مقارنة مع ما يحصل في العالم.
هذه الخسائر المتراكمة هي عبارة عن عمليات مالية نفذها مصرف لبنان من أجل الدفاع عن تثبيت سعر صرف الليرة ولتغطية فجوة ميزان المدفوعات وأمور أخرى، من بينها الهندسات المالية التي بدأت في 2016. تفرض هذه الخسائر إعادة هيكلة من أجل استعادة مصرف لبنان للربحية. هذه الخسائر الخارجة عن السيطرة تهدد قدرة مصرف لبنان على تأمين الاستقرار المالي، وعلى صدقية العملة الوطنية وثقة المودعين.
استناداً إلى الممارسات العالمية لما بعد أزمة 2008، فإن الخطة تشير إلى أن المساهمة الأولى يجب أن تكون من المودعين (المصارف التي أودعت الأموال لدى مصرف لبنان) وحاملي شهادات الإيداع لتغطية الخسائر التي لا يمكن تغطيتها حالياً برأس مال مصرف لبنان البالغ 3.7 مليارات دولار. وفي انتظار التدقيق الشامل بميزانيته، فإن خسائر مصرف لبنان تقدّر بنحو 54.9 مليار دولار. (كانت هذه الخسائر 63.6 مليار دولار ويُحسم منها رأس مال مصرف لبنان بقيمة 3.7 مليارات دولار ورأسمال إضافي مستهدف بقيمة 5 مليارات دولار).
مساهمو المصارف ثم المودعون
ترى الخطة أنه يجب إجراء تقييم لجودة الأصول المصرفية من قبل مؤسسة دولية محترفة من أجل تبيان الخسائر في قروض القطاع الخاص. كذلك يجب تقييم أثر إعادة هيكلة الدين العام على المصارف. يتوقع أن يكون الأثر بنسبة 30% من محفظة المصارف من مطلوبات المقيمين (القروض)، فيما الخسائر الإجمالية مقدرة بأكثر من رساميل المصارف.
ويتضمن هذا المحور:
ــــ انخراط كامل للمساهمين في تغطية الخسائر، أي من رساميل المصارف البالغة 20.9 مليار دولار.
ــــ يقدّر أن تبلغ قيمة الخسائر المتراكمة في أصول المصارف 62.4 مليار دولار، وسيتم تغطيتها بشكل واسع من كبار المودعين. نسبة المشاركة ستحدد بالمساعدة مع استشاري أجنبي وبالحوار مع المصارف، على أن يستند بذلك إلى تصريح رئيس الحكومة بالحفاظ على 90% من الودائع.
ــــ ستأخذ الخطة بالاعتبار وجود خسائر إضافية.
وتتطلب هذه العملية تشريعات جديدة بالتعاون مع مؤسسات دولية متخصصة. كما أن الأمر يتطلب إعادة رسملة المصارف، وهو أمر لا يمكن أن يصبح واقعاً إلا بخطوات دقيقة تهدف إلى إعادة الملاءة المالية والقدرة وتقوية مناعتها لاستعادة ثقة الجمهور. أحد الأمور الأساسية في هذا المجال التوصل إلى قطاع مصرفي صغير وأكثر قوة من السابق. يتضمن هذا الأمر انخراطاً طوعياً أو إجبارياً في عمليات دمج المصارف. ومصرف لبنان سيعمل على تطوير أدوات مالية لضمان تدفق الأموال بالليرة إلى القطاع لتأمين المستويات اللازمة من الدعم لها.
كذلك فإن استراتيجية التحويل الإجباري من الدولار إلى الليرة ستطرحها وزارة المال ومصرف لبنان من أجل توزيع ودائع الدولار. الحكومة ستخلق صندوقاً لتعويض خسائر المودعين الناتجة من عملية إعادة الهيكلة.
قد يهمك أيضًا
فيروس "كورونا" القاتل يُبقي حكومة الرئيس حسان دياب على قيد الحياة
إسرائيل تتسلم دواء يابانيا يعالج أعراض كورونا
أرسل تعليقك