بيروت ـ وكالات
نفايات طبية ملوثة بملايين الجراثيم من حقن مستعملة، اكياس مصل، اكياس دم، عبوات ادوية فارغة، عقاقير منتهية الصلاحية، وحتى مخلّفات عمليات جراحية اي نفايات بشرية اذا صّح التعبير يتم إلقاؤها عشوائياً من دون أدنى شعور بالمسؤولية في مكب عام للنفايات بحيث تلقى مع النفايات المنزلية بين المنازل والبيوت واحياناً قرب ملاعب الاطفال عدا مئات الحقن المستعملة الملقاة على الارض، وهو أمر كفيل وحده بإدخال المسؤول عن رميها الى السجن لسنوات.كل هذا لا من يحرك ساكنا" فهل فكر احد منّا ان تكون احدى هذه الحقن ملوثة بفيروس معين، وربما السيدا ايضاً. انه فعلاً مشهد مقزز يدل على مدى التمادي في المخالفات والاستهتار بحياة الناس وصحتهم، خصوصاً اذا استحدث مستشفى لديها محرقة للنفايات قرب الامكنة السكنية وعندها تزيد الطين بلّة بتطاير الجراثيم يمينا وشمالا ويحصل تلوث من دون رحمة تاركاً وراءه شتى انواع الامراض دون أن ننسى مضاعفاتها القاتلة.
آخر المعلومات تفيد بانه يوجد في لبنان حوالي 160 مستشفى مسجلاً بـ13500 سرير حيث قدرت نفايات المستشفيات عام 2000 بـ 7000 طن سنوياً.ولكن الى اي مدى ستظل بعض من المستشفيات مستمرة في هذا الاعتداء البيئي؟ فلا قرار صارم ولا قانون يعاقب ؟فوزارتا الصحة والبيئة تعالجان هذا الموضوع بخجل، وكل منهما تفرض المواصفات والمتوجبات في تصنيف المستشفيات على طريقة "سيري وعين الله ترعاك!" مع العلم أنّ الاهمال وعدم التعامل السليم مع مخلفات المرضى الملوثة بالميكروبات قد ينتج عنه مشاكل لا حصر لها للأفراد من ضمنها الآلام والأمراض الخطيرة والخسائر الجسدية والمالية والنفسية. والاخطر في ذلك انه في حالة إصابة أحد العاملين بالصحة بوخزة بسيطة بإبرة ملوثة بأحد فيروسات الدم المعدية من أحد المرضى فالنتيجة ستكون سيئة، فلو حسبنا الناتج من ذلك الضرر الذي سيصيب ذلك العامل لوجدنا مسلسلاً طويلاً من المعاناة والمرض بالإضافة إلى هدر الوقت والمال والجهد الذي سيؤثر سلبياً على المجتمع ككل كون مخاطر النفايات الطبية عديدة أبرزها خطر العدوى سواء عبر الملامسة أو الاستنشاق وخطر بيئي لجهة تلوث الهواء بالديوكسين التي تسبب السرطان لخطورة هذه النفايات .
النفايات الطبية تهدد
تشكل النفايات الطبية خزاناً مثالياً لنمو جزئيات حيّة خطرة جرثومية - بكتيريا - فيروس وغيرها، مما تهدد صحة المريض في المستشفى او العاملين بقطاع الصحة أولاً ولكنها تنتقل أيضاً عبر الاحتكاك المباشر والجروح او بطريقة غير مباشرة عبر تلوث المياه أو الهواء أو التربة أو الحيوانات.وقد تنبهت السلطات الصحية في العالم لهذه الخطورة والتحدي للصحة العامة، وقد بدأ ذلك منذ مطلع ثمانينات القرن الماضي حيث وضعت القوانين والمراسيم والضوابط لكيفية التعامل مع هذا الخطر الداهم، وخصوصاً بعد اكتشاف السيدا والخوف من العدوى، و أن طرق انتشاره كانت مجهولة في حينه الا ان الامر مازال يراوح مكانه. ففي فرنسا اكثر من 97,5 في المئة من معالجة النفايات تمرّ عبر شركات متخصصة بينما في لبنان يوجد42 مستشفى خاصا من اصل 129، اي 32,5 في المئة يعالج نفاياته، و6 مستشفيات حكومية من اصل 30، اي 20 في المئة فقط و3 مختبرات من اصل 168 تعالج نفاياتها اي اقل من 2 في المئة اضافة الى انه لا معالجة لنفايات العيادات الطبية وطب الاسنان والمستوصفات والصيدليات. فاذا تم الاحتساب على اساس عدد الاسرة، نجد ان نسبة معالجة النفايات 47 في المئة في الخاصة و40 في المئة في العامة.باختصار، اكثر من 50 في المئة من نفايات المستشفيات لا تعالج ما يساوي اكثر من خمسة اطنان نفايات ملوثة يوميا او الفي طن سنويا تتراكم في المكبات العشوائية او المطامر. واذا اخذنا في الاعتبار ان دمج هذه النفايات الملوثة (20 في المئة) مع النفايات الاخرى في المستشفيات (80 في المئة) يعني تلويثها بالخطورة نفسها يرفع هذه الكمية الى 10000 طن سنويا. هذه الكميات تلوث الهواء بالحرق العشوائي اضافة الى المياه والتربة، وليس هناك من يتحرك للمراقبة ومحاسبة الملوثين.
المعالجة الخجولة
هذا الواقع المتردي جعل لبنان مربكاً في مسألة معالجة النفايات السريرية (التعقيم بالبخار تحت الضغط، التعقيم بالماء تحت الضغط، التعقيم بالبخار عالي الحرارة، التطهير بالحرارة الجافة، التطهير الكيميائي، الموازنة بواسطة المعدنة، تعقيم النفايات بواسطة المعدنة، استخدام الميكروويف، استخدام الاشعة بالذبذبات الراديوية، الطمر، الحرق، الخ)الناشئة عن المستشفيات، المراكز الطبية، المستوصفات، عيادات الاطباء الخاصة، محارق جثث الموتى، معارض الجثث، عيادات الاسنان، الصيدليات، المعامل الصيدلانية، المختبرات الطبية، مختبرات الجامعات، معاهد البحوث، الطب البيطري، مراكز الرعاية الصحية، الفضلات الناجمة عن العلاج في البيوت مثل الديالة او استعمال الإنسولين، بيوت العجزة وغيرها، ثم المخاطر الصحية المتعلقة بكل هذه الخيارات. في فرنسا 700 الف طن نفايات طبية سنويا مقابل 25 مليونا نفايات منزلية(3%) تشكل النفايات الخطرة المعدية منها 0,6%. اما في لبنان، فتقدر النفايات الطبية بما يزيد عن عشرة اطنان يومياً من مجمل النفايات الصلبة والمقدرة بثلاثة آلاف وخمسمائة طن.وفي دراسة لوزارة البيئة لواحد واربعين مؤسسة تعالج نفاياتها (4475 سريرا)، يظهر ان المعدل الشهري هو 104847 كيلوغراما اي معدل 0,7 في اليوم لكل سرير.
التشريعات بلا تنفيذ
من قانون الى قانون والنفايات الطبية بلا علاج وقد ادخلت العناية الفائقة من حلول جذرية وهذا ما تثبته المراحل التي مر بها القانون من دون نتيجة:
- قانون 15 تموز 1975: المتعلق بإدارة النفايات في البند الثاني حددت مسؤولية المنتج لأي نفايات غير منزلية قادرة على الضرر في صحة المواطن والبيئة وواجباته التخلص منها والعملية تشمل الجميع والنقل، التخزين والمعالجات اللازمة. وفي البند الثامن والتاسع ألزم القانون المعالجات في مؤسسات حائزة على الترخيص والمواصفات المطلوبة.
- قانون 9 آب 1979: في القسم الاول - المادة 74 يمنع دمج النفايات المنزلية مع نفايات المستشفيات الملوثة . في القسم الثاني المادة 86 يلزم فصل نفايات المستشفيات، النفايات الملوثة عن الاخرى غير الخطرة المشابهة للنفايات المنزلية. وفي المادة 88 تفاصيل دقيقة عن أكياس الجمع المحكمة الاغلاق وشروط النقل في حاويات خاصة مرقمة ومشفرة الى مدة التخزين التي لا يجب ان تتعدى 24 ساعة.
- قانون19 تموز 1976 خاص بالمؤسسات المخولة معالجة هذه النفايات.فلا احتكاك مباشر بين العمال والمواد الخطرة عند ادخالها الى الفرن. كيفية الحرق وشروطه مع مراقبة للرماد والدخان الناتج عنه.
- قانون 23 آب 1989 خاص بحرق النفايات الخطرة في مراكز تجمعات لمراكز صحية عدة وفيه تشديد على متانة وعزل الحاويات الناقلة على أن لا تتعدى مدة التخزين 24 ساعة.
فضلا عن مرسوم 23 آذار 1990 حول نقل، استيراد او تصدير هذه النفايات ومرسوم 25 ك2 1991 خاص بالمحارق الى تعميم 26 تموز 1991 في تلك الفترة التي كان يعتبر فيه الحرق شرطا إلزاميا لعلاج النفايات، يجيز القانون استعمال معالجات اخرى وسطية قبل الحرق او الطمر وحدد سبعة أنظمة معالجة (تعقيم) يوافق عليها.
لم تعرف الدولة اللبنانية تشريعا فعليا لمعالجة نفايات المستشفيات إلا عام 2002 حين صدر المرسوم رقم 8006 تاريخ 11/6/2002 من وزارة البيئة حول تحديد أنواع نفايات المؤسسات الصحية وكيفية تصريفها. وصدر عام 2004 المرسوم 13389 المعدل للمرسوم السابق بتاريخ 18/9/2004 ويفرض على المؤسسات معالجة نفاياتها على حسابها. على الرغم من ان وزارة الصحة باشرت منذ عام 2000 مشروع تصنيف المستشفيات محفزة هذه المؤسسات لتحسين خدماتها. ونصت المادة الثامنة في مقاييس الاجازة للمستشفيات 2003 على ضرورة معالجة هذه المستشفيات للنفايات الخطرة والمعدية التي تنتجها اثناء عملها، فالفرز مباشرة عند الانتهاء من استعمال النفايات السامة الخطرة هو المفتاح الاساسي لصحة تدبير النفايات، يليه تقليص النفايات من حيث الحجم واستبدال النفايات الخطرة بأقل خطورة وصولا الى الترميز بالألوان لأكياس النفايات. (مثلا النفايات المعدية بأكياس صفراء ثقيلة آمنة مع العلامة السوداء المعروفة عالميا وتحمل العبارة نفايات خطرة ومعدية)، مستوعبات التخزين مغطاة ومتينة ويزود الطاقم العامل بألبسة وقفازات ونظارات حامية، بعدها يوجد محارق مع مواصفات وإلا يلجأ الى التعقيم والتطهير بواسطة الافران مع عملية تقطيع وضغط. هذا بالإضافة الى دور أساسي لثقافة الطاقم المخول التعامل مع النفايات مع لجنة السيطرة على العدوى التي تدقق في كل المراحل.كما وتطرح وزارة البيئة في المرسوم 13389/2004 تعقيم النفايات الخطرة والمعدية خلال 24 ساعة من تولدها وفق مواصفات تقنية واردة في المقياس الدولي 11134/ 94 ISO وتعديلاته. على أن يتم ذلك في منشآت متخصصة مرخصة من الوزارة بعد درس تقويم الاثر البيئي. ويتم التحقق من فاعلية التعقيم بشهادة يصدرها مدير المؤسسة الصحية. ويخضع هذا القسم لأعمال الرقابة الدورية التي تقوم بها السلطات الصحية المختصة. وعلى المؤسسة الصحية توفير سجل بالوثائق المرقمة بالتسلسل، تسجل الكميات اليومية ونوعيتها - تاريخ عملية التعقيم ورقم حلقة التعقيم وتحفظ السجلات لمدة خمس سنوات.
نقابة المستشفيات
اما نقابة المستشفيات الخاصة فشدّدت على أهمية تفعيل التعاون مع القطاع العام ودور نقابات المهن الطبية، التي لا تقوم بدورها في مجال تنمية القدرات البشرية.
البيئة تشكو و تشتكي
ولان البيئة مهددة كون لبنان ينتج يوميا ما يقارب 11 طناً من النفايات الطبية بين مستشفيات ومختبرات وأطباء اسنان وهي من أخطر انواع النفايات وهي يمكن أن تنقل أي عدوى موجودة أو أي مرض في داخلها الى الناس الموجودين في المنطقة أو في أي تسرب للمياه، وبالنسبة الى الـ11 طنا فإن لبنان يعالج نصفها بطريقة بيئية عبر جمعية أركنسيال وغيرها والنصف الآخر لا يعالج بشكل بيئي. وبحسب وزارة البيئة، فقد كان في برنامج عملها بند هام للعمل مع وزارة الصحة والمؤسسات المعنية لحل مشكلة النفايات الطبية المتأزمة في لبنان. بمعنى أن نصف المستشفيات في لبنان تعالج نفاياتها بشكل بيئي أو أكثر من نصفها بشيء بسيط نحو 55 في المئة، والمستشفيات الباقية ترميها في أماكن عشوائية. اذ كشف وزير البيئة ناظم الخوري أن وزارة البيئة ادّعت على 73 مؤسسة صحية خاصة و 16 مؤسسة صحية عامة لإلزامها التقيد بالمادة التاسعة من المرسوم 13389/2004 لناحية تعقيم نفايات المؤسسات الصحية الخطرة والمعدية الناتجة عنها ''، وأكد '' أن الوزارة أعدت قراراً يتعلق بالشروط البيئية الواجب الالتزام بها من قبل منشآت تعقيم النفايات الطبية الخطرة والمعدية. واخيرا " استطاعت وزارة البيئة ان تحدد كلفة معالجة كل كيلو من النفايات الطبية، كما أن المستشفيات تعمل على اعداد خريطة تفصيلية ضمن دراسة إحصائية توصلت الى أن كل سرير في المستشفى ينتج يوميا 3 كيلو من النفايات بينها كيلو نفايات طبية وكلفة معالجته نصف دولار اميركي فقط .
أرسل تعليقك