لم يتمكن احد في البداية من فك لغز طرح الوزير السابق محمد الصفدي لرئاسة الحكومة بالشكل الذي حصل، خصوصًا أن الصفدي من ضمن "البلاك ليست" للسياسيين المطلوب ترحيلهم من قبل الانتفاضة الشعبية، ولكونه من "الاسماء المستفزة" للشارع الملتهب من شهر. لكن الشكوك كانت قائمة حول وضع اسمه في خانة المناورة ولعبة شد الحبال وفي اطار حرق اوراقه الحكومية.
لم يَطُلْ الوقت كثيراً ليكتشف الصفدي انه مجرد "طعم" رُمِيَ بين المتصارعين على حلبة الحكومة، ظهر بعدها جزء من الملابسات بتبادل اتهامات وتسريبات بين "بيت الوسط" و"ميرنا الشالوحي" ومعطيات اخرى، دفعت الصفدي للانسحاب وسحب التداول باسمه فماذا حصل؟.
تنطلق اوساط سياسية في مقاربتها المسألة بأن طرح اسم الصفدي لم يكن منطقياً منذ البداية، لكن القوى السياسية رمت ورقة الاتفاق لتحصد ردود الفعل عليها. واول الردود جاءت سلبية باستثارة الشارع مجدداً بدل تهدئته، وعودة الامور الى المربع الأول للأزمة.
في الشكل ظهر ان خيار الصفدي اصطدم برفض مزدوج من الشارع ومن رؤساء الحكومة السابقين، وعدم توافر الدعم الفعلي اللازم والشخصي من رئيس الحكومة المستقيل، برغم إعلان الحريري دعمه له بلا تردد.
خلف سطور رمي الاسم يمكن قراءة خلفيات وحسابات كثيرة. فمن جهة التيار الوطني الحر الرسالة كانت واضحة بعدم العرقلة. وتسهيل الحلول، واستقبال الصفدي واعلان انسحابه بعد لقاء الوزير جبران باسيل تفسيره ان الفريق العوني ليس من انقلب على التفاهمات وتنصل منها ورمي الكرة في ملعب رئيس الحكومة المستقيل.
بينما جرت من جهة رئيس الحكومة المستقيل محاولات للإيحاء ان لا دخل له بالعودة الى الازمة. ووفق مصادر "المستقبل" فإن الحريري باقٍ على موقفه بالتمسك بحكومة تكنوقراط، مع إبقاء الباب مفتوحاً للمفاوضات.
لكن الغوص في شياطين التفاصيل يُظهر ان ترشيح الصفدي لرئاسة السلطة التنفيذية من اي جهة اتى قدم خدمة مجانية للحريري، وان الاخير اكثر المستفيدين مما حصل. فهو استطاع جمع الشارع السني والطائفة حول شخصه واثبات انه المرشح الاقوى لرئاسة الحكومة، بعد رفض رؤساء الحكومة السابقين السير بخيار الصفدي. وبعد بيان دار الفتوى لدعم الحريري. اكثر من ذلك ثمة من يقول ان الحريري صار المفاوض الاكبر في التكليف والتأليف وفي العودة وفق شروطه
، ولم يعد مخفيا ما نُقل عنه من كلام "لن أعود الى الحكومة وكلها 6 أشهر ويعرفون قيمتي".
العنصر الأقوى الذي يملكه سعد الحريري يتمثل بحركة الشارع السني، حيث رُصد في الساعات الاخيرة تصعيد في الشارع قبل انسحاب الصفدي، تمثل بقطع الطرقات في مناطق الشمال والبقاع المؤيدة "لتيار المستقبل"، التي دخلت على خط لعبة التفاوض على رئاسة الحكومة ايضا.
عزز خروج الصفدي نظرية "المؤامرة" واحراق اوراقه، كما اكد معادلة انه لا يوجد رئيس للحكومة اليوم بمرتبة سعد الحريري وحجمه الاقليمي والداخلي، فاسم الصفدي حظي بموافقة الثنائي الشيعي والعهد وفريق التيار، لكنه هوى في التفاصيل والتجاذبات، وعلى طريقة ما يجري دائما في بازارات التكليف والتأليف.
في تقدير المراقبين ان الطرح كان عملية جس نبض او "بالون" اختبار" ليس اكثر. واسم الصفدي سقط قبل ان تحصل الاستشارات الملزمة، والبلاد دخلت في "كباش" آخر سيقود الى مفاوضات جديدة او مراوحة، تتضمن البقاء في مربع حكومة تصريف الاعمال حتى ايجاد المخرج المناسب لكل الاطراف، الا اذا حصل ما ليس في الحسبان من تطورات.
قد يهمك أيضاَ
تعرف على قصة حمزة الجائع" عاشق كنتاكي أول داعشي بريطاني دخل العراق
أحد الوحدة" أعاد الثورة اللبنانية إلى أيامها الأولى ووحد الهتاف "كلن يعني كلن
أرسل تعليقك