تعهدت القيادة الكردية السورية بالدفاع عن ولايتهم في شمال شرق سورية حتى النهاية، ويُخشى من الوفاق المتزايد بين الحكومتين السورية والتركية في معارضة النزعة الانفصالية الكردية في الوقت الذي تعثر فيه دعم الولايات المتحدة للأكراد، وأوضح مسؤول كردي سوري رفيع المستوى في مقابلة حصرية مع صحيفة الإندبندنت أن الأكراد سيقاتلون حتى الموت لمنع تركيا من غزو المنطقة، مشيرا إلى المصالحة المحتملة بين دمشق وأنقرة بشأن المسألة السورية، ويرى الأكراد السوريون الذين كانوا الحلفاء الأكثر فعالية للولايات المتحدة في الحرب ضد داعش في سورية ضحايا محتملين للخيانة الدولية، حيث دعمت الولايات المتحدة التدخل العسكري التركي في سورية في 24 أغسطس/ أب وطالبت الوحدات السورية الكردية الشعبية (YPG) التي نجحت في استعادة بلدة منبج من براثن داعش بعد حصار عسير بالانسحاب إلى شرق نهر الفرات، وهو ما كان ضربة مريرة للأكراد، وكان الأكراد عرضة للهجمات من قبل العديد من الأعداء الذين يطوقونهم وخاصة تركيا وربما في المستقبل الحكومة السورية من دون دعم الولايات المتحدة.
وأفاد سيهاونوك ديبو كبير مستشاري الزعيم الكردي السوري صالح مسلم في القامشلي العاصمة الكردية السورية في مقابلة عبر البريد الإلكتروني أنه يرى القتال بين الوحدات الكردية الشعبية وقوات الحكومة السورية في الحسكة عاصمة الإقليم الشمالي بوصفها علامة على أن سورية وتركيا على الجانب نفسه عندما يتعلق الأمر بالأكراد، وهاجم سلاح الجو السوري الوحدات الكردية في 18 أغسطس / أب في وحول الحسكة للمرة الأولى في خلال 5 سنوات من الحرب، وأضاف السيد ديبو " ما حدث في الحسكة ليس مجرد صراع محلي لكنه لعبة بني القوى الإقليمية، وبعبارة أدق فالحكومة السورية وتركيا على الرغم من العداء الحالي لبعضهما البعض لكنهم ضد أي شكل من أشكال الانفصال الكردي بما في ذلك الحكم الذاتي المحلي، وفي الآونة الأخيرة لمحت تركيا إلى أنها ربما تتحرك لتطبيع العلاقات مع الرئيس السوري بشار الأسد، وكانت استجابة الحكومة السورية على مقترح تركيا بعودة العلاقات كما كانت قبل 2011 ليس بالتصريحات ولكن بالفعل حيث قصفوا الحسكة".
وأوضح ديبو أنه يشك في أن تركيا لديها خطة متماسكة حول كيفية التعامل مع الأكراد السوريين، ويعتقد أن الغزو واسع النطاق في المنطقة الكردية سيفشل بسبب المقاومة الكردية ولأن تركيا لم تفكر فيما تقوم به لكنها تتصرف بشكل عشوائي، ويعتقد المراقبون الأجانب أن الأكراد السوريين كشفوا عن مؤامرة منسقة ضدهم والتي لا وجود لها في الواقع، ولكن لا شك أن القيادة الكردية السورية تعاني من ورطة على عدة جبهات منذ أغسطس/ أب عندما صنعت تقدما مذهلا على الأرض بعد فوزها في معركة كوباني ضد داعش أوائل 2015، وسيطرت على مناطق شاسعة من شمال سورية، ويأتي القتال في الحسكة بعد أن سيطرت القوات السورية الديمقراطية (SDF) وهي جزء أساسي من وحدات الحماية الكردية الشعبية على بلدة منبج، وهي بلدة استراتيجية في شمال حلب، وفي 13 أغسطس/ أب التقى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الرئيس الروسي بوتين، ويبدو أنهما توافقا بشأن احتمل التدخل العسكري التركي المحدود.
وتحفظت روسيا بشكل يدعو للدهشة بشأن العمل التركي، وربما يكون نجاح العملية العسكرية الكردية والأميركية أدى إلى نفور روسيا، حيث تواجد 50 ألف مقاتلا من الوحدات الكردية على أرض الواقع بدعم من الطيران الأميركي، وكان السبب السابق لدى روسيا لدعم الأكراد السوريين ببساطة أنهم مناهضين لتركيا في الوقت الذي اشتد فيه العداء التركي الروسي عقب إسقاط الطائرة الروسية المقاتلة بواسطة طائرة تركية في 24 نوفمبر/ تشرين الثاني العام الماضي، ولكن عندما توافقت أنقرة وموسكو أصبح الروس في حاجة أقل للأكراد، وربما كان الأكراد ناجحين جدا لصالحهم، حيث يعد انتصارهم في منبج وتقدمهم شمالا نحو بلدة جرابلس التي تسيطر عليها داعش على الحدود السورية التركية، وغربا نحو عفرين خطوات بعيدة المنال بالنسبة للعديد من القوى المتورطة حاليا في الصراع السوري.
وقال ديبو إنه من المهم أن هجوم القوت المسلحة السورية في الحسكة جاء بعد تحرير منبج والمصالحة بين تركيا وروسيا، وتعد القصة الحقيقة لما حدث مظلمة بشكل أكبر، حيث أن الأكراد السوريين كحليف أشادت به الولايات المتحدة كثيرا والمجتمع الدولي ضد داعش لم يُقدر أن هناك حدود لحماية الولايات المتحد ضد التدخل التركي على أرض الواقع، وربما لم يوضح الأميركيون الأمر عمدا، واتضح ذلك منذ صيف 2015 ولكن تم تأجيله بسبب شكوك الولايات المتحدة حول المشروع فضلا عن التصميم الروسي لمعاقبة تركيا في أول فرصة بسبب إسقاط الطائرة الروسية.
وبدأ القتال في الحسكة الكردية القريبة من حقول النفط في شمال شرق سورية لأسباب محلية، وتسيطر قوات الحماية الكردية على المدينة بعد قتال داعش بواسطة الميليشيات العربية الموالية للحكومة السورية والجنود السوريين لكن العلاقات بينهما دائما متوترة، وبدأ القتال بين الميليشيا وقوات الأسايش الشرطية الكردية، فيما دعم الجيش السوري الميليشيات بأسلحة ثقيلة وشنت قوات الحماية الكردية هجوما ناجحا وطوقت المدينة، ثم قصفت القوات الجوية السورية أهداف قوات الحماية الكردية ما أسفر عن مقتل العديد من المدنيين الأكراد في حين فر آخرون من المدينة، وكان الجيش السوري يعمل في حلب وأماكن أخرى ضد داعش والمعارضة السورية المسلحة، إلا أن كلا الجانبين أكدوا على عدائهم العميق، وأفاد ديبو أن الأكراد يريدون ببساطة نظام فيدرالي لا مركزي يمنحهم الحكم الذاتي في حين نفذت الحكومة الديكتاتورية التقليدية عشرات المجازر، مشيرًا إلى أن كلا الجانبين لا يمكن أن يكونوا حلفاء على الرغم من أن كلاهما يقاتل داعش.
واحتوت الحرب السورية على لحظات حاسمة وأحداث مُغيرة للأمور تحولت إلى كونها أقل أهمية عما كان يُفترض، ولا يزال الصراع الدموي مستمر بلا هوادة، إلا أن تدخل الجيش التركي منذ 10 أيام غيّر العلاقة بين الخصوم في الحرب حيث لعبت معارضة الأكراد والتحالف العسكري الأميركي الكردي دورًا أكبرًا، ويتفق المحلل الاقتصادي والسياسي في دمشق شادي أحمد على أن القواعد الأساسية للنزاع السوري تتغير، مضيفا " بدأت تركيا تفهم حاليا أنها دعمت داعش من أجل إضعاف الحكومة السورية، لكن هذا ينعكس حاليا على تركيا لأن سورية الأضعف تعني أن الأكراد أقوى، كما أن العامل الكردي يخفف حدة التوتر بين روسيا وتركيا والعراق وإيران والذين يعتقدون أن ما يقولوه أي زعيم كردي في أي دولة عن الحكم الذاتي أو الفيدرالي فإنهم يريدون دولة مستقلة".
وأشار أحمد إلى أن تركيا وروسيا عدلت لغتهما تجاه بعضهم البعض، وكانت تركيا تزعم دائما أن وحداث الحماية الكردية وحكام المنطقة الكردية في شمال سورية هم ببساطة الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني (PKK)الذي تحاربه الدولة التركية منذ عام 1984، وأشار الجيش السوري مؤخرا فقط إلى القوات الكردية باعتبارها "حزب العمال الكردستاني"، ويركز القادة الأتراك بشكل أقل على رحيل الأسد كشرط مسبق لإنهاء الحرب، إلا أن السيد أحمد أعرب عن ثقته في أن أردوغان لن يتوقف عن دعم وإمداد المعارضة المسلحة في سورية، والتي يعد نحو 80% منها تحت سيطرته وأحد أوراقه الرئيسية في الصراع.
ويشترك حاليا العديد من اللاعبين الدوليين في الأزمات والمواجهات المتعددة في سورية بما يجعل تقدم كل طرف مقيد، وتأمل داعش في أن تتابع العديد من الدول والأطراف مصالحها الخاصة في هذا النزاع أثناء تظاهرهم بمحاربة الإرهابيين وهو ما يضمن لداعش البقاء، ولا يملك الأكراد السوريون خيار سوى الاستمرار في التحالف مع الولايات المتحدة آملين في آلا يتخلى عنهم الأميركيون لتركيا أو أي حكومة سورية في المستقبل، ويقول ديبو أنه على الرغم من دعم الولايات المتحدة للتدخل التركي المحدود وانسحاب القوات الكردية غلى شهر الفرات إلا أن القوات الكردية لن تقلل هجماتها ضد داعش، واضاف ديبو بالنسبة للهجوم على العاصمة السورية لداعش الرقة " تحرير الرقة هو هدف استراتيجي لقوات الدفاع السوري والقوات الكردية والذين سيبذلون قصارى جهدهم للسيطرة على المدينة على الرغم من صعوبة ذلك بعد التدخل التركي".
ويرى ديبو أن الخطر على 2 مليون من الأكراد السوريين هو أن يتم عزلهم بغض النظر عن العلاقة العسكرية غير المستقرة مع الولايات المتحدة، وبالنسبة لتركيا فربما جعلت نفسها لاعبا هاما في سورية عن طريق التدخل العسكري، لكنها لم تحل مشكلتها الأساسية، لقد أوقفت التوسع الكردي في اتجاه الغرب ولكن هناك في الواقع دولة كردية في شمال سورية من شأنها أن تكون مصدر إلهام وملاذ للأقلية الكردية المحاصرة في تركيا، وبالنظر إلى اختيار تركيا للحل العسكري للمسالة الكردية ي الداخل فربما تأمل أيضا في الفوز على الأكراد السوريين عبر الحدود، وربما نجد أن الأتراك مثل الأميركان في فيتنام قبل نصف قرن حيث تدخلوا في كمبوديا فقط ليكتشفوا أنهم نشروا الحرب بدلا من إنهائها، وحقا أن المشهد السياسي في سورية يتغير ولكن بالنظر خلاله نجد هناك احتمال لمزيد من الحرب.
أرسل تعليقك