حمل مركز البيت العربي للبحوث والدراسات، السلطات المصرية مسؤولية ما يتعرض له العمال في ليبيا من قتل واختطاف.
وأكّد في التقرير الصادر عنه اليوم السبت، أنَّ ما تعرض له المصريين في ليبيا من قتل واختطاف ليس له علاقة بكونهم أقباط، ولكنه تعبير عن تردي أوضاع العمال المصريين في ليبيا، بجانب الصراع السياسي الذي إلقى بظلاله علي الأوضاع الاقتصادية والأمنية في مصر، وانعكس بشكل كبير على أحوال العمالة المصرية الموجودة في الدولة الشقيقة.
من جانبه، أكّد مدير المركز مجدي عبد الفتاح، أنَّ ما حدث للمصريين من قتل واختطاف يكشف مدي غياب التشريعات والضمانات والإتفاقات التي يمكن أن تحمي العامل المصري في الخارج، وتعكس مدى تراجع قدرة الدولة المصرية على متابعة أوضاع العمالة المصرية في الخارج وهو الأمر الأكثر وضوحًا، في ظل غياب المعلومات والبيانات الدقيقة، إلى جانب طبيعة العمال والتركيبة الاجتماعية والتعليمية للمصريين في ليبيا.
وأضاف عبد الفتاح، أنَّه وفق إحصاءات غير رسمية، فعدد العمال المصريين في الخارج يتجاوز المليون ونصف عامل، لكن حسب تصريحات وزيرة القوى العاملة والهجرة ناهد العشري فإنَّه لا يوجد حصر رسمي للعمالة المصرية، لتواجد أعداد ليست بالقليلة بطرق غير شرعية وعن طريق المنافذ البرية التي لا يمكن معها حصر تلك العمالة، وقدرت العمالة المصرية الموجودة حاليًا ما بين (800 - 900 ألف) منتشرين على قطاعات ليبيا المختلفة.
وفيما يخص نوعية العمل في ليبيا، أكدت العشري أنَّ نوعية العمل تنحصر معظمها في أعمال الإنشاءات والمقاولات والعمالة العادية، بخلاف الأطباء والمهندسين وبعض المدرسين منقسمين ما بين التعليم الجامعي وما قبله.
وفيما يخص العمالة الموجودة بشكل غير رسمي نوهت العشري أنَّهم يعملون في أي أعمال تعرض عليهم ومنها على سبيل المثال أعمال المقاولات والإنشاءات أو العمالة العادية، وفي الغالب لا يمكن حصرهم أو معرفة الأعمال التي يعملون بها على وجه الدقة.
كما أشار تقرير المركز، إلى أنَّ تردي أوضاع العمالة المصرية في ليبيا لها جذور طويلة الأمد ممتدة مند أكثر من ثلاث عقود، بعدما وقعت الدولة المصرية والليبية إتفاقية بشأن التنقل والاقامة والعمل في 2 كانون الأول/ديسمبر عام 1990، والتي نصت بنودها علي حق التنقل والاقامة والعمل بين الدولين لجميع المواطنين من دون تاشيرات وبستخدام بطاقة الهوية وفتح الحدود ما بين الجانبين.
كما نص البند السابع في الاتفاقية، على أنَّ عمرها خمس سنوات تجدد من تلقاء نفسها لمدة مماثلة ما لم يخطر أحد الطرفين برغبته في تعديلها، منوهًا أنَّ هذا الوضع كانت له نتائجه المباشرة، هو تدفق العمالة المصرية إلى الدولة الليبية وسط غياب قدرة الدولة المصرية على وضع إجراءات تحمي العمالة المصرية.
ويصل عدد المصريين في ليبيا وفق إحصاءات "شعبة إلحاق العاملة في الخارج " في وزارة القوى العاملة المصرية إلى أكثر من مليونين عامل قبل اندلاع ثورة 25 من يناير.
وبخصوص الطبيعة الاجتماعية والاقتصادية للعمال في ليبيا، أوضح التقرير أنَّ أهم ما يميز تلك العمالة هى قدومها من محافظات اتسمت بالفقر والفقر المتقع.
ووفق المؤشرات الإحصائية والبيانية الخاصة بالعمالة العائدة من ليبيا بعد ثورتها في 17 شباط/فبراير، نجد أنَّ بلغ عدد العائدون المسجلون علي حسب المحافظات سوهاج 19670، المنيا 16005، الفيوم 14373، أسيوط 5416 ، بني سويف 3843، الدقهلية 3333، الشرقية 3220، كفر الشيخ 2277، القاهرة 622، والجيزة 262.
وبالرغم من من دقة الارقام إلا أنَّها لا تعبر بضرورة علي حجم العائدون من ليبيا في تلك الفترة، لأنَّها تخص ما تم تسجيله من العائدون وليس حجم الفعلي للعودة، لكنها تبرز طبيعة ونوع العمالة المصرية في ليبيا والتي تنحصر بشكل أساسي ما بين عمال التشيد والبناء والزراعة والصيد، والتي تتسم أيضًا بضغر عمرها.
وبينّت مؤشرات العودة، أنَّ نسبة العائدون أقل من أو يساوي 30 عامًا بلغت 46379، وما هم فوق الثلاثون عام بلغ أعدادهم 28885، وعلى حسب طبيعة المهن فإن الغالبية العظمى منهم ينتمون إلى الذكور، إذ بلغت 74442 في مقابل نسبة النساء 822 فقط من بينهم 174 ربات بيوت.
وفيما يخص الحالة الاجتماعية، فكان نسبة من لم يسبق له الزواج 54212، بينما بلغت نسبة المتزوجون 21052، وفيما يخص المستوى التعليمي فكانت نسبة الحاصلين على شهادات عليا من إجمالي العائدون بلغت 434، والحاصلين على شهادات متوسطة بلغت 15084، بينما بلغت نسبة من هم من دون تعليم 19534.
وتوضح تلك المؤشرات، أنَّ القاعدة العريضة من العائدون شباب الباحثين عن فرص عمل في الخارج لتحقيق آمالهم في الحصول على المال واستكمال أحلامهم المتعلقة بالزواج وتأسيس أسرة.
كما أنَّ الإرقام توضح غياب المعرفة بالقوانين وحقوق العمل،إذ أنَّ غالبيتهم من دون مستوى تعليمي، الأمر الذي يدفع إلى معدلات استغلال أكبر وانتهاك لحقوق العمل في ظل غياب رقابة الدولة، وحمايتها للعمالين في لبيا.
وبالنظر إلى مؤشرات المهن، نجد أنَّ غياب الحماية القانونية والتامينية والصحية للعمال المصريين، هى السمة السائدة على تلك الأوضاع، إذ أنَّ بيانات المؤشرات أظهرت أنَّ عدد أصحاب المهن من الأطباء والمهندسين والمدرسين ووظائف عامة والخبراء في مجالات متنوعة بلغ 716، وبلغ عدد أصحاب الأعمال 1185، ووصل عدد العمال في مجالات التشيد والبناء والخدمات المعاونة وفلاحين وعمالة متنوعة 73363.
ويزيد الأمر تعقيدًا، هو تدني ومحدودية المستوى التمثيلي، إذ يوجد في طرابلس وبنغازي فقط مكتب تمثيل عمالي، وهو المسئول عن أي مشاكل تحدث للعمالة المصرية المتواجدة في ليبيا، من بحث المشاكل التي تقع لهم وعمل الإتصالات والإتفاقيات مع أصحاب الأعمال للعمل على حل تلك المشاكل.
كما يساعد على توعية العامل المصري بحقوقه وواجباته، وتوفير فرص عمل للعمالة المصرية، هذا التمثيل المتدني رغم عدد العمالة الكبير بات الآن غير موجودًا، إلى جانب التمثيل الدبلوماسي بعدما قررت الحكومة المصرية سحب جميع أشكال التمثيل نتيجة الصراع الليبي ما يجعل قدرتها على معرفة أي معلومات حول أوضاع المصريين في الأراضي الليبية غير ممكنة.
وبالنسبة لسياسات السلطات المصرية التي تهتم بعودة العمال لليبيا وتتجاهل حقوقهم، فالأوضاع التي لم تختلف كثير بعد ثورة 25 يناير، بل أن الأمر إتجه إلى المزيد من التعقيد.
فبحسب تقرير بعثة تقصي الحقائق للأحداث في ليبيا بعد الثورة، والتي أعدته المنظمة العربية لحقوق الإنسان والتي أوصت في نهاية تقريرها، أنَّ السلطات المصرية تبادر بتقديم المساعدات للجانب الليبي من خلال عودة وتدفق العمال المصريين مرة أخرى، لاسيما في قطاع الزراعة والمهن اليدوية والمخابز، إلى جانب نتائج اجتماع الذي عقد في وزارة الخارجية المصرية في كانون الأول/سبتمر 2011.
وشارك في الاجتماع، ممثلون عن وزارة الدفاع والتعاون الدولي والتجارة والصناعة والقوى العاملة والتربية والتعليم والصحة بالإضافة إلى المخابرات العامة وشركة المقاولون العرب وإتحاد الناشرين المصريين والذي خلص إلى إتفاق ممثلو الجهات الوطنية على أن هناك فرص للدور المصري القوي مبنى علي تراكم الحضور المصري في ليبيا وعائق اللغة الذي يعطي ميزة نسبية للعمالة المصرية المهارة.
من جانب أخر، طالب الوفد الليبي دعم مصر في تطهير قطاعي الصحة والتربية والتعليم وما تابعه من مذكرة مكتب التمثيل العمالي في طرابلس في تشرين الأول/أكتوبر 2011، والذي أشار إلى أهم المهن المطلوبة في سوق العمل الليبي.
وكان علي رأسها عمال التشيد والبناء وعمال الزراعة وصيد الأسماك والعمال الموسمية إلى جانب مدرسين في مرحلة التعليم ما قبل الجامعي وهيئة التمريض والأطباء في جميع التخصصات ومهندسين في مجالات العمارة وإنشاءات والكهرباء وعلوم الحاسب الألي.
كما وضحت المذكرة في نهايتها، أنَّ العامل المصري هو الافضل في مجال الهياكل والعامل التركي في مجال التشطيب لكن الأخير مرتبه ضعف أو ضعفين العامل المصري، وهو الأمر الذي يرجح جميع العمال القادمون من مصر.
وذكرت المذكرة الشروط التي يجب توافرها في العامل المصري حتي يستمر في سوق العمل الليبي، وهي حصوله على شهادة صحية من المعامل المركزية المصرية لخلوه من الأمراض، وحصوله علي شهادة مزاولة الحرفة من مراكز التدريب التابعة لوزارة القوى العاملة.
ولكن الوثيقة لم تحمل أي شروط أو ضمانات من جانب الدولة المصرية لحماية العمال، تلك الإجراءات التي أساءت أوضاع العمالة المصرية لتصل إلى ما هو أسوء في ظل الصراع الداخلي في يلبيا، الأمر الذي دفع وزيرة القوى العاملة نهاد عشري بأنَّ تصرح فيما يتعلق بمعدلات تعرض المصريين لحالات إعتداء أو قتل، أرجعت أسبابها للسفر بالطرق غير الشرعية أو بالطرق التي حظرت وزارة الخارجية والجهات الأمنية في ليبيا تدهور أحوال المصريين في ليبيا تحت رعاية الدولة المصرية.
كما أبرز التقرير أنَّ تردي أوضاع المصريين في ليبيا يتجه نحو المزيد من التدهور، تحت رعاية السلطات المصرية التي لم تحرك ساكنًا تجاه عودة العمال مرة أخري إلى ليبيا، بالرغم من أنَّ عدد العائدون لم يتجاوز36 ألف من حجم العمالة الفعلية الموجودة على الأراضي الليبية، والتي تتجاوز المليون ونصف عامل ما دفعهم للعودة إلى جحيم الحرب الأهلية التي تشهدها الأراضي الليبية كنتيجة لغياب فرص عمل حقيقية في مصر.
إلى جانب التكلفة الاقتصادية التي تتحملها الدولة، نتيجة عشوائية السفر والعمل في ليبيا، فغالبية العمال من الشباب والذي يمثل أكثر من 88 في المائة من عدد المصريين يتراوح أعمارهم ما بين 18 إلى 35 عامًا، يتعرضوا إلى إصابات العمل والعدوى بالأمراض والفيروسات المستوطنة في بعض الدولة الأفريقية نتيجة اختلاطهم بهؤلاء العمال القادمين من تلك الدول، وسط غياب السلامة والصحة المهنية ما ينتج عنه عودتهم بإصابات مزمنة تحول دون قدرتهم على العمل مرة أخرى.
و بجانب كلفة العلاج واحتمالية نقل تلك الأمراض داخل البلاد، لاسيما وأنَّ وزارة الصحة المصرية لم تقدم أي تقرير يفيد إجراء الكشف الطبي على العائدين خلال الأشهر الماضية من جحيم الحرب الدائرة في ليبيا، الذين بلغوا أكثر من 40 ألف عامل، والذي يتحمل تلك الكلفة هم أسر العمال الذين يعانوا من الأساس الفقر المدقع.
وبحسب الإحصائيات الاقتصادية، يتحمل المواطن المصري 60في المائة، من تكلفة العلاج مما يزيد من الأعباء الاقتصادية على الأسرة المصرية وانضمام العديد منهم الى طابور البطالة في مصر إلى جانب انخفاض قدرتهم على العمل والإنتاج.
منوهًا أنَّ هناك تخوف سياسي من بقاء العمال المصريين في ليبيا، وهم عرضة للتأثير عليهم للإنضمام إلى الأطراف المتنازعة في حمل السلاح والمشاركة في الحرب الدائرة، ما سيكون له أثر بالغ على الأوضاع السياسية والاقتصادية في مصر، وارتفاع وتيرة العنف في الداخل بعد العودة وعدم توافر فرص العمل، الأمر الذي يزيد من تراجع الأوضاع الاقتصادية، وعدم قدرتها على التنمية وجذب الاستثمارات الخارجية.
أرسل تعليقك