يتقدم "حزب الله" على رياض سلامة في عدّة نقاط في المعركة الإعلامية الدائرة منذ عدة اسابيع والتي انفجرت منذ يومين. فالحزب أولاً لديه مريدون كثر في الحراك الشعبي، انتقدوه في المرحلة السابقة فقط لعدم تواجده معهم، وثانياً لأن رئيس الجمهورية يخوض معركة شرسة ضد سلامة، وثالثاً لأن مقارنة الرأي العام المنتفض تحديداً بين رئيس الحكومة حسان دياب وبين حاكم مصرف لبنان رياض سلامة تجعله ينحاز نسبياً الى دياب بسبب مراكمة العداء الذي خلّفها الحراك مع سلامة، ولم يصب دياب لانه لم يكن في المشهد.
لكن المعركة الإعلامية التي تكثفت في الايام الماضية الى حد هائل، وباتت الأخبار والشائعات تنتشر وتليها بيانات النفي، تكاد تكون أصلاً في تحديد نتائج الكباش السياسي الهائل بين اكبر قوتين في الساحة اللبنانية، "حزب الله" المنظومة العسكرية والسياسية والشعبية من جهة، وبين حاكمية مصرف لبنان وما تمثله من امتدادات في القطاع المصرفي والمنظومة المالية الكاملة وارتباطاتها السياسية.
في الواقع، يرغب "حزب الله" في اقالة رياض سلامة، وهذه الرغبة لا تعود الى حين بدأ الدولار بالارتفاع ولا الى قبل ايام عندما ارتفع نحو الف ليرة خلال يومين، بل الى اليوم الاول الذي فرضت واشنطن فيه عقوبات مالية على الحزب، لكنه وكعادته لم يكن يرغب بالصراع مع الاميركي في الساحة اللبنانية، لكن الوضع اليوم تغيّر، فبات الحزب يريد عملياً اقالة رياض سلامة من موقعه لكن ضمن اطار كامل من الاجراءات، اهمها اجراءات شكلية.
يسعى سلامة من خلال افتعال معركة اعلامية كبرى، الى اظهار أن ما يحصل ضده هو معركة حصرية يقوم بها "حزب الله" لإقالته لأسباب سياسية مرتبطة بالعقوبات المالية الاميركية، وأن كل من رئيس الجمهورية ميشال عون والحكومة ورئيسها ووزرائها هم مجرد ادوات يحركهم الحزب. لا يهدف سلامة من هذه الحملة الى زيادة الدعم الاميركي له فقط. فالاميركيون يدعمون سلامة الى حد بعيد وهم للمناسبة لن يزيدوا في دعمه او ينقصوا لأن الاعلام قال عنه كذا، او لأن بعض المؤثرين وصفوا المعركة ضده بكذا، هم لديهم احاطة معلوماتية تمكنهم من معرفة طبيعة ما يحصل، وهذا ما يدركه سلامة جيدا، بل يهدف الى التأثير على "حزب الله" نفسه.
لا يرغب الحزب الظهور بأنه سبب الازمة في لبنان، قد يقبل أن يحمّله كثر جزءاً من المسؤولية لكونه سكت عن الفساد لكنه يتحسس من فكرة أن تكون العقوبات عليه سبب الأزمة، من هنا ايضاً لا يريد الحزب أن تلصق التداعيات التي قد تخلقها اقالة سلامة به، وبمعاركه السياسية، من هنا يسعى مؤيدو سلامة الى تحويل المعركة في الاعلام الى معركة بين الحزب وبينه، مرتبطة بالمواقف السياسية لا المالية. بمعنى آخر، في حربه الاعلامية يسعى سلامة الى جعل الناس تقتنع بأن المعركة سياسية يقودها الحزب ضد سلامة، الامر الذي سيجعل من الحزب يتراجع خطوة الى الوراء تجنباً للتداعيات المتوقعة والتي سيحملها الناس له، الامر الذي سيعطي حجة اعلامية وسياسية للاميركيين لزيادة العقوبات والمجاهرة فيها.
هكذا انتشرت اخبار عن لقاء موفد من الحزب برئيس مجلس النواب نبيه بري وابلاغه بأن الحزب قرر اقالة سلامة، وكذلك انتشرت أخبار عن مصادر تقول بأن اجراءات حاكم مصرف لبنان تضر بهيمنة الحزب النقدية وغيرها من الاخبار التي نفت مصادر مقابلة بعضها.
حتى أن سلامة سيسعى ضمن استراتيجيته هذه، الى تحييد "التيار الوطني الحرّ" والعهد عن هذه المعركة لجعلها معركة مع الحزب وحده، وذلك من خلال اطلالة اعلامية سيقوم بها الاسبوع المقبل، يكون اساسها ضرب العهد وكشف الارقام. وتقول مصادر مطلعة انه سيفند خلال إطلالته ارقام سلسلة الرتب والرواتب ودعم الكهرباء والصرف الانتخابي الهائل، وهو يمهد لها بتسريبات تتحدث عن "معرفته الكثير" ورغبته باسقاط الهيكل على الجميع اولهم جبران باسيل.
لكن الحرب الإعلامية ليست من جانب واحد. فالحزب ايضاً بدأ حرباً جدية ضدّ سلامة، وربما تكون اكثر فاعلية، اذ ان اعلام الحزب بدأ التصويب الواضح على سلامة من دون الدعوة لاقالته، وبدأ مسؤولو الحزب يحضّرون الارضية الشعبية لتحركات لا يدعو اليها الحزب لكن يشارك بها محبوه ضد سلامة لإعطاء الحكومة غطاء شعبياً بإتخاذ القرار، ولجعل المعركة معركة "الناس" المستعدة لتحمل التبعات لأشهر بعد اقالة سلامة قبل تحسن الوضع.
بدقة شديدة يتحرك "حزب الله" حتى في جولاته الخاصة، وهو ووفق معلومات "لبنان ٢٤" ابلغ دياب دعمه الكامل لأي خطوة يتخذها من دون أن يطلب منه أخذ خطوة الاقالة، وابلغه أنه سيدعم الحكومة الى آخر نفس، من جانب آخر كانت وسائل اعلام الحزب تتجه لتغطية التحركات امام مصرف لبنان، غير ان هتافات "شيعة شيعة" التي صبغت جزءاً من المتظاهرين أدّت الى التراجع عن الخوض في هذه التغطية، لأن الحزب لا يريد أن يكون هو من يتظاهر ضد الحاكم، بل الحراك الشعبي او جزء منه.
معركة إعلامية ستتفاعل في الايام المقبلة، وسنشهد فيها العجائب، وصولاً الى الحل أو التسوية أو الغالب والمغلوب
قد يهمك ايضا:تعرف على 4 شروط لإقالة رياض سلامة من مصرف لبنان
أرسل تعليقك