كتبت فيوليت غزال البلعة في Arab Economic News : عبثًا ينتظر اللبنانيون "الدخان الأبيض" لتحرير التعيينات المصرفية من قبضة الخلافات السياسية، وتعبئة الشغور القاتل للقرارات في زمن محنة الليرة والمصارف والإقتصاد.. الا إن وُجدت "التسوية".
قبل أيام، انضمت لجنة الرقابة على المصارف إلى نيابة حاكمية مصرف لبنان، لتدخل قفص "الشغور" بعد إنتهاء ولايتها، ولتكتمل بذلك باقة التعيينات من حيث الفراغ الذي يشمل أيضا هيئة الأسواق المالية، نتيجة فشل "حكومة الإختصاصيين" في فصل المؤثرات السياسية عن الملفات التقنية، حيث عاثت المحاصصة وكادت تفجّر حكومة اللون الواحد!
فهل يُتاح للمرجعيات السياسية أن تغالي في مناكفاتها على مرشحين لمناصب تقنية في مؤسسات هي الأحوج اليوم إلى إحتضان لتمكينها من تأدية دورها الإنقاذي؟ وهل يجوز تعطيل التعيينات لخلاف على بعض الأسماء؟ وأين تُطَبق معايير الكفاءة والخبرة والثقافة والنزاهة؟ ألم يكفي توظيفات سياسية وحزبية فيما لبنان مطالب بإصلاحات شفافة تعيد بناء ما دمّره الفساد في بنية الدولة ومؤسساتها؟
يقول العارفون إن الخلاف هو على النائب الثالث للحاكم محمد بعاصيري الذي يعتبره البعض "وديعة أميركية" في مصرف لبنان. فالإصرار على إعادة تعيينه مشروط بالتجديد للنائب الأول رائد شرف الدين، وعضوي لجنة الرقابة أحمد صفا وجوزف سركيس. وتفيد مراجعة السير الذاتية لهؤلاء بفائض من المطلوب وظيفيا وأخلاقيا. فما المانع من إعادتهم إلى حيث الخبرة ملحة لمعاونة الحاكم رياض سلامة في إدارة الأزمة؟ أم المطلوب إدخال "دم جديد" لمحاصرة الحاكم وإخراجه من السباق الرئاسي بعد الإمعان في تحميله كل المسؤولية؟ وما خلفية القرار المفاجئ لمجلس الوزراء الذي طلب من وزير المال "القيام بعملية تدقيق محاسبية مركّزة لتبيان الأرقام الدقيقة لميزانية المصرف المركزي"، متغاضيا بذلك عن دور مفوض الحكومة (قبل ان يشغر منذ عام) وشركتي التدقيق "ديلويت" و"إرنست أن يونغ"؟
بالعودة الى "الوديعة الأميركية"، فإن المتحفظين الذين إستفاقت غيرتهم اليوم، لم يراجعوا سيرة شارفت 30 عاما في مصرف لبنان، حرص من خلالها بعاصيري على "حسن العلاقات" مع الخزانة الأميركية والدوائر المعنية في واشنطن، بما مكنّه من تجنيب إدراج أكثر من مصرف لبناني على لائحة العقوبات. فالمصرفي المخضرم هو الذي أدخل معايير الإمتثال Compliance Standard الى القطاع المصرفي بما أراح المصارف المراسلة ودفعها الى الإشادة بأداء المصارف اللبنانية. وهو الذي ساهم بتأسيس هيئة التحقيق الخاصة في لبنان، وهيئة Mena Fatf لمكافحة تبييض الأموال التي ترأسها باسم لبنان لنحو 6 أعوام، وهو الذي جهد لإزالة إسم لبنان عن اللائحة السوداء للدول غير المتعاونة في مكافحة تبييض الأموال، لا بل جعل لبنان بعد أعوام قليلة "شريكا" للمجتمع الدولي في هذه المهمة. هو أيضا مؤسس US Mena Private Sector Dialogue وهو تجمع للمصارف العربية والأميركية يتشاور دوريا في أمور تهم الصناعة المصرفية، فضلا عن ترؤسه لجنة الرقابة على المصارف لولايتين متتاليتين قبل انتقاله الى حاكمية مصرف لبنان.
أليس مجديا التمسك بشخصية تتمتع بكل تلك الخبرات في عزّ أسوأ مرحلة تواجهها مصارف لبنان: من الداخل حيث أزمة السيولة أفقدتها ثقة المودع وسمعتها وصدقيتها، ومن الخارج حيث العقوبات تطبق على إستمرار عملها وتهدد مستقبلها؟
في البازار المفتوح أيضا، أسماء لكفايات تحتاج الى درس متأن لسير ذاتية تحكي عن نفسها. فما الجدوى من طرح الأسماء بالعشرات يوميا. هل بغرض "الحرق" أم "التشويش" أم الابتزاز؟
من بين التسميات، طُرح إسم رئيسة لجنة مراقبة هيئات الضمان بالإنابة نادين الحبال كمرشحة لعضوية لجنة الرقابة على المصارف. ولكن في حملة مستغربة، تمّ إستغلال وضعها العائلي حين نُسّب إنتماؤها السياسي إلى زوجها فادي العسلي (!). فكان حسن أن يسمّي أحدهم تلك "العصامية" التي تعمل في لجنة الرقابة منذ الـ2003، حيث نجحت في تطوير قطاع التأمين، وساهمت في شطب لبنان عن لائحة "غافي" بفعل إثبات جدية فاعلية الجهاز الرقابي على التأمين في ضبط منظومات تبييض الأموال عبر الشركات، وتفعيل الحوكمة وفصل الصلاحيات، ورفع الاداء الرقابي عبر الشفافية واعتماد التكنولوجيات الحديثة، واستقطاب الاستثمارات الأجنبية عبر شركة "سيغنا" الاميركية وسوق "اللويدز" البريطاني، وتفعيل حماية المؤمنين عبر الـICC Care، ووضع الدراسات الأولية لمشروع تامين نفقات الطبابة لكل اللبنانيين ضمن منظومة شراكة بين القطاعين العام والخاص، فضلا عن توقيع معاهدات تعاون مع هيئات رقابية في الخارج، الى قرارات داخلية تتعلق بتجديد العقود التأمينية الطبية وتطوير منظومة التأمين الالزامي للسيارات بالأضرار الجسدية.. وتعليق ترخيص احدى الشركات لمخالفتها القوانين.
طوني الشويري، المصرفي المخضرم والخبير في شؤون الـDe Risking والمخاطر التشغيلية ومعايير بازل وهواجس المصارف المراسلة وموجبات الدمج وخبايا العقوبات. يأتي من القطاع بعد عمل استمر اكثر من 40 عاما، صقلت أداءه التقني والفني والاستشاري في اكثر من مصرف ولجنة شهدت على شهاداته ومواقفه في ملفات ساخنة. هو أيضا ممَن يستحقون التأني في درس ملفهم الشخصي، رغم انه لا يحظى بمظلة سياسية... بل يتقدم الى منصب عضو لجنة الرقابة على المصارف متسلحا بخبراته ومعارفه ونزاهته، لا غير.. أوليس هذا المطلوب؟
نماذج لسير ذاتية تستحق جدية في الدرس قبل ان تحلّ ضيفة على مجلس الوزراء الخميس المقبل، لمرة ثالثة يؤمل ألا ترجئ مجددا الى حين تبديد المعوقات وقفل "البازار" الذي فُتح في توقيت خاطئ، حيث البال مشغول بنوايا "كورونا" ومفاعيلها أكثر من وضع "الوديعة الأميركية" في خطر السجال السياسي!
قد يهمك ايضا:توقيف صرّاف غير شرعي في جونية -كسروان!
كتلة المستقبل تؤكد أنه مخطط غير بريء لتمرير هيئة جديدة لحاكمية مصرف لبنان
أرسل تعليقك