عناصر من الجماعات الجهادية في سيناء
العريش (جنوب سيناء) ـ يسري محمد
أعلنت الجماعات الجهادية في سيناء، عن وجودها داخل الأراضي المصرية في فيديوهات مصورة، مؤكدة أكثر من مرة أن "سلاحها ليس موجهًا للداخل المصري، وأنها ستخوض حرب استشهادية ضد العدو الصهيوني، وفتح جبهات جهادية جديدة ضده تنطلق من شبه الجزيرة"، فيما أكدت المصادر الأمنية المصرية أن
تلك الجماعات تتواجد على شكل خلايا صغيرة في سيناء، وهي التي نفذت هجمات على الحواجز الأمنية لقوات الجيش في مديني رفح والشيخ زويد.
وقد ظهرت الجماعات الجهادية في سيناء، في أعقاب ثورة "25 يناير"، في ظل حالة الانفلات الأمني التي شهدتها شبه الجزيرة والتي لا تزال مستمرة على الرغم من مرور عامين على الثورة، فأقامت هذه الجماعات مراكز تدريب قتالية، ونجحت في تسليح نفسها عبر كميات من الأسلحة تم تهريبها إلى سيناء والآتية من السودان وليبيا، وتُظهر عدد من الفيديوهات لهذه الجماعات والتي تم بثتها أخيرًا، وجود معسكرات في سيناء لتدريب عناصرها، وهي تضم قادة عرب.
وقالت مصادر أمنية وقبلية، إن "العناصر الجهادية الموجودة في المنطقة استغلت حالة الفراغ الأمني الذي تعاني منه سيناء منذ ثورة 25 يناير، في بناء قدراتها التنظيمية والتسيلحية، إلا أنها لا ترغب في الدخول في مواجهات مسلحة مع أجهزة الأمن خلال الفترة الحالية، لذلك فإنها تخطط لهدنة لوقف عملياتها ضد إسرائيل انطلاقًا من سيناء، وأن العناصر الموجودة داخل سيناء أعدادها محدودة، وهي مجموعات تعتنق فكر الجهاد، بالإضافة إلى بعض المتورطين في تفجيرات سيناء التي وقعت بين عامي 2004 و 2006، والذين فروا من السجون عقب الثورة، وأنه نتيجة الإجراءات الأمنية المشددة التي تشهدها سيناء منذ الخامس من آب/أغسطس الماضي، في أعقاب مقتل 16 ضابطًا وجنديًا مصريًا في هجوم مسلح على نقطة حدودية، اضطرت أعداد كبيرة من العناصر الجهادية إلى الاختباء الآن في مناطق جبلية في جنوب سيناء، وبخاصة مناطق سانت كاترين ووادي فيران لوعورتها وصعوبة وصول قوات الأمن إلى هذه المناطق من دون مساعدة لوجستية من جانب السكان المحليين في المنطقة، وأن هذه العناصر تُعتبر خلايا نائمة تنتظر تلقيها تعليمات بساعة الصفر".
وأفاد مسؤول أمني كبير في الشرطة، أن "وجود توتر بين البدو وبين أجهزة الأمن في مناطق عدة في سيناء، يؤثر على كمية تدفق المعلومات التي تصل إلى أجهزة الأمن حول هذه العناصر ومخططاتها، وأن الحكومة أرسلت مئات الجنود والدبابات والمدرعات وطائرات الهليكوبتر في عملية مشتركة بين الجيش والشرطة لمداهمة مخابئ المتشددين والقبض على مشتبه بهم ومصادرة أسلحة، وحصلت العناصر على أسلحة حديثة خلال الفترة الأخيرة تم تهريبها من ليبيا والسودان ووصول هذه الأسلحة إليهم هو ما يقلق السلطات المصرية الآن التي تحاول منع وصول الأسلحة إليهم".
ويُعتبر تنظيم "أنصار بيت المقدس" أول التنظيمات الجهادية في سيناء التي أعلنت عن نفسها، من خلال تصوير مرئي تبنى فيه عمليات تفجير أنبوب الغاز المؤدي إلى إسرائيل، ثم توالت عملياته، وأعلن التنظيم في أيلول/سبتمبر الماضي مسؤوليته عن الهجوم المسلح الذي وقع على الحدود الإسرائيلية مع إسرائيل، وقال في بيانه في ذلك الوقت، إن "الهجوم جاء ردًا على دور إسرائيل في إنتاج فيلم يُسيء للنبي محمد صلى الله عليه وسلم، وبثت مقاطع منه على الإنترنت، وأطلق على العملية التي استهدفت دورية أمنية إسرائيلية على الحدود بين مصر وإسرائيل، إسم "غزوة التأديب لمن تطاول على النبي الحبيب".
وذكر بيان "أنصار بيت المقدس" أن "نوعية التدريبات التي تلقاها منفذو العملية الثلاثة كانت على أسلحة (الكلاشنيكوف والآر بي جي)، وتفاصيل اختراق الحدود الإسرائيلية والهجوم على الدورية المستهدفة"، في حين توعدت الجماعة، التي تبنت سابقًا هجومين على إيلات الإسرائيلية، بالإعداد لهجمات متتالية خلال الفترة المقبلة.
ويظهر الفيديو رؤية الجماعات الجهادية في سيناء لأجهزة الأمن المصرية، وذلك من خلال التعليق الصوتي المصاحب، حيث يقول المعلق عن الأجهزة الأمنية «الأجهزة السابقة بدأت بالعودة إلى ممارسة أنشطتها الإجرامية نفس وبالأفراد السابقين نفسهم، وعاد إلى تلفيق التهم والافتراءات الكاذبة من قبل زبانية أمن الدولة من أجل تبرير عودتهم من جديد تحت اسم (الأمن الوطني)، بعد أن أُفرج عن جميع السفاحين الذين ارتكبوا المذابح الشنيعة في حق الشعب، بل وخرج كلُ قتلة الثوار بأحكام البراءة".
أما التنظيم الثاني فهو "مجلس شورى المجاهدين في أكناف بيت المقدس"، والذي أعلن عن المشاركة في تفجير خط تصدير الغاز لإسرائيل، وفي حزيران/يونيو الماضي بث تصويرًا مرئيًا يوضح تفاصيل عملية استهداف دورية إسرائيلية عبر الحدود الشرقية في سيناء، والتي لقيا منفذا العملية الاثنان مصرعهما فيه، وهما أبو حذيفة السعودي، وأبو صلاح المصري، وأظهر الشريط تلقي منفذي الهجوم تدريبات عسكرية بالذخيرة الحية داخل مناطق صحراوية في سيناء، وكذلك المراحل الكاملة لتنفيذ العملية بدءًا من التفكير فيها، مرورًا بعمليات الرصد للحدود بين مصر وإسرائيل واختيار الهدف وهو تدمير عربتين جيب إسرائيليتين، ثم الهجوم على إحدى المستوطنات الإسرائيلية القريبة من الحدود بين مصر وإسرائيل، إضافة إلى صور تظهر التدريبات التي قاموا بها باستخدام الذخيرة الحية وكيفية إعداد العبوات الناسفة .
ويظهر في التسجيل منفذي العملية وهم يرتدون ملابس عسكرية ويحملون أسلحة حديثة، بالإضافة إلى وسائل اتصال لاسلكية تشبه التي تكون بحوزة الجيوش النظامية، وكذلك يظهر قائد عسكري وهو يشرح العملية لمنفذيها من خلال ماكيت مصغر للحدود، يوضح بأن من قاموا بالتنفيذ لديهم خبرة عسكرية كبيرة، فيما كشف التسجيل عمليات استطلاع ورصد الحدود بين مصر وإسرائيل عبر سيناء، وذكر أيضًا أن الاستشهادين قدما حديثا من ليبيا حيث شاركا في أعمال إسقاط نظام العقيد معمر القذافي.
وفي تأكيد لوجود صلة لهذه التنظيمات بتنظيم "القاعدة"، أهدى "مجلس الشورى المجاهدين" العملية الاستشهادية إلى زعيم "القاعدة" أيمن الظواهري بقولهم "فأبشر يا شيخنا الحبيب بما يسرك بإذن الله، فإن هذا العمل إهداء لأمة محمد عليه الصلاة والسلام، ونهديه لإخواننا في قاعدة الجهاد، الشيخ أيمن الظواهري، والشيخ أسامة، ثأرًا له ورحمه الله، ولجميع أعراض الأخوات المغتصبة".
وكشف تصوير مرئي آخر لجماعة "أنصار بيت المقدس" حمل اسم "سبيل الرحمن وسبيل الشيطان"، عن وجود عناصر جهادية عربية داخل سيناء، إضافة إلى قيام إسرائيل بعمليات تجسس داخل سيناء لرصد تحركات العناصر المتشددة، في حين أظهر التصوير المرئي الخاص بإبراهيم عويضة الذي قتل في شهر أيلول/سبتمبر الماضي، وقالت الجماعة أن الموساد الإسرائيلي كان وراء مقتله من خلال عملية نفذها أربعة من ضباطه بالتعاون مع ثلاثة من بدو سيناء وتم خلالها اغتيال عويضة من خلال تفجير دراجته النارية بواسطة شريحة ومتفجرات تم زرعها بواسطة الموساد، أن إسرائيل تقوم بعمليات رصد وتجنيد جواسيس من أجل متابعة تحركات الجهاديين داخل سيناء، ووقعت أربع هجمات مماثلة على الأقل عبر الحدود خلال أكثر من عام في هذه المنطقة، حيث تراخت قبضة الأمن بعد الانتفاضة التي أطاحت بالرئيس المصري السابق حسني مبارك.
واعترف منيزل سليمان البريكات، وهو من قرية الخريزة في التصوير، بأنه تعاون لأكثر من عام مع الموساد الإسرائيلي دخل خلالها إلى إسرائيل أكثر من 12 مرة من أجل تلقي أموال تصل إلى 1500 دولار في الشهر، وأنه كان يتلقى تعليمات من ضابط إسرائيلي يدعى أبو سالم بشأن متابعة ورصد تحركات الجهاديين وكان من بينهم عويضة.
أما التنظيم الثالث فهو "التوحيد والجهاد"، وظهرت عناصر هذا التنظيم بشكل علني في حزيران/يونيو قبل الماضي، عندما نفذ العشرات منهم هجومًا على مدينة العريش، وهم يحملون الأسلحة الآلية ومدافع "آر بي جي"، ويحملون الرايات السوداء المكتوب عليها "لا إله إلا الله"، وتجولوا في المدينة لساعات عدة على متن شاحنات صغيرة وهم ملثمون ويطلقون الرصاص في الهواء ثم هاجموا قسم شرطة ثان العريش.
وساد هدوء نسبي الحدود بين مصر وإسرائيل على مدى ثلاثة عقود، بعد أن وقع البلدان اتفاق سلام في العام 1979، لكن إسرائيل تقول إن "القبضة الأمنية على سيناء ضعفت منذ سقوط مبارك"، وعاقبت محكمة أمن الدولة عليا طؤارئ في الإسماعيلية في أيلول/سبتمبر الماضي، 14 من المتهمين بالإعدام شنقًا والمؤبد لستة متهمين آخرين بالسجن المؤبد، لإدانتهم بقتل رجال من الجيش والشرطة في هجمات مسلحة على قسم شرطة ثان العريش وبنك الإسكندرية في المدينة، كما قضت ببراءة أربعة، في حين قالت "مدونة المجاهدين في مصر" عقب الحكم "نحذّر من تنفيذ هذا الحكم الباطل، لأنه تم وفقًا للقانون الوضعي وليس وفقًا للشرع، وأن دائرة الثأر إن بدأت فلن تتوقف بسهولة"، مؤكدة "أنهم لا يرغبون في الدخول في صراع دموي مع الدولة قائلين: لازال هناك خيط رفيع بيننا وبينكم.. فلا تقطعوه".
وقالت المدونة أن "هذا ليس أول عدوان على الجهاديين، فقد أحرق الجيش خمسة منهم لمجرد الاشتباه"، وتساءلت: هل هذه هي الشريعة التي وعدنا بتطبيقها (الإخوان) ومناصريهم المهرجين السفهاء"، مضيفة أن "توقيت الحكم ليس مصادفة، فقد جاء متزامنًا مع زيارة الرئيس مرسي لأميركا، وبعد ساعات من عملية هجومية على إسرائيل".
أما حركة "السلفية الجهادية" في سيناء، وهي من التنظيمات التي لم تُعلن عن تنفيذها أي عمليات ضد اسرائيل من قبل، لكنها أصدرت بيانات أكدت فيها أن "قوات الجيش والشرطة ليست هدفًا للمجاهدين، وأن جهادهم موجه إلى العدو الصهيوني فقط، إلا في حالة الاضطرار للدفاع عن النفس والكرامة"، مشددة على رفضها "الرضوخ لإملاءات صهيونية وتوجيهات أميركية تهدف إلى القضاء على العناصر الجهادية لتعزيز أمن إسرائيل".
ووصفت الحركة في بيان لها، تصريحات القوات المسلحة عن أحداث الهجوم المسلح على منشآت أمنية في شمال سيناء، بأنه "قلب للحقيقة وغير مطابق للوقائع التي شهدتها قرية المقاطعة في سيناء، وما أعقبها من اشتباكات أسفرت عن مقتل مجند وإصابة 9 بينهم سيدة وطفلتها"، فيما حذرت الحركة من شن حملات المداهمات العشوائية، وقالت إن "أية محاولات تقوم بها قوات الشرطة والجيش لقمع وإرهاب وترويع المدنيين في سيناء، لن تأتي إلا بنتائج عكسية".
أرسل تعليقك