يُرتقب أن يحوز موضوع أول استحقاق لسندات لبنان الدولية هذا العام أولوية "اضطرارية" على جدول أعمال أول اجتماع رسمي للحكومة، اليوم الخميس، بعد نيل ثقة المجلس النيابي. وذلك وسط تداخل سياسي ومالي وإعلامي كثيف، فرض إيقاعه على ترقبات المستثمرين والأسواق المالية في الداخل والخارج، وأفضى إلى تقلبات حادة في الأسعار، وانحدار بعض الإصدارات إلى 34 سنتًا من كل دولار.
وكشفت مصادر أن المشاورات بين الفريق الاقتصادي الحكومي، ممثلًا بوزير المال غازي وزني، وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة، وبمشاركة أركان جمعية المصارف، تتواصل بوتيرة متسارعة، بهدف "إنضاج" توافق مبدئي على اعتماد الخيار الذي يكفل تحقيق التوازن الصعب بين حاجة لبنان الملحة إلى احتياط الدولار، وبين عدم الإضرار بالسمعة المالية وخلق مشكلات قضائية مع الدائنين من حملة الإصدار الذي يستحق في النصف الأول من الشهر المقبل.
ويرجح، بحسب مصادر مالية ومصرفية مشاركة في الاتصالات، أن تتم بلورة حل مزدوج، يقوم على سداد الاستحقاق في موعده والإعلان، بأسبقية يومين أو ثلاثة، عن إصدار جديد بالقيمة ذاتها، أي 1200 مليون دولار، يجري الاكتتاب به "طوعًا" من قبل حملة السندات أعينهم، وجلهم مؤسسات مصرفية محلية وأجنبية تحمل الجزء الأكبر من كامل محفظة السندات الدولية التي تبلغ نحو 30 مليار دولار. وبذلك تسدد الدولة الاستحقاق بكامله نقدًا بواسطة الاكتتابات الجديدة. وتم فعلًا التواصل مع هذه المؤسسات التي تبدي تفهمًا لأوضاع البلاد وتجاوبًا مع أي مسعى يتسم بالمهنية ويلتزم بحقوق الدائنين.
واعتبر الخبير المصرفي والاقتصادي الدكتور جو سروع، أن هذا الخيار يمثل مخرجًا معقولًا بين سندان الوضع المالي الحرج، ومطرقة الوقت الضيق جدًا لحسم القرار مع الاستحقاق الداهم. مع التنويه بأن هذه المبادلة لا تخلو بدورها من مخاطر تصنيفها سلبيًا من قبل مؤسسات التصنيف الدولية، باعتبارها تجري تحت "الضغط" وبخلاف إرادة الدائنين. وهذا ما يفرض التواصل مع هذه الوكالات، وتوضيح المعطيات ضمن نطاق المقاربة التي سيتم اعتمادها.
ونوّه بتوجه الحكومة إلى الاستعانة الفنية والاستشارية بصندوق النقد الدولي. فالمرجعية المالية الدولية تمنح الفريق الحكومي الاقتصادي قوة دعم معنوية ومهمة في الظروف الحرجة السائدة. ويمكن أن ترفده فعلًا بمشورة فنية مناسبة وتلقى الاستجابة كضمانة موثوقة لدى الدائنين المحليين والدوليين لإدارة التعامل الأقل ضررًا على احتياطات العملات الصعبة، مع كامل استحقاقات "اليوروبوندز" للعام الحالي البالغة نحو 4.6 مليار دولار مع الفوائد، وربما تصلح الآلية ذاتها لإدارة مسبقة لاستحقاق مماثل في العام المقبل.
ويرى سروع أن "النقاشات المفتوحة من كل حدب وصوب بشأن الإصدار المستحق، لا تتفق مطلقًا مع الموجبات المهنية والمعايير الدولية في التعامل مع ملف مالي شائك، تراوح فيه وضعية الدولة بين التعثر المؤلم والفشل المدمر. إذ يغفل أغلب الداعين إلى عدم السداد حقيقة أن التداعيات المنتظرة يرتقب أن تتخطى هذا الإصدار إلى إمكانية استحقاق المحفظة بكاملها. كما أن الوقت الفاصل عن موعد الاستحقاق لا يسمح راهنًا بطرح أي بدائل لإعادة الهيكلة أو إعادة الجدولة، وبما يشمل اقتراحات اقتطاع جزء من السندات أو خفض للفوائد".
ومن المؤكد أن أي طروحات لا يتم التفاوض بمضامينها مع غالبية الدائنين ستقود إلى رفع منسوب المخاطر، وتسريع بلوغ مرحلة الفشل المالي وخروج لبنان ومؤسساته من الأسواق الدولية، وفقًا لتقديرات الخبير المالي. وفي المقابل، فإن تحييد استحقاقات الديون بالعملات الأجنبية للعام الحالي، سيمنح الحكومة مهلة لازمة لوضع رؤية مالية متكاملة تتجاوز نطاق قانون الموازنة العامة "الموروث" من الحكومة السابقة، والذي جرى إقراره تحت ضغط المهل الدستورية.
وتتلاقى هذه الترقبات مع مضمون بيان لافت أصدرته جمعية المصارف أمس، وورد فيه أن "لبنان يواجه في الأسابيع المقبلة استحقاقات مالية داهمة، أهمها اتخاذ قرار بموضوع سندات (اليوروبوندز)، التي تستحق في شهر مارس (آذار)، والتي تُثير جدلًا واسعًا حول وجوب أو عدم وجوب تسديدها من فرقاء كثيرين، على خلاف ما كان مُعلَنًا من الدولة في السابق أن الوفاء بالتزامات لبنان المالية هو سياسة دائمة وثابتة".
وأشارت الجمعية إلى أن "التخلف عن سداد ديون لبنان الخارجية يشكِّل حدثًا جللًا تتوجب مقاربته بكثيرٍ من الدقة والتحسّب، وأن المطروح في الواقع هو إعادة برمجة الدين أو إعادة هيكلته بالتفاهم مع الدائنين.
ويتطلب إنجاز هذا الأمر وقتًا واتصالات وآليات تتطابق مع المعايير الدولية ومع المقاربات المماثلة التي اعتمدتها دول أخرى، وتستدعي الاستعانة بالجهات الدولية المختصّة من أجل بناء برامج مالية ونقدية ذات مصداقية. ومن الطبيعي أن الفترة المتبقّية حتى استحقاق الدين في مارس هي فترة قصيرة جدًا لا تتيح التحضير والتعامل بكفاءة مع هذه القضية الوطنية الهامة".
لذلك، فإن جمعية مصارف لبنان، ترى وجوب سداد استحقاق مارس في موعده، والشروع فورًا في الإجراءات المطلوبة لمعالجة ملف الدين العام بكامله. وذلك حماية لمصالح المودعين ومحافظة على بقاء لبنان ضمن إطار الأسواق المالية العالمية، وصونًا لعلاقاته مع المصارف المراسلة، وجُلَّها من الدائنين الخارجيين.
ولفت البيان إلى أن "التعامل مع هذا الحدث المالي الكبير من قبل حكومة الرئيس حسان دياب الجديدة، يشكِّل مؤشرًا هامًا إلى كيفية التعامل مع المجتمع الدولي مستقبلًا".
وهكذا تبدو المبادلة المرجحة، الأقل سوءًا بين مجموعة الخيارات المتداولة، رغم المخاطر المرتفعة التي ترافقها لجهة التشكيك الذي ستلقاه لدى مؤسسات التصنيف. فهي تكفل عدم تعريض احتياط العملات الصعبة لنزف يناهز 4.7 مليار دولار، بينما هو معرض لنزف يقارب 6 مليارات دولار لتلبية الحاجات التمويلية للسلع الأساسية، المتمثلة بالقمح والمحروقات والأدوية والمستلزمات الطبية؛ فضلًا عن أعباء عجز الموازنة والمستحقات الدورية لفوائد التوظيفات المصرفية لدى البنك المركزي.
قد يهمك ايضا:حاكم مصرف لبنان يرد على استفسار "الحبتور" بشأن التحويلات الدولارية
خيارات سيّئة للحكومة اللبنانية للتعاطي مع استحقاقات "اليوروبوند" في آذار المقبل
أرسل تعليقك