بيروت-لبنان اليوم
"دشّنت" الإدارة "الترامبية" قبل مغادرتها المكتب البيضاوي في البيت الأبيض ركائز مشكلة داخل لبنان. فرضت على رئيس التيار الوطني الحرّ جبران باسيل عقوبات "ذات شأن سياسي" وها هي تتوعد بالمزيد في المدى المنظور على منتسبين آخرين إلى "دائرة المقاومة". بخلفية كل ما حصل، واشنطن تريد القول أنها من تتحكم بمسار اللعبة السياسية في الداخل اللبناني! على رأس قائمة الخسائر التي سجلتها العقوبات الاميركية أتى تشكيل الحكومة في المركز الأول. اساساً، كانت الحكومة في موضع تلاطم الامواج بين أكثر من فريق يتناحر داخلياً حول توازنات الحكومة وتوزيعاتها، فكان مستقبلها يميل إلى السواد. الآن جاءت ضربة العقوبات ففرضت نفسها على المعادلة الحكومية. في ظل هذا الجو بات مطلوباً أن تُحال الحكومة إلى طريقة تعامل مختلفة ونمط آخر يحكم عملية التأليف، وقضية التناتش على الحصص ما عادت رابحة في ظل الهجمة الاميركية.
يحيلنا هذا الكلام إلى محاولة الاستفادة من "الحالة الرمادية" التي وصلتها الادارة الاميركية. هناك أجواء تحتل الصالونات منذ ما قبل إعلان فوز جو بايدن في السباق الأميركي، قوامها ان فترة الشهرين الفاصلين عن إجراء عملية "التبديل" على مستوى الادارة الاميركية، لن تكون فترة باردة بل ساخنة، وستحاط بها الكثير من القفزات السياسية والأمنية. لذا المطلوب من المستوى اللبناني ان يبقى درجة اهتماماته مفتوحة وعلى جهوزية عالية لمواجهة كافة الاحتمالات وأن ينجز ما عليه من ملفات داخلية مستفيداً من لحظة الفراغ الاميركية، وإحتساباً لتطورات قد تفرض نفسها لاحقاً.أول من قرأ الرسائل الاميركية كان النائب جبران باسيل بصفته مستهدفاً بالعقوبات. في كلمته بالأمس، تعهد بالاسراع في تأليف الحكومة. قال: العقوبات يجب ان تكون سبباً لتسريع التأليف، رداً على نوايا التعطيل والتخريب" الصادرة من الخارج. في المقابل، باسيل لن يقدم تنازلات على "بساط أحمدي". هو الآخر لديه حزمة مطالب جزء منها أعلن عنه خلال كلامه وآخر ابقاه مستتراً، على رأسه "مكاشفة" يتولى عبرها الرئيس المكلف سعد الحريري إعلان موقف من العقوبات الاميركية. في الواقع، تقول أوساط محيطة برئيس التيار الوطني الحر أن على الحريري إعلان موقف صريح من مسألة العقوبات على جبران باسيل حتى يستأنف مسار تأليف الحكومة أو بالاحرى "تُنتج حكومة".
عملياً، قد يمثّل مطلب من هذا النوع "تكبيلاً" للرئيس الحريري، الذي وفي وضعه الحالي، لا يسعى إلى استدراج مزيد من الازمات ومن أي نوع كانت، لذا، قد يجد إعلاناً من هذا القبيل بمثابة توريط له، وقد يحمل مسار التأليف على الدخول في منخفض بارد يحيل الحركة كلها إلى الجمود. مع ذلك، ثمة مخارج سياسية كثيرة، على رأسها أن يقرّ الحريري مثلاً، بأن العقوبات ليست سوى قرارات أميركية، ويمكنه أن يحذو حذو رئيس الجمهورية ميشال عون الذي طالب بالحصول على الوثائق والادلة التي فرضت الادارة الاميركية بموجبها عقوبات على باسيل. هذا المخرج ينجيه من التورط في تناسل أزمات جديدة.حكومياً، صحيح أن الجميع يريد تحويل لحظة العقوبات الى فرصة لتأليف الحكومة وهذا ما اظهرته النوايا، المعلنة منها والمضمرة، خلال عطلة الاسبوع الماضي، لكن ومع ذلك، لا احد مستعد للتنازل من جيبه. كلام باسيل أمس أوحى بذلك. تحدث عن توحيد معايير و ٣ أمور يمكن من خلالها تأليف الحكومة بغضون ٣ ايام. ذكر أنه لا يجوز جمع وزيرين بحقيبتين "بهذا ضرب لمبدأ الاختصاص"، وطالب بإعادة النظر بتوزيع الحقائب وأعدادها على الطوائف والكتل مع إعتماد آلية واضحة وواحدة للتسمية.
هذا يوحي أن باسيل رافض لمسودة حكومية من ١٨ وزيراً كما يريد الحريري ويطالب بـ ٢٠ وما فوق وغير موافق على التوزيعة الحكومية ويريد درس الاسماء والمشاركة بصياغتها، وهي خيارات بمجملها عادت الرئاسة لتميل إليها وتتبناها بشهادة عدم منح الحريري إيجابات واضحة حول مطالب ورؤى قدمها خلال اللقاء السادس الذي عقد قبل أيام. أجواء من هذا النوع، لها القدرة على إعادة التفاوض حول التصور الحكومي إلى بداياته. في مكان آخر، أوحى كلام باسيل أنه لم يكن يتدخل في مسار التأليف، ليعود ويصبح متدخلاً به اليوم وبمستويات أعلى من ذي قبل.في الطريق إلى ذلك سيكون لحزب الله موقف يتولى الأمين العام السيد حسن نصرالله الإفصاح عن تفاصيله يوم ١١ المقبل في ذكرى "عيد الشهيد". بحسب ما هو ظاهر، الحزب ليس في وارد السماح بولادة حكومة بمعادلات تمثل إنكساراً لجبران باسيل أو تستبطن خلفيات انتقامية ثأرية تجاهه أو لا تلبي شروط الرئاسة خاصة الآن في ظل إدراج باسيل على قوائم العقوبات، وبشكل أوضح، حزب الله ليس في وارد دخول الحكومة من دون التيار ورئاسة الجمهورية، مع ذلك، الحزب ايضاً ليس في وارد نسف أي إمكانية لولادة حكومة، لذا سيعمل مع التيار والرئاسة على فرضية "توحيد معايير وشروط" لفرضها على طاولة مفاوضات لتأليف حكومة سيكون مسارها صعب.
قد يهمك ايضا
أرسل تعليقك