كشف تقرير لـ"مجموعة الأزمات الدولية" أمس الخميس، أن التجاذبات السياسية المتعلقة برحيل رئيس الحكومة التونسية يوسف الشاهد، أو بقائه، باتت تشل العمل الحكومي والإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية المعلقة، وفقًا لتقرير نشرته وكالة الصحافة الفرنسية أمس.
وتواجه تونس، مهد الربيع العربي منذ ثورة 2011، صعوبات اقتصادية وتزايد المطالب الاجتماعية في بلد تصل فيه نسبة البطالة إلى 15.4 في المائة، وللمساعدة على تجاوز هذه الأزمة منح صندوق النقد الدولي الدولة التونسية قرضا مقابل إنجاز إصلاحات اقتصادية واسعة، غير أن الجدل السياسي احتدّ مؤخرا بخصوص بقاء أو رحيل الشاهد، حيث بدأت منذ أشهر أحزاب سياسية كثيرة تطالب باستقالة الشاهد بسبب المشكلات الاقتصادية التي تعاني منها البلاد، ومن بينها جناح في حزب "نداء تونس"، الذي يقوده حافظ قائد السبسي نجل رئيس الجمهورية، إضافة إلى "الاتحاد العام التونسي للشغل"، النقابة العمالية الواسعة النفوذ. وفي منتصف يوليو /تموز الماضي، أثار رئيس البلاد الباجي قائد السبسي مقترح استقالة الشاهد، الذي يدافع حزب "حركة النهضة" عن بقائه.
وأشارت "مجموعة الأزمات الدولية" في تقريرها إلى أن "الصراع متواصل بين المناهضين والداعمين للشاهد... وحالة عدم اليقين بخصوص مواصلة حكومة الشاهد لمهمتها تساهم في شل العمل الحكومي".
كما أكد التقرير أن فرنسا والاتحاد الأوروبي تعتبران "الشاهد شخصية سياسية ديناميكية، قادرة على الوفاء بالتزامات تونس أمام الممولين"، وأن عدم الاستقرار السياسي هو الذي "يؤخر إنجاز الإصلاحات".
ووفقا للتقرير ذاته فإن "الاتحاد العام التونسي للشغل"، الذي يطالب بشدة برحيل الشاهد، هو "المسؤول الرئيسي عن تعطل الإصلاحات الاقتصادية وتجزئة التسلسل القيادي في الإدارة العمومية، وانفجار مطالب الزيادة في الأجور".
وأضاف التقرير موضحا "إذا ارتفعت وتيرة الضغوط السياسية والاجتماعية خلال الأشهر القادمة، فإن تشكيل حكومة تكنوقراط يمكن أن يكون حلا أخيرا، ومؤقتا لتدعيم الثقة مع المؤسسات".
وذكر المحللون الذين أعدوا التقرير أن رحيل الشاهد أو بقاءه أمر "ثانوي" بالنسبة للسكان، ولكن "بصفة مستعجلة، يجب على الأحزاب السياسية أن تظهر أنها استعادت مفهوم الدولة".
وفي غضون ذلك، يُطرح تساؤل أساسي في تونس بشأن العناصر التي يستمد منها الشاهد قوته. فعلاوة على حركة النهضة، التي دعا رئيسها راشد الغنوشي إلى الحفاظ على الاستقرار السياسي قبل الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقررة خلال السنة المقبلة، والمحافظة على رئيس الحكومة، شرط إعلان هذا الأخير عدم الترشح إلى الانتخابات الرئاسية، فإن الشاهد يستمد جزءا من قوته، وفقًا لبعض الملاحظين، من الانقسامات داخل قيادات حزب النداء وكتلته النيابية في البرلمان، كما أن الظرف الأمني والاجتماعي يصب لصالحه، إذ يدرك الشاهد أن تونس تعيش حاليا تحت وطأة قانون الطوارئ، الذي أقره الرئيس الباجي قائد السبسي لمدة 7 أشهر متتالية.
ووفق تصريحات بعض أساتذة القانون، فخلال هذه المدة لا يمكن تقديم "لائحة لوم" ضد الحكومة، وفق الفصل 97 من الدستور التونسي، في ظل حالة الطوارئ، التي تخول لرئيس الحكومة عدة إجراءات استثنائية حفاظا على الأمن والاستقرار.
كما ينص الفصل 80 من الدستور على أنه "لا يمكن لثلث أعضاء مجلس نواب الشعب "البرلمان" تقديم "لائحة لوم" ضد الحكومة عندما تكون البلاد في حالات استثنائية، على غرار حالات الطوارئ والحصار، أو اعتبار المنطقة منكوبة، وهذه الحالة تنطبق على الوضع الحالي في تونس" التي تعيش حالة طوارئ.
وعلى المستوى السياسي، ما زال الثلاثي المتكون من حافظ قائد السبسي نجل الرئيس، ورءوف الخماسي وسفيان طوبال، وهم من أهم القيادات السياسية المؤثرة في حزب النداء، ينادون بضرورة الإطاحة بحكومة الشاهد.
وتلقى دعوات قيادات "النداء" دعما قويا من قيادات "الاتحاد العام التونسي للشغل" (نقابة العمال)، بزعامة نور الدين الطبوبي، الذي طالب في أكثر من مناسبة بضرورة تغيير "ربان السفينة"، على حد تعبيره، بعد إقرار برنامج اقتصادي واجتماعي جديد، والإقرار بفشل حكومة الوحدة الوطنية، التي يقودها الشاهد في حل الإشكالات الاقتصادية والاجتماعية المعقدة.
أرسل تعليقك