القوات السورية الحكومية
بيروت ـ جورج شاهين
سادت صباح الأربعاء، حالة من الهدوء الحذر في منطقة طرابلس اللبنانية، التي شهدت اشتباكات عنيفة، أسفرت عن 5 قتلى و30 جريحًا، على خلفية مقتل 21 لبنانيًا من طرابلس وعكار موالين للثورة السورية، فيما حذر الجيش اللبناني، المسلحين من "التمادي في العبث بأمن المدينة واستقرارها"، مؤكدًا أنه
"سوف يرد بحزم على مصادر إطلاق النار من أية جهة كانت"، بينما قررت سورية تسليم جثامين القتلى اللبنانيين الموالين للثورة، على ثلاث دفعات تنتهي خلال أسبوع، في حين ترددت أنباء من شمال لبنان أن "القرى الحدودية" اللبنانية تتعرض إلى قصف سوري عنيف بالدبابات والمدفعية. وأكد الرئيس السابق للحكومة اللبنانية، زعيم "تيار المستقبل" سعد الحريري، أنه لن يتراجع عن "تأييد الثورة السورية، وقواها الديمقراطية مهما بلغت التحديات".
وأفادت المعلومات الواردة من شمال لبنان، أنه "لم تهدأ وتيرة الاشتباكات طيلة الليل واستمرت حتى فجر الأربعاء، ولكن بوتيرة متقطعة، واستخدم فيها أنواع الأسلحة الخفيفة والمتوسطة كافة، إضافة إلى إطلاق قذائف (الانيرغا) التي سقطت بشكل عشوائي على محاور الاشتباك، وسجل احتراق عدد من المنازل وبخاصة في حي الشعراني ومشروع الحريري وجبل محسن، كما ارتفع عدد القتلى إلى خمسة حيث سقط خضر حنون قتيلاً برصاصة قنص في منطقة البداوي، وبلغ عدد الجرحى ثلاثين مصابًا حسب مصادر المستشفيات."
وقالت المعلومات "أقدم مسلحون في منطقة القبة على إضرام النار في مدرسة (دوحة الأدب) صاحبها من الطائفة العلوية يُدعى غازي سلمان، كما عمد المسلحون إلى إطلاق الرصاص في أماكن عدة بعيدًا عن مناطق التوترن وبخاصة في شوارع التل وعزمي والمئتين لهدف رعب المواطنين، وحتى ما قبل السابعة والثلث بالتوقيت المحلي، كانت الاشتباكات مستمرة على محاور التبانة وجبل محسن ومشروع الحريري وحي الشعراني ومنطقة الريفا والمنكوبينن وسمع الرصاص بشكل متقطع والجيش اللبناني بدأ بالرد منذ ساعات الفجر الأولى وطيلة الليل بقوة على مصادر النيران، وأسقطت الكثير من مصادرها، كما أوقف قناصًا كان يعلو سطح أحد المباني وبيده بارودة قنص متطورة .
وتزامنت العمليات العسكرية التي يقوم بها الجيش اللبناني على المحاور المتقابلة، مع تسيير دوريات في شوارع عدة من طرابلس، وبخاصة عند مداخل مناطق الاشتباك، فيما أغلقت معظم الجامعات والمدارس في طرابلس الأربعاء، وتشهد شوارع المدينة حركة خجولة، في الوقت الذي انتشرت فيه إحدى الروايات عن مصير مسؤول الشؤون السياسية في الحزب "العربي الديمقراطي العلوي" الموالي لسورية رفعت علي عيد، بعدما تردد أنه غادر طرابلس إلى الولايات المتحة الأميركية، ولم تتأكد المعلومات التي قالت إنه "قرر الاستقرار فيها بعيدًا عن طرابلس وحزبه هناك".
وفي ظل هذه الشائعات رأى عيد، أن "المشكلة في طرابلس الآن تكمن في أن اللواء الشهيد وسام الحسن الذي اغتيل في 9 تشرين الثاني/نوفمبر الماضي في الأشرفية، قد سلح المقاتلين في باب التبانة ثم مات، وبالتالي فإن الأمور أصبحت منفلتة، لأن من كان يحرك المسلحين ويتحكم بإيقاعهم رحل، فاختلط الحابل بالنابل"، مؤكدًا أن رد الحزب "العربي الديمقراطي" على مصادر النيران يتم في حدود ضيقة، وحيث لا يستطع الجيش أن يتدخل، أما حيث يؤدي الجيش دوره فهو يتحلى بأعلى درجات ضبط النفس.
وتساءل عيد : ما علاقتنا في جبل محسن بكمين تلكلخ حتى تكون منطقتنا مسرحًا لـ"فشة الخلق"، وإذا كان هناك من يجب ان يحاسبه أهالي الضحايا، فيجب أن يحاسبوا زعيم تيار "المستقبل" الرئيس سعد الحريري، والنائب عقاب صقر لأنهما يتحملان المسؤولية عن تعبئة أبنائهم وتحريضهم.
من جانبه، استقبل الرئيس السابق للحكومة اللبنانية وزعيم "تيار المستقبل" سعد الحريري، في منزله في الرياض، وفد الائتلاف الوطني السوري الذي يقوم بزيارة المملكة العربية السعودية، وضم الوفد رئيس الائتلاف أحمد معاذ الخطيب، ونائبي الرئيس رياض سيف وسهير الأتاسي، والأمين العام مصطفى الصباغ والشيخ أحمد العاصي
وأوضح بيان لمكتب الحريري نشر في بيروت، أن "اللقاء تخلله التداول في الأهداف التي يعمل الائتلاف على تحقيقها، وبخاصة في هذه المرحلة التي بلغت فيها الثورة السورية أبواب دمشق وصارت على قاب قوسين أو أدنى من الانتصار، وأن الحريري أكد خلال اللقاء على التضامن الكامل مع الثورة وقيادتها السياسية"، منوهًا بالجهود المبذولة لتوحيد صفوف المعارضة السورية والاستعداد للمرحلة الانتقالية التي يجري الإعداد لها على كل صعيد، وإننا في لبنان نتطلع إلى اليوم الذي تتحقق فيه أماني الشعب السوري في قيام نظام ديمقراطي وإنهاء عهد الاستبداد الذي جثم فوق صدور السوريين لسنين طويلة، وإن وقوفنا إلى جانب المعارضة وقيادة الائتلاف الوطني هو واجب تفرضه علينا مسؤولياتنا العربية والأخوية والإنسانية، ونحن لن نتراجع عن تأييدنا للثورة للسورية وقواها الديمقراطية مهما بلغت التحديات حتى اللحظة التي تقوم فيها قيادة وطنية ديمقراطية في سورية الشقيقة على أنقاض النظام المستبد".
وكان رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي، قد دعا أهالي طرابلس، الثلاثاء، إلى الهدوء وعدم الانجرار وراء المحاولات الهادفة إلى تأجيج الصراع في المدينة، والتنبه للشائعات ومحاولات تأجيج مشاعر الغضب والحزن لإدخال طرابلس مجددًا في دائرة العنف.
وليل الثلاثاء – الأربعاء صدر عن قيادة الجيش- مديرية التوجيه البيان الآتي: "بعد ظهر اليوم شهدت منطقة باب التبانة - جبل محسن في مدينة طرابلس عمليات قنص متبادلة بين مسلحين، ما أدى إلى سقوط عدد من الإصابات في صفوف المواطنين. وقد ردت وحدات الجيش على مصادر النيران بالأسلحة المناسبة، كما قامت ولا تزال بتسيير دوريات، وأقامت حواجز تفتيش ودهم أماكن إطلاق النار وتعزيز انتشارها في الأحياء المتوترة.
إنَّ قيادة الجيش تحذر المسلحين من التمادي في العبث بأمن المدينة واستقرارها، وتؤكد أنَّها "سوف ترد بحزم على مصادر إطلاق النار من أية جهة كانت، وهي تدعو المواطنين إلى التجاوب الكامل مع الإجراءات الأمنية التي تتخذها قوى الجيش حفاظا على أمنهم وسلامتهم".
وتحدثت مصادر واسعة الإطلاع في طرابلس عن أنَّ البحث في نقل جثث اللبنانيين من سورية إلى لبنان لن تبدأ قبل يوم الخميس المقبل حيث يبدأ العد العكسي للعملية.
وترافقت هذه الاشتباكات مع اتصالات ونداءات توجهت بها القيادات الطرابلسية الروحية والسياسية لتجنب ردات الفعل والحفاظ على هدؤ مطلوب بالحاح في المنطقة إلى حين وصول جثامين القتلى إلى لبنان وسط تشكيك بالوعود السورية وهو ما قد يؤدي إلى تأزيم الوضع في المدينة.
وقالت مصادر المعلومات التي تلقاها أهالي القتلى الطرابلسيين والتي وصلت لـ" العرب اليوم" أنَّ القوات السورية والهلال الأحمر السوري أنجزت تكفين 14 جثة تم نقلها إلى مستشفيات سورية، بعدما تم فصلها عن ثلاث جثث لسوريين قتلوا في العملية نفسها، ولم تتوفر أية معلومات إضافية حول مصير الجرحى الآخرين، وما إذا كان هناك جرحى وسط شائعات تحدثت عن قتل الأسرى منهم.
وحتى ساعة متأخرة من ليل الثلاثاء لم تحدد أية مواعيد رسمية من الجانب السوري المعنية ولا السفارة السورية في بيروت التي تحدثت عن ضغوط دولية رافقت طلب رئيس الحكومة تدخل الصليب الأحمر الدولي وموقف وزير الخارجية اللبناني الذي أحرج القيادة السورية بطلبه العلني منها وهو أمر لم يحصل من قبل.
ورفضت المصادر الحديث عن أي مفاوضات على المستوى العسكري بين البلدين باعتبار أنَّ الاتصالات بين القيادتين العسكرية في البلدين باتت في حدودها الأدنى من التنسيق الميداني.
من ناحيته، أبلغ السفير السوري في بيروت علي عبد الكريم، كلاً من: وزير الخارجية والمغتربين اللبناني عدنان منصور، والمدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم، قرار السلطات السورية بتسليم جثامين القتلى اللبنانيين الموالين للثورة، والذين قضوا في منطقة تل كلخ السورية نهاية الأسبوع الماضي، في كمين للجيش النظامي، على أن يتم التسليم على ثلاث دفعات تنتهي خلال أسبوع، بحيث يتم تسليم الدفعة الأولى، السبت، 8 كانون الأول/ ديسمبر الجاري.
وعلم "العرب اليوم"، أن "الاتصالات أسفرت عن صيغة، تقضي بتسليم الجانب السوري الجثامين إلى الأمن العام اللبناني، عبر المعابر الحدودية الشمالية، على أن يتولى الجيش اللبناني نقلها إلى ذويهم في قرى عكار ومدينة طرابلس، وسط تدابير تمنع تجمع الأهالي على الحدود".
وترددت أنباء، أن "صيغة تسليم الجثامين جاءت بناء على طلب لبناني، منعًا للردود السلبية المنتظرة من عملية دفن جماعية، في ظل أجواء التوتر التي سادت طرابلس والاشتباكات المسلحة، التي أفضت إلى سقوط 6 قتلى وقرابة 67 جريحًا على طول المحاور الفاصلة بين باب التبانة السنية وبعل محسن العلوية، كما أصيب عسكريان من الجيش اللبناني في رده المباشر على مصادر النيران والقناصة، الذين تسببوا في حجم القتلى الذي ارتفع عصر الأربعاء".
وكانت أحياء التبانة وبعل محسن، تبادلت القصف الصاروخي والنيران بالأسلحة الرشاشة والصاروخية، وقنابل "الإينرغا"، التي تسببت في إصابة عسكريين من الجيش اللبناني.
وصدر عن قيادة الجيش، الأربعاء، بيان جاء فيه: "إلحاقا للبيان السابق، المتعلق بالوضع في مدينة طرابلس، واصلت وحدات الجيش تعزيز إجراءاتها الأمنية في منطقتي باب التبانة وجبل محسن والأحياء التي لا تزال تشهد توترًا أمنيًا وأعمال قنص بين الحين والآخر".
وشملت إجراءات الجيش "تسيير دوريات، وتركيز حواجز تفتيش والتصدي الفوري إلى مصادر النيران، وعمليات دهم واسعة لأماكن المسلحين، حيث تمكنت من توقيف 5 من المشتبه بهم بإطلاق النار، وضبطت في حوزتهم كمية من الأسلحة الحربية والذخائر".
وقد أصيب خلال العمليات الأمنية عسكريان اثنان بجروح مختلفة. كما تعرض بعض الآليات العسكرية لأضرار مادية. وأضاف البيان:"تم تسليم الموقوفين مع المضبوطات إلى المراجع المختصة لإجراء اللازم".
وتزامنًا مع الإعلان عن نتائج الاجتماع، كانت الأنباء الواردة من شمال لبنان أن "القرى الحدودية اللبنانية، وتحديدًا بلدات حكر جنين والدبابية، وأطراف بلدة النورة، تتعرض إلى قصف سوري عنيف بالدبابات والمدفعية مصدرها الجانب السوري من الحدود". ولم ترد معلومات عن إصابات.
وسادت حال من البلبلة والخوف عند الأهالي وسكان المنازل القريبة من ضفة النهر الكبير الجنوبي، الفاصل الحدودي الطبيعي بين البلدين، كما سجلت حالة ارتباك على طول الحدود بعد إطلاق نار بدأ منذ ساعات المساء الأولى.
أرسل تعليقك