شلل الأطفال في باكستان ونقطة التحول
آخر تحديث GMT21:31:53
 لبنان اليوم -

شلل الأطفال في باكستان ونقطة التحول

 لبنان اليوم -

 لبنان اليوم - شلل الأطفال في باكستان ونقطة التحول

إسلام آباد ـ وكالات

في وقت مبكر من هذا الشهر، ضربت مأساة حملة استئصال مرض شلل الأطفال في باكستان مرة أخرى، بمقتل اثنين آخرين من العاملين في الحملة ورجل شرطة في دورية مع فريق التطعيم. وتأتي أحدث جرائم القتل في باكستان سابقة لمقتل تسعة من العاملين في مجال مكافحة شلل الأطفال في نيجريا، وتالية لذبح تسعة آخرين من العاملين في مجال الصحة العامة في باكستان في ديسمبر/كانون الأول، وقتل عاملين في مجال التنمية في إطار جهود تحسين الصحة العامة في اليوم الأول من العام الجديد. إن الاستهداف المستمر لهؤلاء العاملين الشجعان يفرض تحدياً خطيراً على دوائر الصحة العامة في مثل هذه البلدان، وعلى الطموح الجماعي للوصول إلى كل طفل باللقاحات المنقذة للأرواح. تقدم واضح والمفارقة بالنسبة لباكستان هي أن البلاد كانت ناجحة للغاية في القضاء على مرض شلل الأطفال، مع انخفاض عدد الحالات من 197 في عام 2011 إلى 58 حالة في عام 2012. وعلى الرغم من التحديات الأخيرة، فقد أعادت باكستان العاملين في مجال تسليم اللقاحات إلى العمل في 28 مقاطعة، حيث يوجد 12 مليون طفل لا بد من الوصول إليهم. ولقد انعكس الدعم العام الواسع النطاق لجهود القضاء على شلل الأطفال في قرار برلماني. كما بادر مجلس العلماء، الذي يتألف من مجموعة من رجال الدين البارزين، إلى تقديم الدعم أيضا. والواقع أن أحدث تقرير صادر في نوفمبر/تشرين الثاني 2012 عن مجلس المراقبة المستقل للمبادرة العالمية للقضاء على شلل الأطفال، يُقِر بالتقدم الذي حققته باكستان في الآونة الأخيرة، في تناقض صارخ مع التوقعات القاتمة في تقريرها السابق. ولكن من الأهمية بمكان ألا تعمل الانتخابات القادمة في البلاد على تعريض المكاسب الأخيرة للخطر، وخاصة خلال موسم انخفاض معدل انتقال المرض حاليا، والذي يشكل أفضل فرصة لوقف انتشار المرض جذريا. ويتعين على كل التيارات السياسية أن تظل ملتزمة بالحملة إن كان لها أن تنجح. الصعوبات الحالية والواقع أنه على الرغم من التقدم في عام 2012، فإننا لم نتمكن من منع انتشار فيروس شلل الأطفال بشكل كامل في باكستان، نظراً للعقبات التي تؤثر على تنفيذ البرنامج وإدارته في المقام الأول. ولا بد من التصدي لهذه التحديات من خلال الإدارة القوية على كل المستويات، وخاصة في ضوء تآكل سلطة الدولة إلى حد خطير في ربع البلاد تقريبا، حيث تسببت عوامل معقدة في خلق حالة من عدم الثقة باسم العرق، والسياسة، والدين، الأمر الذي أسفر عن انهيار خطير للقانون والنظام. وعلاوة على ذلك، صدمت باكستان مجتمع الصحة العامة العالمي في العام الماضي عندما تبنت تعديلاً دستورياً أدى إلى إلغاء وزارة الصحة الوطنية. ومن المؤسف أن الانتقال المفاجئ لمسؤوليات الصحة إلى محافظات البلاد حدث من دون استعدادات كافية أو إشراف. وفي الوقت نفسه، فإن تراجع نظام الحكومات المحلية، المتزامن مع السياسات المثيرة للانقسام التي تنتهجها الحكومات الائتلافية في ظل الديمقراطية الهشة في باكستان، يستمر في تقويض الجهود الرامية إلى تنفيذ برنامج استئصال شلل الأطفال. ولقد تجلت أوجه القصور التي تعيب الأنظمة الصحية الإقليمية في البلاد، ليس فقط في عدم القدرة على استئصال شلل الأطفال بل أيضاً في تفشي مرض الحصبة مؤخرا، والذي قتل أكثر من ثلاثمائة طفل. ومن ناحية أخرى، تخلف الصعوبات التي تواجهها الحكومات المحلية تأثيراً سلبياً على جهود توفير المياه النظيفة والمرافق الصحية اللائقة، التي تشكل أهمية بالغة في دعم جهود استئصال شلل الأطفال والصحة العامة على نطاق أوسع. كما كانت هناك حالات رفض من جانب الآباء لتطعيم أطفالهم، في استجابة لتوصية من رجال الدين عادة، نظراً لاعتقاد مفاده أن جهود الصحة العامة هذه هي في واقع الأمر برامج سرية تسبب العقم. والواقع أن رفض التطعيم سبب لعدم وصوله إلى 2% من الأطفال الذي لا يصل إليهم. وكانت حملة التشويه الأخيرة التي استهدفت التشكيك في سمعة التطعيم ضد شلل الأطفال، والتي شارك فيها العديد من نواب البرلمان، سبباً في تعقيد الأمور. مخاطر وقف التطعيم ولكن برغم الصعوبات الواضحة، فإن توقف حملات التطعيم ليس خيارا واردا. فمن الثابت أن عدد الحالات يرتفع بشكل كبير عندما تتعرض جهود التطعيم للعرقلة، كما تبين في نيجيريا عام 2003، حيث أدى التأخير لمدة عشرة أشهر إلى انتقال العدوى إلى الآلاف من الناس على المستوى المحلي، وعودة الإصابة إلى أكثر من عشرين دولة أخرى. وقف حملات التطعيم يحمل مخاطر تحول شلل الأطفال إلى وباء (الجزيرة) كما لوحظت نتائج مماثلة في وادي سوات في باكستان بعد أن أصبح الوصول إلى المنطقة مستحيلاً لعدة أشهر بسبب سيطرة المتشددين عليه عام 2009. وكان القرار الصادر هذا الشهر بوقف التطعيم في كراتشي بعد تهديد العاملين في مجال الصحة هناك، ولو أنه مفهوم، سبباً للانزعاج الشديد في هذا الصدد. وكما هو الحال في نيجيريا، فإن تأخير التطعيم سوف يلحق ضرراً كبيراً بالدول المجاورة. ذلك لأن التجمعات السكانية من الرُّحّل تنتقل بحرية عبر الحدود الباكستانية الأفغانية التي يسهل اختراقها. وفي عام 2011، كان منشأ تفشي مرض شلل الأطفال في الصين راجعا إلى باكستان. والواقع أن الهند، التي أصبحت خالية من شلل الأطفال طيلة العامين الماضيين، وتدرك تمام الإدراك أن دوام النجاح في الداخل يعتمد على جهود الاستئصال في أماكن أخرى. وتتجاوز المخاطر الدولية المحتملة حدود دول الجوار المباشر. فقد كانت باكستان مسؤولة بالفعل عن ظهور فيروس شلل الأطفال بقوة في مصر مؤخرا، ومن حسن الحظ أنه لا يوجد أي دليل على الانتقال، ولكننا قد لا نكون محظوظين بنفس القدر في المستقبل. والواقع أن خطر انتقال المرض عبر الحجاج الباكستانيين في موسم الحج عام 2013، وهو أضخم تجمع سنوي للمسلمين، ليس مجرد تهديد نظري. وأسوأ السيناريوهات في هذه الحالة قد يعني انتكاس جهود مكافحة شلل الأطفال لعقود من الزمان. ولا ينبغي لنا أن نستخف بحجم التحدي، وبالتالي بالاستجابة المتعددة الأوجه المطلوبة. فقد أصبح شلل الأطفال اليوم مثالاً للمشاكل المعقدة التي ابتليت بها دولة باكستان ومجتمعها. ويتعين على باكستان أن تضاعف جهودها الرامية إلى استئصال شلل الأطفال لأسباب تتجاوز الوفاء بوعد الصحة العالمية (وهو سبب كاف في حد ذاته). وقد يكون النجاح في هذه المهمة بمثابة الإشارة إلى قدرة باكستان على قهر التحديات المعقدة، وسوف يوفر نجاحها خطة أولية للمزيد من تدخلات التنمية. وباستئصال شلل الأطفال فإن باكستان لن تلعب الدور المنوط بها في القضاء على المرض على مستوى العالم فحسب، بل إنها سوف تستعيد أيضاً هيبتها العالمية وإمكانية إحراز التقدم في مجالات أخرى.

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

شلل الأطفال في باكستان ونقطة التحول شلل الأطفال في باكستان ونقطة التحول



GMT 18:17 2024 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

تناول عدة فناجين من القهوة يوميا ربما يقي من أمراض القلب

GMT 18:15 2024 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

الكافيين له تأثير على الجهاز العصبي والمخ بشكل كبير

GMT 18:13 2024 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

دراسة حديثة تكشف علامات الإنذار المبكر لمرض "ألزهايمر"

GMT 18:11 2024 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

اكتشاف الصلة بين مرض السكري والأوعية الدموية

GMT 18:08 2024 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

الالتهابات السبب وراء ارتباط أمراض القلب بالاكتئاب

GMT 18:06 2024 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

رائحة الفم الكريهة مؤشر على الإصابة بمرض في الجهاز الهضمي

GMT 18:00 2024 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

أطعمة تُحدّد مدى قدرة جسدك على محاربة الالتهابات المؤلمة

GMT 17:59 2024 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

6 عناصر غذائية مهمة تحمي من السرطان

نجوى كرم بإطلالات استثنائية وتنسيقات مبهرة في "Arabs Got Talent"

القاهرة - لبنان اليوم

GMT 08:40 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

ميلانيا ترامب تظهر بإطلالة بارزة ليلة فوز زوجها
 لبنان اليوم - ميلانيا ترامب تظهر بإطلالة بارزة ليلة فوز زوجها

GMT 19:31 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

نصائح للعناية بنظافة المنزل لتدوم لأطول فترة ممكنة
 لبنان اليوم - نصائح للعناية بنظافة المنزل لتدوم لأطول فترة ممكنة

GMT 15:39 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

البدلة النسائية الخيار الأمثل لإبراز شخصيتك وأناقتك
 لبنان اليوم - البدلة النسائية الخيار الأمثل لإبراز شخصيتك وأناقتك

GMT 06:12 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

نصائح لتنسيق الديكورات حول المدفأة الكهربائية
 لبنان اليوم - نصائح لتنسيق الديكورات حول المدفأة الكهربائية

GMT 11:33 2020 السبت ,29 شباط / فبراير

تنعم بحس الإدراك وسرعة البديهة

GMT 12:03 2020 الثلاثاء ,02 حزيران / يونيو

لا تتهوّر في اتخاذ قرار أو توقيع عقد

GMT 15:04 2023 الأحد ,07 أيار / مايو

الأطفال في لبنان بقبضة العنف والانحراف

GMT 21:17 2023 الإثنين ,20 آذار/ مارس

إطلالات عملية تناسب أوقات العمل
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon