عشية تشكيل الوزارة السودانية الجديدة وتعيين طاقمها في القطاع الاقتصادي، تعالت أصوات شركاء صناعة الخبز في البلاد (أصحاب المطاحن والشركات والمخابز)، لإعادة هيكلة الدعم الحكومي المقدم لسلعة الدقيق، الذي يصل إلى نحو 300 مليون دولار سنوياً، وذلك لإنهاء الأزمات المتلاحقة في هذه السلعة الاستراتيجية.
وأعلن الشركاء عن خطة وبرنامج للحل الجذري لأزمة الخبز التي تلاحق البلاد منذ سنين، مؤكدين أن الخاسر الأول هو المواطن السوداني، الذي خصص له هذا الدعم، الذي يذهب لغير المستحقين من الأجانب، ويهرب بكميات كبيرة إلى الدول المجاورة، وتستفيد منه شركات الطعام. وفيما يطالب اتحادي أصحاب المطاحن والمخابز، برفع يد الدولة عن تجارة الدقيق وتحرير سعره، باعتباره الحل الجذري والأمثل لمشكلة الخبز التي عاني منها المواطن السوداني طيلة الأعوام الماضية، تواصلت أمس أزمة الخبز في البلاد.
ووقفت جولة ميدانية لـ«الشرق الأوسط» في أحياء بالعاصمة السودانية الخرطوم، أمس، على انتشار صفوف المواطنين للحصول على الخبز أمام المخابز التي تطل على الطرقات الرئيسية. وفي ذات الوقت، تؤكد الجهات المعنية في اتحاد المخابز ووزارة المالية والمطاحن، أن كل العناصر المهمة في صناعة الخبز قد تم توفيرها للمطاحن والمخابز، والتي تؤكد بدورها ترحيلها لكميات وحصص الدقيق لكل المحلات العاملة في الخبز في العاصمة والولايات. ويعتقد الدكتور عبد المنعم محمد الطيب، وكيل وزارة المالية والتخطيط الاقتصادي في حديث لـ«الشرق الأوسط»، أن أصحاب المطاحن والمخابز لا دخل لهم بتحرير الدقيق أو دعمه، مشيراً إلى أن الكميات المخصصة لهم من الدقيق تصلهم بالكامل دون نقصان.
وحول الأزمة الحالية التي امتدت مع عطلة الأضحى في 9 أغسطس (آب) الحالي، والتي بلغت فيها الندرة والنقصان حداً لا يوصف، قال وكيل المالية إن السلطات قامت بتسليم الجهات المعنية الكميات كافة حتى بعد نهاية عطلة العيد، بما في ذلك الولايات، مشيراً إلى أن أي مخبز أو مطحن لم تصله حصته كاملة، فعليه أن يبلغ السلطات المحلية بذلك.
وفيما عزا بدر الدين الجلال، الأمين العام الأسبق والمستشار في اتحاد المخابز السوداني، الأزمة الحالية الممتدة من أسبوعين، إلى مشكلات داخلية بين أطراف صناعة الخبز، وتعطل سيارات النقل بسبب الأمطار، قال إن الكميات المتوافرة لدى المطاحن تكفي حاجة البلاد للشهور المقبلة، خاصة بعد تلقى الخرطوم دعماً خليجياً وكميات من الدقيق.
ويشير الجلال إلى أن المشكلة كانت في الدقيق والغاز والعمالة، بجانب تلكؤ بعض شركات الغاز في ترحيل الغاز إلى المخابز وفرضهم رسوماً إضافية. وقال إن الحلول الحالية لحل أزمة الخبز غير مجدية، وليست جذرية لمعالجة المشكلة، مشيراً إلى أن هناك مقترحات حلول وخطط من قبلهم وبقية الشركاء، ينتظرون بها الحكومة الجديدة، خاصة أن الوضع ذاهب في التفاقم، ويخسر الشركاء يومياً ويصابون بالضرر في الصناعة، معلناً جاهزيتهم لتقديم الفكرة للحكومة الجديدة حال تشكيلها.
وأضاف الجلال أن كل جهة من الشركاء لديها تصور لحل الأزمة من جذورها، وتلتقي تلك التصورات في فك وتحرير سلعة الدقيق، وتشديد الرقابة على أوزان الخبز، مشيراً إلى أن هذا الأمر يجب حسمه في أسرع وقت ممكن، خاصة أن جميع الأساليب التي ساهمت في أزمات الخبز ما زالت ماثلة.
وقال إن الحل الجذري لمشكلة الدقيق هي التحرير لسعره، ما سيجعل المطاحن تتنافس في جودة الدقيق، وتحديد مواصفات للقمح المستورد، حتى يعود السودانيون لسابق عهدهم في استخدام الدقيق الأسترالي والكندي، بدلاً عن الروسي الحالي، كذلك إلغاء الجمارك على الدقيق المستورد للسودان، الذي يصنف من أرخص أنواع الرغيف في العالم، عندما تحدد سعره مقابل الدولار، ويبلغ سعر الرغيف في السودان جنيهاً واحداً، ويساوي الدولار نحو 70 جنيهاً في السوق الموازية في البلاد.
من جهته، يشير حسن حسين شريف، مدير عام مطاحن «ويتا» التي تسيطر على ثلثي حصة الدقيق والمطاحن في البلاد، في حديث لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن المطلوب هو إعادة هيكلة الدعم الذي يقدم حالياً لغير المستحقين من السودانيين، مشيراً إلى أن لديهم مقترحات لانتشال البلاد من أزمات الخبز، على رأسها وقف الدعم والتوجه لمزارعي القمح وزيادة دخول المواطنين.
وقال إن اتحادهم لديه مخططات للتعامل مع مرحلة ما بعد رفع الدعم وتحرير السوق، تركز على تخصيص بعض المخابز للعمل ببطاقات تموينية يستفيد منها المواطنون السودانيون فقط، وأن تعمل كل المخابز ببطاقات ممغنطة، مثل بطاقات الصراف الآلي، ودعم الكهرباء والغاز، وأن يحرر سعر الرغيف ليشتريها الأجنبي بالسعر التجاري.
وتقدم الحكومة السودانية دعماً بمبلغ 680 جنيهاً لكل جوال دقيق يسلم للمطاحن التي تفوق طاقتها الكميات التي تطحنها، فيما يباع جوال الدقيق إلى المخبز بـ560 جنيهاً، ما يشير إلى أن سعره الحقيقي هو 1240 جنيهاً.
وتبلغ إنتاجية المطاحن السودانية 100 ألف جوال في اليوم، أي أن السودان يصرف في اليوم على الخبز 68 مليون جنيه سوداني (نحو مليون ونصف المليون دولار). ويبلغ سعر جوال الدقيق داخل السودان نحو 9 دولارات، فيما يبلغ سعره في الدول المجاورة 30 دولاراً، ما يشير إلى تجارة تهريب واسعة للخبز السوداني المدعوم.
أخبار قد تهمك:
شاهد: مكونات أصلية من الحبوب الأسترالية تزيد الخبز فوائد صحية متعددة
شاهد: المجلس السيادي في السودان يرجئ بدء العام الدراسي إلى حين تشكيل الحكومة الانتقالية
أرسل تعليقك