بيروت ـ وكالات
يكون توتر الاعصاب سيّد الموقف وسط مهمّة الإنقاذ والإنعاش فكيف اذا كان الامر متعلق في الكثير من الأحيان أحباء معلّقين بين الحياة والموت في فترات زمنية قد لا تتعدّى الدقيقة الواحدة انه الطوارئ.. كلمة ترعب الكثير من اللبنانيين، لانها تحدد حياة الانسان . وهنا يبقى السؤال عن كيفية حصول ذلك كبيراً في ظل واقع أقسام الطوارئ في بعض المستشفيات لجهة عدم توافر الأطباء الاختصاصيين، وقلّة اهتمام الأطباء المقيمين، وغياب توفّر طبيب طوارئ في معظم المستشفيات، مع العلم عدد ممارسي طبّ الطوارئ لا يتعدّى الأربعة عشرة طبيباً في لبنان، في مقابل الحاجة إلى ما يفوق أربعمئة طبيب طوارئ في جميع المناطق اللبنانيّة ما يجعل الطوارئ واقعا "مهتزا"!ا
فالطبّ الطوارئ، انه اختصاص طبي بد ذاته نشأ في أوائل سبعينيات القرن الماضي، في الولايات المتحدّة الأميركيّة وفي البلاد الأنغلوسكسونية. اعترفت به الجمعية الطبيّة الأميركية والبورد الأميركي للتخصّصات الطبيّة في العام 1979. ويسود العالم حاليّاً نظامان للتعليم والتخصّص والممارسة في طبّ الطوارئ. فالنظام الأوّل يعتمد على المدرسة الأنغلو - أميركية، اما النظام الثاني فيتبع المدرسة الفرنسيّة - الألمانية. بالمقابل نجد أنّ لبنان يتبع في طبّ الطوارئ المدرستين، تبعاً لإختلاف توجّهات المستشفيات ورؤيتها. اذ تتراوح مدّة التخصّص في هذا الطبّ بين ثلاث وخمس سنوات من بعد الانتهاء من دراسة الطبّ العام، حيث يشكّل طبيب الطوارئ صمّام الأمان في المستشفى، إذ يقوم باستقبال ومعالجة الحالات الطارئة، وإنقاذ الشخص المصاب، ووضع حدّ لتدهوّر حالته الصحيّة.
في هذا السياق كان لابد من تعليق حول اهمية طب الطوارىء في لبنان من خلال وضع النقاط على الحروف مع الاختصاصي في الطب الطوارىء الدكتور داني رعد الذي اكدّ:" أنّ لبنان عرف هذا الاختصاص منذ سنة 1996 اذ يلزم دراسته من 4 الى 5 سنوات فوق الطب العام دون السنتين، مع اهمية ان يكون لدينا طبيب طوارىء في المستشفيات في ظل التصنيف الموجود اليوم اي بمعدل 7 اطباء على الاقل منهم واحد اختصاصي في قسم الطوراىء الذي هو واجهة المستشفى يقوم في معاينة المريض بالحالة الساخنة وللاهتمام به في البداية قبل احالة هذا الاخير الى الاطباء الاختصاصيين وفقاً لحالته المرضية ضمن فريق عمل كامل متكامل."
من جهة اخرى يشدّد الدكتور رعد على أهمية موضوع الحصول على التعرفة الصحيحة لاتعاب اطباء الطوارىء من قبل الضمان بعدما وصل عدد الاختصاصيين يهذا المضمار الى 23 طبيب طوارىء مسجلين في النقابة. اذ أنّ طبيب الطوارئ يعمل ستا وثلاثين ساعة في الأسبوع، بمعدّل معاينة خمسة مرضى في كلّ ساعتين من الزمن. ونظراً لدقّة المجال وأهميته على مستوى إنقاذ الأرواح، لا يتمّ السماح للأشخاص غير المتخصّصين والذين لا يملكون الخبرة الكافية، بعلاج المرضى في قسم الطوارئ، من دون ان ننسى اهمية تعاون الصليب الاحمر مع الجمعية اللبنانية لطب الطوارئ في شأن تدريب متطوعين ممرضين لمعرفة اخذ التدابير اللازمة في نقل المصاب الى المستشفى تجنباً للوقوع في اخطاء طبية يمكن تفاديها". تجدر الاشارة الى أن النظام الصحّي في لبنان يعاني من عدم معرفة مستوى تدريب المسعفين المتواجدين في وحدات الإسعاف، والتجهيزات الموجودة في تلك الوحدات. فمعظم الإصابات الناتجة عن حوادث السير تحدث بسبب شروط النقل وعـــــدم إتباع المعايير العلميّة. و لهذا من الضروري، تحــــديد الــــشروط والمعايير التي يجب أن تتوافر في وحدات الإسعاف والكفاءات التي يجب أن يستوفيها المسعـــفون.
تشير التقارير الواردة إلى أنّ النظام الصحّي في لبنان يحتاج إلى أربعمائة طبيب طوارئ على أن يتوزعوا في كافة المناطق اللبنانيّة لان أبرز المشاكل التي تعترض الطوارىء الا وهي حالات كسورالعظم التي تسجّل النسبة الأكبر من حالات الطوارئ في لبنان، تليها إضطرابات القلب وضربات الرأس، حسب أرقام نقابة الأطباء.اما الحالات الخفيفة التي تستقبلها أقسام الطوارئ تشكّل ما بين عشرين إلى ثلاثين في المئة من مجمل الحالات، وتسجل الحالات المعقّدة نسبة أربعين في المئة، و الحالات الطارئة والحرجة فتحلّ فتمثل ثلاثين في المئة. فواقع طب الطوارئ في لبنان مغايراً للمعايير الدوليّة، إذ يعاني الجسم الطبّي من نقص فادح في عدد الإختصاصييّن في طبّ الطوارئ، ومن إهمال حقوق وضمانات أطباء الطوارئ، ومن غياب لإستراتيجيّة حكوميّة تهدف إلى تنظيم القطاع وتأمين الموارد البشريّة والماديّة الكافيّة لتطويره.
من جهة اخرى يجب على طبيب الطوارئ أن يأخذ بعين الاعتبار وجهة نظر المريض وعائلته من دون أن يتوجّه إليه بعبارات مؤذية. فالمستشفيات الكبيرة فقط في لبنان، التي لا يتعدّى عددها الثمانيّة، تضمّ أطباء طوارئ أو أطباء اختصاصيين مشرفين على قسم الطوارئ، بينما توكل مهمّة العناية بقسم الطوارئ في المستشفيات الأخرى في بيروت كما في المناطق البعيدة، إلى أطباء تلامذة لم يكملوا تخصّصهم بعد، أو أطباء صحّة عامة لا يملكون القدرة أو المعرفة الكافية لإنعاش جميع المرضى وعلاجهم. وعلى الرغم من أن نظام الاعتماد في المستشفيات الذي وضعته وزارة الصحّة العامة، يوجب بأن يكون رئيس قسم الطوارئ متخصّصاً في طبّ الطوارئ، فإنّ الجهات الخاصة والرسميّة لا تلتزم بهذا القانون بسبب نقص الموارد البشريّة المتخصّصة. كما لا تعير إدارات المستشفيات قسم الطوارئ الإهتمام الكافي بإعتباره قسماً مكلفاً وغير مربح.
اهم ما في الامر يجب التوقف عنده مواجهة العاملين في أقسام الطوارئ مشاكل عدّة، ومن أبرزها تعرّضهم للعنف الكلامي أو الجسدي. اذ ظهرت دراسة علميّة في الجامعة الاميركية أن أربعة من كل خمسة عاملين في أقسام الطوارئ تعرّضوا للإساءة اللفظيّة، وأن واحداً من كلّ أربعة تعرّض للاعتداء الجسدي، خلال فترة سنة واحدة. وأن الممرّضين والممرضات تعرّضوا لأعلى نسبة للعنف الجسدي بمعدّل 34,6 في المئة. كما وسجّلت نسبة أربعين في المئة من الأشخاص الذين تعرّضوا للإساءة الجسدية كحالات من الرفس أو اللكم، و نسبة ستة عشر في المئة محاولات تهديد بسكين أو مسدس.وعن الأسباب الكامنة وراء حالات العنف في قسم الطوارئ، تشير النتائج إلى أن مدّة الإنتظار تشكّل السبب الرئيسي في نسبة 77،8 في المئة من الحالات، وتأتي توقّعات الأسرة لعلاج أسرع وأفضل في المرتبة الثانية بمعدّل 50،4 في المئة، ويتسبّب سلوك العاملين في قسم الطوارئ بنسبة 38،3 في المئة من حالات العنف، ويؤدّي عدم وجود سياسات فاعلة لمكافحة العنف إلى نسبة 34،4 في المئة من تلك الحالات، وعدم كفاية الموارد إلى 19 في المئة منها.وان حالات العنف في الطوارئ تعود إلى أن جميع مشاكل النظام الصحّي في لبنان تظهر في غرف الطوارئ، لان الواقع لا يلبّي تطلّعات المرضى المبرّرة أو غير المبرّرة، ولا يضمن حقوق العاملين في هذا القطاع، مع العلم بأنّ فترة الإنتظار في أقسام الطوارئ في لبنان لا تعتبر طويلة بالمقارنة مع الدول المتقدّمة كالولايات المتحدّة الأميركيّة أو غيرها.
وهنا كان لابدّ من رأي لنقيب الاطباء الدكتور شرف ابو شرف الذي قال: "على الرغم من وجود نقص في عدد أطباء الطوارئ في لبنان، وسوداوية المشهد الذي رسمه المعنيّون بالقطاع، فإن وضع أقسام الطوارئ في لبنان جيّد، يستوفي المعايير اللازمة والمطلوبة خصوصاً في المستشفيات الجامعية حيت يخضع العاملون في تلك الأقسام، وفق نظام الإعتماد في المستشفيات، إلى إمتحانات دوريّة لتقييم قدراتهم وكفاءاتهم الطبيّة والعلميّة".
أرسل تعليقك