تواجه الفنان العراقي مشاكل نستطيع أن نصنفها إلى نوعين, حيث شكلت الأولى الأمور المادية وتتمثل في الراتب الضئيل الذي يتقاضاه الفنان من الدولة والأجور الزهيدة التي تدفع لقاء مشاركاته في الأعمال الفنية واللتين تسببا في بلورة واقعه المعيشي المتردي, فيما يتصدر النوع الثاني الأمور الفنية, والتي تتمثل في عدم توفر مستلزمات الانتاج الجيدة كمواقع العمل الملائمة والأدوات ذات التقنية الحديثة والفنيين الذين يمتلكون الخبرات اللازمة والفنان الجيد والنص الجيد وعمل الفنان في ظروف مريحة وغيرها من المشكلات.
ويعاني الفنان العراقي بسبب تدني راتبه الذي يتقاضاه من الدولة, كما يعاني من شركات الانتاج ومعظم الفضائيات المنتجة التي تقلص كلفة الأعمال إلى الحد الأدنى ولا تعطيه الأجور التي يستحقها وتقصر في توفير مستلزمات الإنتاج وتتهاون في توفير أجواء الراحة له اثناء العمل مستغلة غياب قوانين الدولة التي تكفل حقوقه, وضعف تدخل نقابة الفنانين للدفاع عنه ولو في الإشراف على العقود التي يبرمها الفنان مع تلك الشركات والفضائيات, حيث أن الأجور التي يتقاضاها فنانا العراقي وحسبما ذكر بعضهم 75 دولارًا للحلقة الواحدة أي أن أجره عن مسلسل بـ30 حلقة 2250 دولار فقط, وفي الكثير تصل الى المئة دولار أي3000 آلاف دولار للمسلسل وهذه الاجور اذا ما قارناها مع أجور أي فنان سواء في العالم العربي أو غيره فهي مثيرة للضحك والاشفاق في الوقت نفسه.
وتقاضى الفنان عادل امام عن دوره بمسلسل (فرقة ناجي عطاالله ) 20 مليون جنيه بعد تنازله عن 10 مليون جنيه بسبب احداث ثورة 25 كانون الثاني/يناير وما نجم عنها من اضطرابات أضرت بشريحة الفنانين, أما الفنان محمد هنيدي فان أجره 25 مليون جنيه عن مسلسل ينتظر إنتاجه عنوانه (مبروك أبو العينين حمودة) وأجر الفنان محمد سعد 12 مليون جنيه عن مسلسل (الف لمبي ولمبي) وفيفي عبده اجرها في المسلسل الواحد5,3 ملايين ويسرا 5 مليون جنيه وليلى علوي 6 مليون جنيه وهند صبري 4 مليون جنيه أما اجور فناني الدرجة الثانية أي الذين يؤدون ادوارا ثانوية، تتقاضى الفنانة ريم البارودي 300 الف جنيه والفنان ادوارد 300 الف جنيه ودرة التونسية 200 جنيه.
وكشف الفنان خلف ضيدان أن المشكلة الكبرى التي تواجه الفنان العراقي هي انه مهمش من قبل الدولة تماما متهمًا إياها بأنها لا تعترف بالفن ولا بالفنانين وليس لهما بقاموسها ذكر ولا في حساباتها حضور", مضيفا أن "جميع دول العالم تهتم بالفنان وتضمن حقوقه بقوانين تسنها وتحرص على توفير له الحياة الكريمة والمستلزمات التي تكفل نجاح مهمته اعترافا منها بأهميته في صنع ثقافة المجتمع وتطوير وعي الفرد وتحقيق المتعة والفائدة للجميع", بينما أوضح الفنان نزار علوان أن معظم الشركات المنتجة تقوم بإنتاج الأعمال الدرامية لحساب القنوات الفضائية لقاء مبالغ طائلة لكنها تبخس حق الفنان العراقي فتعطيه 75 او 100 دولار للحلقة الواحدة واذا رفض تأتي بمن يرضى بهذا المبلغ حتى لو كان لا يمتلك الموهبة وليذهب الفنان الحقيقي الى الجحيم, وأضاف أن هذا يضطرنا إلى العمل وفق شروط الشركة, ولو كان الفنان يتقاضى راتبا جيدا من الدولة إضافة الى قيامها بسن القوانين التي تكفل حقوقه وتجبر الشركات على منحه اجورا مستوفية تتكافأ مع عمله، عندها يصبح له الخيار في المشاركة بالأعمال الجيدة ورفض الاعمال الهابطة، فيتحقق غرضان في الوقت نفسه أولهما تحقيق العيش اللائق للفنان وصيانة كرامته من الابتذال ثانيا، ازدهار الفن العراقي واضمحلال حالة الاسفاف التي نشاهدها بكثرة على الفضائيات".
ويروي الفنان المغترب أحمد الركابي تجربته قائلا, "عدت منذ فترة قصيرة بعدما شاركت بأكثر من30 عملًا عراقيًا وسوريًا، منها مسلسل القعقاع بن عمرو للمخرج السوري مثنى صبح ومسلسل آخر الملوك للمخرج حسن حسني وركر الذيب وآخرها على الوردي", وأضاف, "ليس دائما يقع اللوم على المنتج فبعض القنوات الفضائية لا تدفع له لقاء انجاز مسلسل اكثر من 250 الف دولار او 300 الف دولار على اكثر تقدير وهذه المبالغ لا تسد اجور الفنيين في بعض الاعمال العربية, ولهذا يكون أجر أفضل فنان عراقي فيه لا يصل عن مسلسل كامل ستة أو سبعة آلاف دولار بينما في الدول العربية هذا المبلغ اجرة حلقة او حلقتين وهذه الميزانية الهزيلة تنعكس على اجور الفنان وتعتبر اساءة الى الفن العراقي حيث يظهر العمل بائسا من ناحية المضمون والصورة والصوت ففي شهر رمضان أنجز حوالي 20 عملًا لم تتمكن جميعها من تحقيق ادنى قدر من القبول لدى المشاهد.
وأشار الفنان عبد الجبار الشرقاوي إلى أن معوقات عمل الفنان كثيرة، وقال, "منها التصوير في الأماكن العامة أو الشارع وأن البعض يعمد الى اثارة الضجة والتشويش على العمل باستخدام الموبايل أو التكلم بصوت عال ليظهر صوته في التسجيل أو استخدام (هورن) سيارته, مما يضطرنا الى اعادة التصوير وتجشيمنا عناء اضافيا. وهذا سببه عدم تفهم البعض طبيعة عملنا".
واعتبر المخرج هاشم أن عدم التحضير للقطة بشكل جيد من قبل كادر العمل تعد من معوقات العمل, مضيفًا أنه أحيانا يستعد لتصوير مشهد ما وحينما يشرع فيه يكتشف أن هناك فجوات في الاستعداد فيضطر الى مراجعة متطلبات العمل والتأكد منها وأضاف, "هذا ما حصل في مسلسل (سنوات النار), اثناء تصوير مشهد تفجيرات في منطقة الهور، لم تنفجر العبوة وحين حاولنا ثانية انفجرت بشكل مفاجئ ولولا الحذر لكانت ادت الى كارثة".
وأكد الفنان جعفر النجار على أن معظم المشاكل التي يواجها العمل والفنان تتعلق بالإنتاج فقلة المال الذي يبذل على العمل، تكون فيه اجور الفنان ضئيلة، والعمل يظهر (تعبان)، ففي اخراج مسرحية يطلب بعض المنتجين من المخرج ان يختصر في الديكور مع العلم ان المسرحية تتطلب ديكورا ضخما، وفي المسلسلات يطلب منه ان يقلل من عدد الممثلين والاحصنة و(عدد اللوكشنات) مواقع التصوير. فيقص بعمله هذا جناح المخرج ويمنعه من التحليق بعمله فيخرج العمل مهلهلا فاقدا لمضمونه وجماليته.
وقال مخرج الافلام الروائية والوثائقية رعد مشتت إن التعامل مع مدير فني لا يتعمق في فهم روح العمل احدى المشاكل التي نواجها. وأضاف, "على سبيل المثال أخرجت فيلما روائيا وثائقيا عن انتحار عبد المحسن السعدون, ومن المعروف ان عبد المحسن السعدون هو رئيس وزراء العراق فترة الحكم الملكي ومن عائلة ارستقراطية, وكان احد المشاهد يتطلب شراء قطعة قماش لزوجة السعدون فجلب لي المدير الفني قطعة قماش لا يشتريها الفلاح العراقي لزوجته وهذا دليل على عدم فهمه لروح العمل".
وتابع الفنان ماجد عبد الجبار, "نعاني من مشكلة الفنانين الذين تأتي بهم الشركة المنتجة فهم اغلب الاحيان لا يمتلكون الموهبة ولا يجيدون التمثيل كأن يتكلم اللهجة البغدادية وهو يؤدي دور شخص من الجنوب او بالعكس او يخلط بينهما وهذا يضر بالعمل".
ورأت الفنانة سولاف أن بعض شركات الإنتاج لا تهتم بتوفير اجواء الراحة للفنان اثناء التصوير الخارجي خاصة في الاماكن النائية مثل الاكل واماكن النوم وعمل المكياج واستبدال الملابس وهذا الخلل يوقع الفنانين وخصوصا المرأة بمشاكل جمة. ويؤثر على نفسيتهم ويوقعهم في حالة من التشتت تنعكس على ادائهم. وهذا ناتج عن تقليص كلفة الانتاج الذي تعمد اليه بعض الشركات الانتاجية.
ونوه صباح المندلاوي إلى أن قانون النقابة المعمول به صادر عام 1969 مضيفًا, "يعتبر قديما امام المستجدات التي حصلت الان. وقد طرأت عليه بعض التعديلات غير الكافية في الثمانينات ووجب اجراء التعديلات بما يتمشى والوضع الحالي مثل ظهور الفضائيات الكثيرة والحاجة الى تعيين ضوابط لعملها وتوقيع العقد المبرم بينها وبين الفنان داخل النقابة لضمان حقوقه من قبل المشاور القانوني في النقابة، وقد طالبنا الدولة بتفعيل قانون تقاعد الفنانين وتخصيص راتب تقاعدي للفنان الذي ابدع وقدم العطاء لعقود عدة، بعدما توقف العمل به بعد احداث 2003".
وأضاف, "طالبنا بمنحة سنوية سخية للنقابة لتنفيذ كثير من الفعاليات التي نطمح تقديمها ونطالب بشموله بقطع اراض وفعلا تم تخصيص قطعة تم تخصيص 40 دونمًا في جانب الكرخ و40 دونمًا بجانب الرصافة تحتاج الى متابعات وتم تخصيص ارض 2000 متر لإنشاء مبنى للنقابة, فينا اعرب وكيل وزارة الصحة عن ترحيبه بفكرة تكفل وزارة الصحة بعلاج حالات المرض الصعبة للفنان ومعالجته داخل العراق او خارجه اذا تطلب الأمر وتم تقديم قائمة مؤلفة من 54 فنانًا وجاري التحضير لقائمة أخرى.
أرسل تعليقك