حمص – عادل نقشبندي
تعيش مدينة حمص وسط سورية منذ ما يقارب سنة، واقعاً يختلف بمعطياته عن أي مدينة سوريّة أخرى، واقعاً فرضته ظروف الأزمة وثبتته الأحداث الجارية في المدينة، فقسمتها إلى أجزاءٍ أربعة وكأن كل جزء منها مدينة بحدّ ذاتها، ولكل "مدينة" منها نمط حياة مختلف لا يشبه الآخر في أيٍّ من تفاصيله، والاتفاق الوحيد بينها هو الألم المقيم فيها.وفي تقرير للمعارضة السورية حول أحوال المدينة، قسمها إلى أربع مدن، وبدأ التقرير بالحديث عن الأحياء المحاصرة التي تشكل أكثر من نصف مساحة مدينة حمص، دمارٌ لا يشبه ذلك الذي نراه في الأفلام الهوليودية عن المدن المنكوبة والبلدان التي عانت حروباً مماثلة، فبعد حصار قارب 16شهراً، تعاني هذه الأحياء بمن فيها من عائلات وبضع عشرات من المقاتلين من نقص حاد في المواد الغذائية والطبية، حتى يكاد "البرغل" المادة الوحيدة المتبقية فيها، عدا عن الأمراض والمشاكل الصحيّة، التي تصعب معالجتها في ظلّ قصف لم يتوقف منذ بداية الحصار وحتى اليوم.في هذه الأحياء المعارضة يعاني الناس من سيطرة أمنية خانقة، تمثلها حواجز للدفاع الوطني (الشبيحة) المنتشرة في كل مكان، والرقابة الأمنية صارمة على أي تحرّك، حتى بات المرور من حي لآخر محاذٍ مشكلة كبيرة, فالمرور مثلا من الحمرا إلى الإنشاءات، يتطلب أن يتجاوز الشخص حاجزين أمنيين لفرعيين مختلفين.أن تعيش في هذه الأحياء المصنفة على أنها "آمنة" يعني أن يكون المرء مطمئناً، فلا اشتباكات ليلية ولا قصفاً يوميا، لكن ذلك لايمر بلا ثمن، فالاقتحامات لا تهدأ والاعتقالات على مدار الساعة، ويكفي أن تمرّ على حاجز من الحواجز المنتشرة بكثرة لتعتقل سواء أكان السبب موجودا أم لا.الوعر، حمص الجديدة كما تعرف بين الحماصنة، بمساحتها الكبيرة وبعدها عن مركز المدينة، مزيج بين القسمين السابقين، حيٌ تنهمر عليه القذائف ولو بشكل أقل مما يحصل في حمص المحاصرة، وهو حي مليء بالسكان والنازحين كما في الأحياء المعارضة الواقعة تحت السيطرة الأمنية، إنما السيطرة هنا للجيش الحر.لا اعتقالات ولا اقتحامات في هذا الحي، وهذه ميزة يتفوق بها على بقية الأحياء كالغوطة وكرم الشامي والمحطة، لكن أي ردّ على عملية ينفذها الجيش الحر تكون بقصف المدنيين في هذا الحي، وهذه سلبية قياسا للأحياء السابقة الذكر، والحمصي المحتار في مكان سكنه بين شطري المدينة المعارضين يكون أمام خيارين، أحلاهما مرّ.رابع المدن الحمصية حسب التقرير هي الأحياء المؤيدة في طرفها الشرقي والتي تعيش حياة أخرى لا تشبه بقية أجزاء المدينة الثلاثة ، فلا لاجئين ولا اعتقالات وخدمات متوفرة بأمر من النظام.ومن قاربت أعمارهم سن الخدمة العسكرية اختاروا الانضمام لجيش الدفاع الوطني (الشبيحة) بدلا من الجيش النظامي، فالمغريات المالية أكبر والعمل التشبيحي يقتصر الأحياء المجاورة، ولا يمتد إلى مدن أخرى كما هو حال الجيش.لا يعكر صفو ليل هذه الأحياء أي شيء إلا أصوات القصف على أحياء المدينة القديمة أو الوعر كونها صادرة من راجمات صواريخ مثبتة في حدائق عكرمة والنزهة والزهراء، وأحياناً بضع قذائف متفرقة في فترات زمنية متقطعة، تأتي هناك وهناك وتحقق بعض الإصابات في صفوف الشبيحة والمدنيين.
أرسل تعليقك