ارتبطت أزمة تعاطي الأطفال للمخدرات في العراق منذ الاحتلال الاميركي للبلاد وحتى هذه الساعة التي تغرق فيه البلاد في الفتنة الطائفية، والتي أدت الى ازدياد عدد أطفال الشوارع، ارتباطًا وثيقًا بتردي الاوضاع الاقتصادية للأسر العراقية، وما رافق ذلك من تفكك أسري، وتعدد حالات الطلاق والانفصال بين الزوجين، الى جانب الأعمال الإرهابية والعنف الطائفي والتهجير القسري.
فالحصول على المخدرات يتم بسهولة، فهي تباع عند مداخل المدارس في مناطق عديدة من العاصمة، بل أن البعض من الأطفال يُستخدمون لتهريب المخدرات إلى داخل المدرسة.
اطفال المخدرات ظاهرة ليست حديثة، ولكنها بدأت تنتشر في اغلب محافظات العراق وداخل ازقة العاصمة بغداد الى جانب البنزين ودواء السعال والتنر وغيرها من مهدئات الاعصاب نراها بين ايدي صغار لا يتجاوز اعمارهم العاشرة من عمرهم .
"العرب اليوم" سلطت الضوء على بعض الحالات من خلال تنقلها بين الازقة والشوارع فكانت لها وقفة مع الطفل رزاق الذي يبيع خضار في منطقة "حي الجهاد" عندما كانت تصرفاته وحركاته غير اعتيادية ويشكو من نحول مستمر.
رزاق في صباح كل يوم يفتح عربته التي يبيع عليها الخضار ويحضر معها (جلكان بنزين) ويبدأ بشمه كل ربع ساعة، قال: لا استطيع قطع الشم فقد اصبحت مدمنًا عليه رغم ان اخي الكبير منعني وعاقبني كثيرا إلا انني لم استطع , وبعد السؤال عن سبب شمه للبنزين اجاب رزاق: عندما اجبرني والدي على ترك المدرسة ووالدتي مريضة عاجزة عن العمل اصبحت ارى الحياة مظلمة ومتعبة، ورأيت اصدقائي ينصحوني بشم البنزين لكي انسى ".
فهذه الحالة التي يعيشها راضي احدى الحالات التي يعاني منها الكثير , والدور الرقابي ضعيف لأبعاد صغار المخدرات عن تعاطيها.
بينت العلامات الدالة على تعاطي وإدمان المخدرات من الممكن اعتبار التغير الذي يطرأ على أنماط السلوك والمظهر والأداء مؤشراً على تعاطي المخدرات ,أشكال التدهور البدني الناجم عن تعاطي المخدرات يشمل ذلك وجود هفوات الذاكرة " النسيان" ، ضعف الذاكرة للأحداث القريبة، صعوبة في عملية التذكر.
ضعف ووهن في الجسم ، "التأتأة" في الكلام وعدم ترابط الحديث وتعب وفتور وخمول وعدم الاهتمام بالصحة إلى جانب احمرار العين مع اتساع حدقة العين.
ويشير حسن القريش وهو موظف صحي يبيع الادوية في متجر صغير بين شارعي ابي نواس والسعدون في بغداد ، الى ان العقاقير الطبية ذات الاستخدام المزدوج ، تنال اهتمام متعاطي المخدرات . والمقصود بالعقاقير هي حبوب لمرضى الصرع والإمراض العقلية والاكتئاب.
تقول هند طالبة مدرسة اكتشفت ان صديقتي مدمنة مخدرات بعد ان أوهمتني أنها حقنات لداء السكري ، لكن وجهها الأصفر ويداها المرتعشتان وكلامها المتلعثم ، كل ذلك فضحها أمام الجميع" وما لبثت زميلتي ان اختفت فلم تعد تحضر الى المدرسة بعدها تبين أنها في البيت أسيرة "الإدمان" .
وكشفت الدراسات المتخصصة أن اغلب المهن التي يعمل بها الأطفال هي أعمال ومهن غير جيدة، لا تعدّهم للحياة، ولا لسوق العمل، وتتمثل في بيع الأكياس البلاستيكية (40%)، ودفع عربات الأحمال (40%)، وصباغة الأحذية (10%)، والحمالة ( 10%). وتوجد مهن أخرى، كبيع الخمور، والأدوية المهلوسة والعقاقير النفسية. كما بينت ان ما معدله ( 3%) منهم يتعاطون مواد مخدرة ( كالسيكوتين، والتنر) ويتناولون حبوب "الفاليوم" لانهم يعانون صعوبات في النوم.
والمشكلة الكبرى هي ان الاطفال يشاركون عصابات المخدرات في بيعها مما ساهم في توسيع تجارة المخدرات، حيث هناك سوق ضخم لتجارة المخدرات في العراق، ويشكل الأطفال في هذا السوق أعمدة رئيسة داخل عصابات تجارة المخدرات، وذلك بحسب ما ذكره يحيى خليل أحد العاملين في منظمات NGO المحلية ببغداد.
وأضاف بأن " العصابات عادة تستهدف الأطفال ممن فقدوا عزيزاً عليهم أو ممن يعملون في الشوارع بحكم ظروفهم الاقتصادية القاسية، كما يوفرون تجار المخدرات العمل والمساعدة، والقدرة على جذب الأطفال إليهم بسهولة، خاصة من يتعاطى منهم المخدرات". فمن المألوف مشاهدة أطفال يبيعون المخدرات في بعض ضواحي العاصمة، والضواحي الفقيرة حيث يستطيع الأطفال الحركة بسهولة أكثر لتوصيل المخدرات دون إثارة الشكوك، كما يستطيعون إيجاد منافذ لتصريف المخدرات بسهولة أكثر قرب المدارس وداخلها.
من نماذج هؤلاء الاطفال، رعد عبد الله (13 عام)، يعمل لحساب عصابات المخدرات. يطوف يومياً في شوارع بغداد بحثاً عن عملاء جدد لشراء المخدرات "عملائي الرئيسيون هم من الشباب الأحداث، بل أن النساء كذلك يشترين كمية جيدة، وحتى يدفعن ثمناً أفضل، إنهم (العصابة) يدفعون لي 5% من قيمة مبيعاتي، علاوة على تزويدهم لي مرة واحدة في الأسبوع بكمية من "الماراجونا" لاستعمالي الخاص، أرى من واجبي تقسيم كمية المخدر بيني وبين أخي الذي أوجد لي هذا العمل.
ويؤكد الباحث الاجتماعي إسماعيل أحمد ان المسؤول عن اقبال الشباب على المخدرات هي المؤسسات الحكومية ومنظمات المجتمع المدني بسبب غياب حملات التثقيف والتوعية حول خطورة الإدمان واضراره وكيفية مواجهته وطرق العلاج. وفى نفس الوقت لابد من التعامل بإنسانية مع المدمنين كونهم مرضى في حاجة ماسه للعلاج وليس للعقاب.
وفي ظل عدم وجود مراكز لعلاج الإدمان مع تنامي الإدمان بين الشباب، يعرض المدمن للموت وخاصة مع توقفه المفاجئ عن تعاطى المخدرات وبدون علاج، وهنا يكون دور المؤسسات الحكومية والخاصة في توفير مراكز لعلاج الإدمان لتشجيع المدمنين على الإقلاع عن تعاطى المخدرات، خاصة في البدايات الأولى.
أرسل تعليقك