كابول ـ أعظم خان
أصر الوزير السابق في حركة طالبان أغا جان معتصم أن الآن هو الوقت المناسب للسلام في أفغانستان في ظل إحراز الحركة تقدما إقليميا مع قصف العاصمة أسبوعيا، وهو ما يجعل الحديث عن السلام في أفغانستان يبدو أقل احتمالا، ووضع السيد معتصم المقرب من الملا محمد عمر مؤسس طالبا نفسه كمفاوض خلفي بين المتمردين والحكومة الأفغانية على مدى السنوات الثماني الماضية، ويعيش معتصم مختبئا معظم الوقت في رحلات مكوكية بين العديد من مدن الخليج الفارسي وتركيا وأفغانستان، ويعقد اجتماعاته في دور الضيافة الحكومة ذات الحراسة المشددة.
وأوضح معتصم في مقابلة نادرة استمرت 4 ساعات أن الظروف المتغيرة في أفغانستان والضغوط الجديدة على طالبان تشير إلى نمو مطالب السلام داخل الحركة، وتحدث معتصم شريطة عدم الكشف عن مكان المقابلة بسبب المخاوف الأمنية والتبعات السياسية لعمله، ويعد السيد معتصم واسمه الكامل سيد عبد الوصي معتصم معروف بشكل جيد لدى الدوائر الاستخباراتية والدبلوماسية،
حيث كان قبل 3 سنوات على لائحة العقوبات التي فرضها مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة وعلى قائمة المطلوبين من قبل الولايات المتحدة، وأوضح علنا أن طالبان مستعدة لمحادثات سلام إلا أنه ثبت خطأ قوله، وتغذي إدانة طالبان العلنية له من عدة سنوات تساؤلات حول مدى صلته بدوائر التمرد الداخلي، ولكن مع تعثر عملية السلام على مدى العامين الماضيين أمسك السيد معتصهم بالعصا مرة أخرى.
وأصر السيد معتصم على تزايد آفاق المحادثات مشيرا إلى اجتماع مجلس قيادة طالبات مؤخرا في البلدة الحدودية الباكستانية كويتا ووافق المجلس على المضي قدما في مفاوضات السلام، وتم التوصل إلى بعض الشخصيات من طالبان لكنهم أشاروا إلى أنه لم يتم حل المسألة، وبين معتصم لاحقا أن عدد من أعضاء مجلس قيادة طالبان طلبوا منه استئناف المفاوضات مع الحكومة الأفغانية، ويعد السيد معتصم من القلائل في العالم الذين يمكنهم لعب دور الوسيط على نحو مشروع، إلا أن تجاربه الشخصية تشير إلى مخاطر محاولة التفاوض على السلام، ويمشي السيد معتصم بشكل أعرج بعد نجاته بأعجوبة من محاولة اغتيال عام 2010 ، وتعيش عائلته في منفى بينما يعيش هو حياه سرية.
وجاء السيد معتصم (45 عاما) من معقل طالبان في ولاية قندهار ويحمل لقب "السيد" الذي يدل على أن عائلته تنحدر من نسل النبي محمد، وانضم كطالب دين إلى المجاهدين لمدة عام في نهاية الحرب ضد الاتحاد السوفيتي، ثم انضم إلى حركة طالبان عندما تشكلت عام 1994 في قندهار، وكان قريبا من الملا عمر عندما كان في السلطة حيث كان يتناول وجبات الطعام معه ويشرف على سلامته، لكنه أوضح أنه لم يره بعد سقوط حكومة طالبان عام 2001، وأعادت حركة طالبان تنظيم نفسها في كويتا في باكستان إلا أنه أوضح أنهم لم يلتقوا قط مع الملا عمر، وكان هناك فقط اثنين من الرسل الشخصيين الذين يمكنهم الوصول المباشر للزعيم حتى أن اقاربه لم يروه حسبما أفاد السيد معتصم.
وكان السيد معتصم في قلب الحركة عندما انتظمت لمواجهة التمرد ضد الوجود العسكري الأميركي في أفغانستان والحكومة التي تدعمها، وبين معتصم أنه تم رفض محاولة مبكرة لتحقيق المصالحة من خلال حاكم قندهار ولذلك لم يكن لدى طالبان خيار سوى القتال، وقاد السيد معتصم لجنة المالية واللجنة السياسية للحركة وسافر كثيرا إلى المملكة العربية السعودية في جولات لجمع الأموال، وأصبح معروفا لدى السعودية، وعندما طلب الرئيس الأفغاني حامد كرزاي من العاهل السعودي التوسط للسلام مع حركة طالبان جند السعوديون السيد معتصم للمساعدة، وبدأ معتصم دعم المفاوضات باعتباره رئيس اللجنة السياسية للحركة، وأفاد معتصم أنه التقى مرتين شقيق السيد كرزاي في 2008 و2009، وعمل الإثنان بنجاح على تدابير بناء الثقة التي ركزت على إنهاء هجوم حركة طالبان على المدارس والمسؤولين الحكوميين، وعملت الحكومة من جانبها على إطلاق سراح سجناء طالبان وإزالة قادتهم من قوائم العقوبات وهو ما أكده مسؤولون أفغان ودبلوماسيون غربيون.
وتعرض السيد معتصم لإطلاق النار بواسطة أحد المسلحين في أغسطس/ أب 2010 أثناء تواجده في سيارته في منزله في كراتشي في باكستان، وعندما سقط السيد معتصم من السيارة ذهب إليه المسلح وأطلق 12 رصاصة على رأسه وبطنه وساقيه، ما تركه في المستشفى غير قادر على الحديث لعدة أشهر وانتهت مبادرة السلام التي قادتها السعودية، ويتذكر معتصم " رأيت الخطر واعتدت على تحذير الناس من خطر محتمل، لكني قلت لهم أنني سأقبل الخطر من أجل وطني وشعبي بحيث نجلب الاستقرار للناس"، وغادر السيد معتصم باكستان مع عائلته لتلقي العلاج الطبي في تركيا وعاد إلى صنع السلام، حيث تم إبعاده من قائمة عقوبات الولايات المتحدة وقائمة الإرهابيين المطلوبين عام 2013، وبعد عام نجح معتصم في جمع 22 وزيرا من طالبان ومجموعة من القادة في دبي للقاء كبار المسؤولين الأفغان وأعضاء المجلس الأعلى للسلام الأفغاني.
وذكر معتصم على مستوى دعم السلام " كان لدينا الكثير من المناقشات وحققنا الكثير في طريقنا نحو السلام"، إلا أن معتصم أصبح لديه أعداء حيث أعلنت طالبان أنه لم يعد ممثلا للحركة، وقٌتل نائبه في المحادثات عبد الرقيب تخاري وزير اللاجئين السابق لدى طالبان عند عودته إلى منزله في بيشاور في باكستان، واعتُقل السيد معتصم من قبلا لشرطة في دبي لمدة 22 يوما، وأطلق سراحه بعد ضغط من الحكومة الأفغانية، وامتنع معتصم عن ذكر مصدر محاكمته لكنه أوضح أنه اضطر إلى الهرب من باكستان، موضحا أن الطريق القادم لحركة طالبان والحكومة الأفغانية لإجراء محادثات مباشرة وتنسيق العلاقات الخارجية، وتابع معتصم " إنها عملية طويلة، ولذلك يجب أن يكون لدينا العديد من اللجان والتجمعات من شيوخ القبائل من حركة طالبان نفسها، وهناك حاجه للمزيد من البحث، ثم نمضى خطوة خطوة إلى الأمام".
ويحظى السيد معتصم بصبر دبلوماسي وضيافة كريمة وهي سمة مميزة للأفغان، وحرص على إجابة أسئلة استمرت ساعات بهدوء، وهو يقدم لضيوفه الكباب والأرز ويوزع الهدايا لهم في نهاية المطاف، وبدى معتصم متحدثا عن نفسه جزئيا عندما قال أن حركة طالبان على استعداد للمشاركة في الحياة السياسية الأفغانية وأنهم يريدون العودة إلى وطنهم بكرامة، وأفاد معتصم أنه لم يتلق تعليمات مباشرة من زعيم طالبان الجديد الملا هبة الله لكنه أوضح أنه يتفهم أن التعليمات جاءت بعقابه، وأضاف معتصم " بشكل غير مباشر ربما يأتي ذلك من جانب فريقه، ففي الماضي لم يُطلب مني النضال من أجل السلام ولكن الأن زادت الرغبة"،
وبين معتصم أنه على الرغم من المكاسب على أرض المعركة إلا أن طالبان تعاني من ضغط شديد وتشعر بالخسائر بما في ذلك الملا عمر الذي أعلنت وفاته العام الماضي، وخليفته أختر محمد منصور الذي قٌتل في غارة أمريكية في ملاذ طالبان في باكستان في مايو/ أيار الماضي، وأردف معتصم " إنهم يقولون أنهم إذا اختاروا صنع السلام فيجب أن يكون قادتهم على قيد الحياة"، وأشار معتصم إلى أن التحول الأهم لصالح السلام هو الانسحاب الرئيسي للقوات الأمريكية بعد عام 2014، حيث لا يمكن لطالبان النظر في محادثات السلام بينما تشن عشرات الآلاف من القوات الأجنبية عمليات هجومية في أفغانستان، إلا أن الترتيب الحالي لوجود عدد أقل من الجنود المقيدون بموجب اتفاق أمني لضبط النفس سيكون أمرا مثبولا لدى طالبان، وتابع معتصم " إذا كان هناك جهد حقيقي نحو السلام فيجب أن يختار جميع الأفغان صنع السلام".
أرسل تعليقك