أكد مصدر رفيع المستوى في الإدارة الأميركية لصحيفة "الراي" الكويتية أنه "لا توجد أي عقوبات أميركية على لبنان" أو على أي من المؤسسات الحكومية، وأن بعض العقوبات الأميركية مفروضة على عدد من الأفراد أو الكيانات، المُتَّهَمين بتبييض الأموال أو بتمويل الارهاب.
عدا عن ذلك، فان "الولايات المتحدة لا تعاقب لبنان، بل تسعى دائماً لمساعدته، وهي من المتعهّدين بتبرعات مالية له في حال التزامه إصلاحات اقتصادية من خلال "مؤتمر سيدر"، وهي من المانحين بشكل متواصل للقوات الأمنية، مثل الجيش والأمن العام والأمن الداخلي".
كما تنفق واشنطن على برامج اجتماعية، وتطوير قدرات، وتدريب مجتمع مدني، وتمويل جامعات ومنح تعليم، وتشكل المموّل الأكبر لقوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة (اليونيفيل)، التي ينتشر أكثر من عشرة آلاف من جنودها في الجنوب اللبناني، بتكلفة سنوية تقارب نصف مليار دولار، وفق المصدر.
وتقوم "اليونيفيل" بحملات دعم اجتماعي، بما في ذلك توزيع مساعدات غذائية وطبية على اللبنانيين.
ويقول المسؤول الأميركي لـ "الراي" (في عددها الذي يصدر غداً الأربعاء) إن "الحكومة الأميركية ترصد أموالاً تقارب ربع مليار دولار سنوياً لمساعدة لبنان بأشكال متعددة، منها مالية، عينية، ومباشرة، وغير مباشرة".
وإذ يشير إلى أن الولايات المتحدة "لا تفرض عقوبات على دولٍ وتقوم في الوقت نفسه برصْد مساعدات سنوية مالية وعينية لها"، يعتبر أن "إلقاء اللوم في انهيار اقتصاد لبنان على عقوبات أميركية غير موجودة، هو ضربٌ من الخيال والدعاية والتضليل".
ويضيف المسؤول الأميركي ان الولايات المتحدة "لا تتدخل في الشأن الداخلي اللبناني، وليس لديها أزلام أو محاسيب، ولا تتعامل مع المسؤولين كأفراد، بل تتعامل مع بيروت بندية، من حكومة إلى حكومة، وأنه بغض النظر عمن يترأس الجمهورية أو الحكومة أو المؤسسات الحكومية الأخرى، فإن علاقة واشنطن ببيروت ومؤسساتها تبقى هي نفسها: نحن نتوقّع من دولة لبنان أن تحترم الاتفاقات الدولية المتعدّدة التي توقّع عليها، إن لناحية مكافحة الإرهاب وتمويله، أو مكافحة تبييض الأموال، أو احترام حقوق الانسان".
وبالاجابة عن سؤال حول دور الولايات المتحدة في المَصاعب الاقتصادية التي يعانيها لبنان، يؤكد المسؤول أن "مشكلة لبنان الاقتصادية هي من صنع اللبنانيين أنفسهم، وخصوصاً منهم الذين يولون الحروبَ الاقليمية أولويةً على النمو الاقتصادي". ويتساءل: "هل رأيتَ المستثمرين وأصحاب رؤوس الأموال يتدفقون على دولٍ منخرطة في حروبٍ، أو تعاني من عدم الاستقرار وانفلات الأمن"؟ ويضيف: "رأس المال يهرب من الحروب ويحب الاستقرار وحكْم القانون، ولبنان، مثل ايران أو فنزويلا، تحكمه عصابات مُوازِية للدولة، وهذا يحرم البلاد من الاستثمارات الخارجية".
ويشير المسؤول الى أن السياسة الخارجية الأميركية، تقليدياً، ينْدر أن عاقبتْ حكومةَ أي دولةٍ على ضعفها، بل حاولت مساعدة الحكومات الضعيفة لتبني استقلالها وسيادتها، مضيفاً: "خُذْ سياساتنا في العراق مثالاً. نسعى منذ سنوات لدعم الحكومة العراقية لتقف على رجليْها ضدّ الارهاب والسلاح خارج الدولة، وغالبية العراقيين صاروا يعرفون أين تكمن مصلحتهم، ومَن يعمل عكس مصلحتهم ويحاول ربْطَ بلادهم بالصراعات الإقليمية والدولية".
وكانت دراسة صادرة عن مجموعة من الجمهوريين الأميركيين، تبنّاها عددٌ من نواب الكونغرس، طالبتْ إدارة الرئيس دونالد ترامب بفرض عقوباتٍ على حليفيْ "حزب الله"، رئيس مجلس النواب نبيه بري ووزير الخارجية السابق رئيس "التيار الوطني الحر" جبران باسيل.
على أن الدراسة تمثّل رأيَ فئةٍ جمهوريةٍ فحسب، ومن غير المرجّح أن تتحوّل إلى سياسة عامة تجاه لبنان. ويلفت المسؤول الى أنه، مع بعض الاستثناءات، غالباً ما تسير السياسة الخارجية وفق إجماع الحزبيْن، على سبيل مثال العقوبات التي فرضتْها واشنطن على "حزب الله" نهاية عام 2015، يوم كان الكونغرس بغالبيةٍ جمهوريةٍ في غرفتيْه، ويوم كان الرئيس في البيت الأبيض ديمقراطياً، أي باراك أوباما، ووقّع القانون الذي دخل حيز التنفيذ منذ ذلك الوقت.
ومثله "قانون قيصر" لمحاسبة نظام الرئيس السوري بشار الأسد وحكومته على"تجاوزاتها الرهيبة لحقوق الانسان"، فقد صدر القانون عن مجلس نوابٍ تسيطر عليه غالبية ديموقراطية ووقّعه رئيس جمهوري، أي دونالد ترامب.
وعلى عكس الاعتقاد السائد، تتطلب قراراتُ فرْض العقوبات على حكوماتٍ أو كياناتٍ أو أفراد الكثير من البحث والتمحيص داخل أروقة قرار الإدارة الأميركية. ويقول المسؤول الأميركي لـ "الراي" إن واشنطن لا تفرض عقوبات على مسؤولين لبنانيين في حال ثبت تورطهم في فساد، فهذا شأنٌ داخلي، ولا تفرض عقوبات على مسؤولين لمجرّد تَحالُفهم أو دعْمهم حزب الله، بل أن أي عقوبات يمكن فرْضها على مسؤولين يجب أن تستند الى إثباتاتٍ حول دعم مادي أو مالي يقوم به مسؤولون لبنانيون، للحزب، الذي تصنّفه واشنطن "إرهابياً".
وقبل قرابة عقدين، قام سياسي لبناني، أثناء مشاركته في حفل إفطار، بتقديم تَبَرُّعٍ مالي لمؤسسة تعود لرجل دين كانت واشنطن تصنّفه إرهابياً. ورغم أن السياسي المذكور من خصوم "حزب الله" عموماً ومن "أصدقاء واشنطن"، الا أنه تعرّض لعقوباتٍ تلقائية، وتَطَلَّبَ وقْفُها عملاً سياسياً وإدارياً واسعاً داخل واشنطن.
المعيارُ الأميركي لفرْض عقوباتٍ يستند الى مساعداتٍ مادية، عينية أو مالية، يقدّمها أي شخص لأي كيان أو فرد مصنَّف ارهابياً أو منخرط بتبييض الأموال. أما الحكومات، فلا يمكن تصنيفها "إرهابية" أو داعمة لتبييض الأموال، وهو ما يعني أن فرْض عقوبات على حكومات يكون غالباً بسبب سياستها التي ترعى الإرهاب أو تبييض الأموال، أو تهدّد السلم الدولي، مثل قيام روسيا باحتلال شبه جزيرة القرم الاوكرانية.
وفرْضُ العقوبات، عمليةٌ إدارية معقدة، وتتطلّب مشاركة اربعة وزارات فيديرالية، هي العدل والخزانة والخارجية والدفاع، وموافقتها كلها بناء على قرائن وإثباتات مؤكدة.
ويختم المسؤول الأميركي: "نتمنى للبنان كل الخير والاستقرار والسلام والبحبوحة، ومشكلة اللبنانيين الاقتصادية لا ترتبط بنا، ولا عقوبات نفرضها على لبنان، بل مشكلة اللبنانيين هي سياسات حكامهم التي أبعدتْ المستثمرين والأموال عن البلاد، ونتمنى أن يدركوا خطأهم ويعملوا على إصلاحه".
قد يهمك أيضًا
ايران تواجه عقوبات أميركية مشددة
عقوبات أميركية على 3 مسؤولين في "حزب الله" و12 شركة تابعة له
أرسل تعليقك