المؤشرات الاقتصادية تؤكّد أنّ لبنان يحتاج صدمتين إحداهما سياسية
آخر تحديث GMT13:31:01
 لبنان اليوم -

مع استمرار المسار التصاعدي غير المضبوط لسعر صرف الدولار

المؤشرات الاقتصادية تؤكّد أنّ لبنان يحتاج "صدمتين" إحداهما سياسية

 لبنان اليوم -

 لبنان اليوم - المؤشرات الاقتصادية تؤكّد أنّ لبنان يحتاج "صدمتين" إحداهما سياسية

سعر صرف الدولار
بيروت - لبنان اليوم

يومًا بعد آخر تتفاقم الأزمة الاقتصادية في البلاد، ومعها الضغوط المعيشية التي باتت متفلتة من أيّ رادع، سياسيًّا كان أو ماليًّا، مؤشراته باتت واضحة، إن في المسار التصاعدي غير المضبوط لسعر صرف الدولار، والذي بات الحد الأدنى للأجور معه يوازي 150 دولارًا، أو في الفاتورة الاستهلاكية اليومية التي تسلك بدورها مسارًا تصاعديًا موازيًا.

كل المؤشرات الاقتصادية تؤكّد، بما لا يحتمل الشك، أنّ ما يجري ليس مجرّد أزمة، بل مأزق حقيقي، يتطلّب إحداث صدمتين في آنٍ واحد: صدمة اقتصادية تخفف التداعيات الكارثية للسياسات المتبعة على معيشة المواطن؛ وصدمة سياسية من شأنها أن ترمّم الثقة المفقودة بين الدولة والشعب، على النحو الذي لا يجعل الأحداث التي شهدتها طرابلس ليل الاثنين- الثلاثاء حالة تعم البلاد من أقصاها إلى أقصاها.

رغم ما سبق، لا يبدو أحدٌ مستعدًا للتراجع ولو خطوة واحدة عن مقامرات تجعل لبنان وشعبه "صولد" في حلبة صراع سينتهي حكمًا بخسارة الجميع، وإن كسب هذا الطرف أو ذاك جولة ما، وخسر أخرى.

من ناحية، تخوض حكومة حسان دياب معركة أقرب ما تكون إلى الاستعراض منه إلى الفعل. ليس هذا افتراءً، فالأداء، في المئة يوم الأولى من عمر الحكومة، يشي بتخبّط كبير، تسيّره رغبة في مجرّد إثبات الوجود السياسي، لرئيس ووزراء يبدون في الشكل قادمين من خارج المنظومة السياسية التقليدية - وهو امرٌ صحيح بدرجة كبيرة - ولكنهم يجدون أنفسهم في خضم "مطحنة" الصراعات السياسية القائمة في البلاد منذ العام 2005، على أقل تقدير، وبتركة اقتصادية - اجتماعية امتداداتها تعود إلى العام 1992، وجذورها ضاربة منذ الحرب الأهلية.

ضمن هذا التموضع، تقارب حكومة حسان دياب ملفاتها، بثقة تخفي الكثير من الإرباك. تطرح مشروع "الكابيتال كونترول" وبعده "الهيركات" ثم تسحبهما من التداول. تندفع لمكافحة الفساد ولكنها تعجز عن التوافق على آليات "نظيفة" للتعيينات. تنبري لفتح المعركة لمواجهة تعسّف المصارف والحاكم بأمرها، فتجد نفسها واقعة بين خيارين أحلاهما مرّ: إما الهروب إلى الأمام، مخاطرة بما تبقى من أسس للاستقرار، وإما التراجع خطوات إلى الوراء، امام اتهامات تُساق ضدّها بـ"الانقلاب على النظام الحرّ"!

لا يمكن فهم مسببات هذا العجز إلّا بتركيبة الحكومة نفسها. قبل أشهر، حذّر كثيرون من أنّ حكومات "التكنوقراط" قد لا تكون خيارًا مناسبًا لحلّ الأزمات السياسية- الاقتصادية الكبرى، بحسب ما تشي به تجارب كثيرة حول العالم. كل ما يمكن لحكومة "التكنوقراط" أن تفعله هو التصرّف بحرفية في الأزمات التقنية فحسب، وهو ما يفسّر على سبيل المثال نجاح حكومة حسان دياب في احتواء أزمة صحية مثل "كورونا"، في مقابل فشلها في التوافق على خطة ناجعة للإنقاذ المالي.

إذا كانت تجربة "التكنوقراط" محاطة بالتشكيك في العالم، فإنّ التشكيك يقترب من اليقين في بلد مثل لبنان، ما يجعل الاشتباك السياسي تحصيلًا حاصلًا للأزمة الاقتصادية، والعكس صحيح.

يتبدّى ذلك بشكل كبير في الاصطفافات السياسية في فترة انتهاء الهدنة غير المعلنة منذ تشكيل الحكومة الحالية، والمعارك المتعددة الأوجه، والتي تشهد أسوأ أشكال تزاوج السلطة بالمال.

هذا ما يجعل أيّة مقاربة اقتصادية- اجتماعية محكومة بنقطة ضعف خطيرة، تتمثل في أنّ أيّ توجه نحو الإصلاح ينطوي على نيات مبيّتة بتصفية الحسابات المرتبطة خصوصًا بطموحات سياسية مؤجّلة، وإن كان في بلد يعيش اليوم أزمة وجودية، قد تكون خواتيمها غير السعيدة نهاية "لبنان الكبير" في مئويته الأولى!

وعلى المقلب الآخر، لا تبدو المعارضة المستحدثة بعيدة عن نمط تصفية الحسابات، لاستعادة مكتسبات افقدتها إيّاها الانتفاضة الشعبية، ليقترب سلوكها من السلوك الانقلابي نفسه، الذي تُتهّم الحكومة بالسعي اليه من باب المواجهة الخطيرة مع حاكم المصرف المركزي.

هكذا يرتسم المشهد الأكثر خطورة في تاريخ الجمهورية اللبنانية، والذي تتقاطع فيه الأجندات الداخلية والخارجية، ضمن خريطة معقّدة، بات من الصعب فيها حصرها بجبهات سياسية وفق ثنائية حكم - معارضة، أو حتى بمصالح متقاطعة، من شأنها أن تُعقلن الصراع القائم، في أكثر المراحل الحساسة في تاريخ لبنان، والتي باتت تتسمّ بطابع الخطر الوجودي.

هذا ما يفسّر إعادة التموضع أكثر فأكثر ضمن المنظومة الطوائفية ما قبل الكيانية، عبر تكريس الفيدراليات المناطقية والمذهبية بالممارسة، تمهيدًا لفرضها كأمر واقع على شكل جديد من منظومة الحكم في لبنان.

سعد الحريري يبدو السبّاق في هذا التوجّه. قبل أشهر، كان يوصف من قِبل معارضيه قبل خصومه بأنّه أكثر الساسة ابتعادا ًعن خطاب التحريض الطائفي - ولو بالعلن - فها هو اليوم يستدير على الطريقة الجنبلاطية، ليجعل من خطاب يستثير العواطف، بعبارات من قبيل "أهل السنّة"، عنوانًا لأحدث معاركه السياسية، التي تُخاض ضمن ذلك التزاوج نفسه بين السلطة والمال، وهو ما تبدّى بشكل جلي في ردّ الفعل العنيف على الهجوم الذي اطلقه حسان دياب على حاكم مصرف لبنان.

بالمثل، تخوض معظم القوى السياسية الصراع بالمنطق نفسه، وإن بمسمّيات مختلفة، وديكورات بائسة.

هكذا يصبح الاصطفاف أكثر تشابكًا. ليس هو اصطفاف "عهد" في مقابل "معارضة"، وليس هو أيضًا اصطفافًا على شاكلة 14 آذار في مقابل 8 آذار. ما حدث في لبنان منذ أن ظهر شبح الانهيار في الافق القاتم، جعل من المستحيل على القوى السياسية المختلفة أن تجد مساحات مشتركة تسمح بالتلاقي على "أجندات" موحّدة، خصوصًا أنّ البقرة الحلوب التي كانت تضمن تلاقي المصالح قد درّ حليبها، وبات على الكل ان يقلّع شوكه بيديه، في محاولة لامتصاص غضب الشارع المتفلت من أية قيود، بعدما أدّى افلاس البلد إلى انهيار المنظومة الريعية التي أمّنت الحاضنة الشعبية لهذا الفريق أو ذاك.

هذا ما يجعل النفق الذي يسير فيه لبنان مفتوحًا على أسوأ السيناريوهات التي لا يجرؤ أحدٌ على الاعتراف بواقعيتها، وأخطرها على الإطلاق، أنّ المنظومة الحاكمة لهذا البلد منذ ولادة "لبنان الكبير" قبل قرن من الزمن، قد باتت منتهية الصلاحية، وبأنّ العقد السياسي- الاجتماعي الذي كرّس الطائف آخر أشكاله وتعديلاته، قد بات على المحك، وهو ما يطرح الكثير من التساؤلات حول قدرة المنظومة نفسها على الصمود.

إذا ما اراد المرء أن يكون أقل تشاؤمًا حول مستقبل لبنان، لقالَ إنّ ثمة فرصة، ولو ضئيلة، لاعادة تصويب المسار، من خلال رؤية واقعية من قِبل الجميع، تأخذ في الحسبان أنّ الانهيار لن يرحم أحدًا، وبأنّ تكسير وحرق مصارف ليس سوى بروفة لـ"حريق روما"، الذي ما زال البعض في لبنان مصرًا إزاءه على تقمّص دور نيرون، وبأنّ قطع الطرقات في هذه المنطقة أو تلك، قد يتحوّل في أية لحظة إلى حدود مرسومة بالدم لكانتونات الطوائف القائمة بفعل الأمر الواقع.

قد يهمك ايضا:محاولات الحكومة اللبنانية للجم ارتفاع سعر صرف الدولار الأميركي

  سعر صرف الدولار في لبنان يخرج عن السيطرة ويدقّ ناقوس الخطر

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

المؤشرات الاقتصادية تؤكّد أنّ لبنان يحتاج صدمتين إحداهما سياسية المؤشرات الاقتصادية تؤكّد أنّ لبنان يحتاج صدمتين إحداهما سياسية



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة - لبنان اليوم

GMT 15:24 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

أفكار لتوزيع قطع الأثاث حول المدفأة
 لبنان اليوم - أفكار لتوزيع قطع الأثاث حول المدفأة

GMT 11:49 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة
 لبنان اليوم - انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة

GMT 14:56 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

"واتساب" يُعلن عن ميزة تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص
 لبنان اليوم - "واتساب" يُعلن عن ميزة تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص

GMT 09:51 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

فساتين الكاب تمنحك إطلالة ملكية فخمة

GMT 10:05 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

أفكار هدايا مبتكرة ومميزة في موسم الأعياد

GMT 08:48 2023 الأربعاء ,22 آذار/ مارس

أبرز العطور التي قدمتها دور الأزياء العالمية

GMT 15:27 2021 السبت ,10 إبريل / نيسان

علي ليو يتوج بلقب "عراق آيدول" الموسم الأول

GMT 11:57 2023 الأربعاء ,20 كانون الأول / ديسمبر

برومو ”الاسكندراني” يتخطى الـ 5 ملايين بعد ساعات من عرضه

GMT 16:26 2021 الإثنين ,20 أيلول / سبتمبر

بريشة : ناجي العلي

GMT 15:28 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

أفكار لاستغلال زوايا المنزل وتحويلها لبقعة آسرة وأنيقة

GMT 09:37 2022 الخميس ,21 تموز / يوليو

طرق تنظيم وقت الأطفال بين الدراسة والمرح

GMT 14:26 2017 الجمعة ,15 كانون الأول / ديسمبر

متوسط أسعار الذهب في أسواق المال في اليمن الجمعة

GMT 19:03 2019 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

منى عبد الوهاب تعود بفيلم جديد مع محمد حفظي

GMT 17:45 2021 الخميس ,21 تشرين الأول / أكتوبر

الكاظمي يؤكد العمل على حماية المتظاهرين بالدستور

GMT 08:32 2018 الجمعة ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

تعرفي علي نصائح للتعامل مع الطفل العنيد

GMT 11:05 2014 الثلاثاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

لرئيسهم العاشر بطولته في "قديم الكلام"!
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon