بغداد - نهال قباني
كشفت إحدى الدراسات أن تلوث الهواء الناجم عن الحرب يُعد عاملًا رئيسيًا في إعلان العراق عن عيوب خلقية وأمراض سرطانية تنتشر فيه. وأظهرت أن تعرض الإنسان للمعادن الثقيل والسامة من انفجار القنابل والرصاص والذخيرة لا يؤثر فقط على المستهدفين مباشرة عن طريق القصف، ولكن يؤثر أيضا على الجنود والناس الذين يعيشون بالقرب من القواعد العسكرية وفقا لبحث نشر في مجلة Environmental Monitoring and Assessment، وأوضحت موزغان سفابسفاهاني عالمة السموم الإيراني ومؤلفة الدراسة أن "هناك مستويات مقلقة من الرصاص وجدت داخل أجسام الأطفال وأسنانهم في العراق، مع تشوهات خلقية فضلا عن ظهور تشوهات مماثلة في الأسنان لدى الأطفال اللبنانيين والإيرانيين، وتوجد مستويات عالية من الرصاص في الأسنان اللبنية للأطفال العراقيين، حيث وجدت نسبة من الرصاص تزيد بمقدار 50% في أسنان الأطفال العراقيين عن الأطفال في لبنان وإيران".
وتنبع أهمية الدراسة من عدم وجود بحوث كافية بشأن الكيفية التي أثرت بها سنوات الحرب على السكان المدنيين في منطقة الشرق الأوسط، وأصبح من الصعب جمع البيانات بشأنها. وأشارت التحقيقات التي أجريت من قبل إلى زيادة حادة في العيوب الخلقية والولادة المبكرة والإجهاض وحالات سرطان الدم في العراق ومناطق الحرب الأخرى. ودعمت الدراسة فكرة دمار الصحة على المدى الطويل لعدة آلاف من الجنود الأميركيين السابقين بسبب تلوث الهواء الناجم عن الاحتراق غير المنظم لكميات ضخمة من النفايات العسكرية في مئات من حفر الحرق خلال الحرب على العراق، وتم تشخيص نحو 85 ألف جندي أميركي في العراق لدى سجل الحكومة بمشاكل في الجهاز التنفسي وأمراض السرطان والأمراض العصبية والاكتئاب وانتفاخ الرئة منذ عودتهم الى العراق، وتعرض نصفهم تقريبا إلى حفر الحرق.
وتم توثيق عدد القتلى والمصابين بين الجنود في إفادات قدامى المحاربين للوزارة وفي كتاب جديد بعنوان The Burn Pits استنادا إلى مقابلات مع 500 من قدامى المحاربين الذين تعرضوا للتلوث، وكشف المحاربون القدامي كيف تم حرق العلب المعدنية والإطارات المطاطية والذخيرة والمتفجرات والبراز البشري وجثث الحيوانات والبطاريات والنفايات المعدنية الثقيلة خلال الحرب على العراق.
وذكر جوزيف هيكمان مؤلف الكتاب ورقيب الجيش السابق " كان هناك 270 حفرة حرق تعمل يوميا لمدة سنوات، وبعضها ما زال يحترق حتى اليوم، وأدت هذه المواد المحترقة إلى سحابة من مواد سامة حلقت فوق القواعد العسكرية وتسربت أثناء نوم الجنود ومواقع العمل التي كانت على بعد ميل أو أقل، وأخبرني المحاربون القدامى أن الدخان مزعج لكنه لا يشكل خطرا، وكانت بعض حفر الحرق أسوأ من غيرها، وغطت إحداها في قاعدة بلد 10 فدادين وحُرق فيها 50 طنًا من القمامة يوميا، ولم تكن هناك قواعد بشأن ما يمكن أن يحترق ، ولكن يحُرق أي شيء يعد من النفايات".
ورصدت دراسة أخذت عينات من الهواء من قبل وزارة الدفاع الأميركية في قاعدة "بلد" عام 2008 مستويات عالية من الجسيمات والهيدروكربونات والمركبات العضوية المتطايرة فضلا عن الديوكسين والفوران، وسقطت آلاف الأطنان من مبيدات الأعشاب التي تحتوي على الديوكسينات القاتلة في الغابات الفيتنامية في 1970 إلا أنه لم يتم الاعتراف بالآثار الصحية على قدامى المحاربين والمحليين رسميا إلا بعد 27 عاما. وتابع هيكمان " وكان من المفترض استخدام النيران في الهواء الطلق في العراق كإجراء مؤقت حتى يمكن وضع المحارق في مكان ما، لكن حفر الحرق استمرت في العمل خلال معظم الحروب ولا يزال بعضها يعمل حتى وقت متأخر من عام 2015".
وتُعرف الأدلة على آثار التلوث على المجتمعات العراقية بالكاد نتيجة قلة الأبحاث إلا أن موزغان أوضحت أن آثار تلوث الهواء مدمرة، مضيفة " نحن نعلم أنهم أحرقوا المبيدات والأدوية والمواد الكيميائية والمذيبات والنفايات الطبية والمعادن الثقيلة السامة وكلها مواد ملوثة للبيئة للغاية، وكانت هناك سحب سوداء كثيفة من التلوث ليلا ونهارا، ونبهت إلى التلوث عندما كنت أعيش بالقرب من البصرة عند بداية الغزو، وأجهضت العديد من النسا في الجامعة حيث كنت أدرس، إلا أنه كان من الصعب الحصول على عينة أنسجة من العراق وأجريت بحوثات قليلة على تلوث الهواء بالنسبة لمن يعيشون بالقرب من حفر الحرق، ووجدنا مستويات عالية من زئبق والرصاص والتيتانيوم ومختلف المعادن السامة في شعر الأطفال وأبائهم الذين يعانون من اضطرابات أو عيوب خلفية، ما أظهر أن التلوث بالمعادن حدث منذ عام 2003 مع تزايد الاضطرابات والعيوب".
وتابعت موزغان " يمكننا ملاحظة أنه مع بدء القصف ظهرت العيوب الخلفية، وفي مايو/ أيار 2010 عاني 15% من بين 547 طفلا ولدوا في مستشفى البصرة من عيوب خلقية خطيرة وهذا على نقيض النسبة العادية التي تتراوح من 2-4%، وزادت النسبة لاحقا في 2010 لتصل إلى 30%، وينتهي التلوث في الجسم خاصة مع تنفس الناس لهواء ملوث بمستويات عالية ما ألحق أضرارًا كبيرة بالناس"، إلا أنه لا يمكن معرفة النطاق الكامل للتلوث من سنوات الحرب في المنطقة.
أرسل تعليقك