بعدما أعلنت وزارة القصور الملكية والتشريفات والأوسمة، عن تعيين سعد الدين العثماني، عن حزب العدالة والتنمية، من جانب الملك محمد السادس، بمقتضى الدستور 2011، رئيسًا للحكومة، وتكليفه بتشكيل الحكومة الجديدة، سالت الأقلام، وتوقفت التساؤلات عن قائد الحكومة الجديدة التي سترى النور خلال الأيام المقبلة.
وتمكن سعد الدين من أن يشق طريق حياته بنفسه، وأن يصل إلى مستويات أفرحت عائلته، كما تمكن أن يمثل المغرب أحسن تمثيل وهو يحمل حقيبة وزارة الخارجية، وفي هذا الإطار تستعرض "المغرب اليوم" لقرائه نبذة عن حياة رئيس الحكومة الجديدة.
بين جبال سوس، وفي مدينة انزكان المجاورة لمدينة أغادير، عرفت عائلة العثماني من أعرق العائلات الأمازيغية، والتي وصفها العلامة محمد المختار السوسي بأنها ثانية أسرتين في المغرب تسلسل فيهما العلم أكثر من ألف عام، وأفرد لترجمتها نحو 160 صفحة في كتابه الموسوعي "المعسول"، عدد فيها مناقبها في العلم والوطنية.
هذه العائلة رُزقت في شهر كانون الثاني / يناير 1956، بطفل أُعطي له اسم سعد الذين، ترعرع بين أحضان الطبيعة وشرب من قساوتها، وتتلمذ على يد مشايخها الكبار، لم يقف تعليمه في الكتاب وعلى يد مشايخ المغرب، بل قام والده بإدخاله إلى المدارس العمومية في بادية استقلال المغرب، ليحصل على أعلى الشهادات، وبعد حصوله على شهادة الباكلوريا ولج العثماني إلى كلية الطب، دون أن يهمل دراسته للشريعة الاسلامية، إذ راكم ابن انزكان تكوينًا أكاديميًا عالي المستوى يمزج بين الطب وعلوم الشريعة، فحصل على الدكتوراه في الطب العام من كلية الطب والصيدلة في الدار البيضاء (1986)، ودبلوم التخصص في الطب النفسي في المركز الجامعي للطب النفسي، في المدينة ذاتها (1994)، قبل أن يلتحق للعمل في مستشفى الأمراض النفسية في مدينة برشيد (1994 – 1997).
وشغل العثماني مناصب متعددة، ففي المجال المهني عمل طبيبًا عامًا قبل أن يتخصص في الطب النفسي في المركز الجامعي للطب النفسي في الدار البيضاء، ثم في مستشفى الأمراض النفسية في مدينة برشيد جنوبي الدار البيضاء، وبالموازاة بصفته كطبيب يعتبر العثماني عضوًا بالمكتب التنفيذي لجمعية علماء دار الحديث الحسنية منذ 1989، وعضو مؤسس للجمعية المغربية لتاريخ الطب، وعضو مكتب مؤسسة الحسن الثاني للأبحاث العلمية والطبية حول رمضان، ومسؤول اللجنة الشرعية بها
في إنزكان تعرف العثماني على الراحل عبد الله بها، وأسس معه جمعية الشبان المسلمين، لكن سرعان ما غادر الشابان إنزكان، العثماني إلى كلية الطب في الدار البيضاء، وعبد الله بها إلى معهد الحسن الثاني للزراعة والبيطرة في الرباط، ووجد نفسه في قلب المعترك السياسي وفي لجنة النقاشات الداخلية لتنظيم الشبيبة الإسلامية، الذي كان يعيش فترة حرجة بسبب تداعيات تورط بعض أعضائه في عملية اغتيال عمر بن جلون في كانون الأول/ ديسمبر 1975، في حين فجرت عملية اغتيال عمر بن جلون داخل التنظيم نقاشات حادة حول أساليب العمل وجدوى استعمال العنف، أدت إلى انشقاقات وظهور تنظيمات جديدة منها الجماعة الإسلامية التي تأسست عام 1981 بمبادرة عبد الإله بنكيران، وانضم إليه العثماني وعبد الله بها ومحمد يتيم والأمين بوخبزة.
ورغم انشقاق العثماني ورفاقه عن تنظيم الشبيبة، واستنكارهم لتوجهاتها، فإنهم لم يسلموا من حملة اعتقالات في بداية 1981 وسط التيارات الأصولية بسبب توزيع الشبيبة الإسلامية لمنشورات معادية للنظام، ومن داخل السجن أعلن بنكيران باسم رفاقه انفصالهم عن تنظيم الشبيبة الإسلامية وتبرأهم من عبد الكريم مطيع وأتباعه.
ودخل العثماني معترك الحياة السياسية مع عدد غير قليل من أبناء حركة "التوحيد والإصلاح" من بوابة حزب الحركة الشعبية الدستورية الديمقراطية بقيادة الدكتور عبد الكريم الخطيب، بعدما اقتنعوا أن العمل السياسي باب من أبواب الإصلاح والتغيير من داخل العمل القانوني والمؤسساتي، كما فسح الطريق أمام دخول حركة العثماني ورفاقه للمعترك السياسي، لكن ليس عن طريق تأسيس حزب سياسي جديد وإنما عبر احتضانها من طرف حزب الحركة الدستورية الديمقراطية لعبد الكريم الخطيب الذي كان يحظى بتقدير وثقة كبيرين من الحسن الثاني.
كان حزب الخطيب، الذي تأسس في عام 1967 بعد انشقاقه عن الحركة الشعبية، مجرد صدفة شبه فارغة عندما فتح بابه لرفاق العثماني عقب سنوات من الجمود ومقاطعة الانتخابات، فوجد الحزب في رفاق العثماني، الذين انفتح عليهم في عام 1996، دفعة جديدة وقواعد عريضة، حيث دخل الحزب الانتخابات التشريعية في عام 1997 بشكل حذر ورشح عددًا محدودًا من المرشحين، غير أنه حقق المفاجأة بفوزه بجميع المقاعد التسعة التي ترشح لها، ليبدأ العثماني ورفاقه بعد ذلك مسارًا جديدًا، مع تغيير اسم الحزب إلى العدالة والتنمية عام 1999.
وتولى العثماني إدارة حزب الحركة الشعبية الدستورية الديموقراطية (العدالة والتنمية لاحقًا) من يناير/كانون الثاني 1998 إلى نوفمبر/تشرين الثاني 1999 حيث أصبح نائبًا لأمينه العام، كما انتخب لعضوية مجلس النواب في الولاية التشريعية 1997-2002 ثم في الولاية 2002-2007، والولاية 2007-2011، وتقلد منصب نائب رئيس لجنة الخارجية في مجلس النواب (2001- 2002)، وانتخب عام 2004 أمينًا عامًا لحزب العدالة والتنمية، ورئيسًا للمجلس الوطني للحزب مند يوليو/ تموز 2008، وانتخب للمرة الرابعة في مجلس النواب في الانتخابات السابقة لأوانها في 25 تشرين الثاني 2011.
وتولى حقيبة وزارة الخارجية والتعاون في حكومة عبد الإله بنكيران الأولى في كانون الثاني عام 2012 بعد فوز حزب العدالة والتنمية بالمرتبة الأولى بـ107 مقعد في مجلس النواب، قبل أن يغادر المنصب في النسخة الثانية للحكومة يوم 10 أكتوبر/ تشرين الأول 2013.
وكانت للعثماني إسهامات فكرية غزيرة، حيث ألف عددًا من الكتب جمعت بين الفقه الشرعي والسياسي وهي: "في الفقه الدعوي: مساهمة في التأصيل" (1989) و"في فقه الحوار" (1993) و"فقه المشاركة السياسية عند شيخ الإسلام ابن تيمة" (1997) و"قضية المرأة ونفسية الاستبداد" (1998). و"تصرفات الرسول صلى الله عليه وسلم، الإمامة: الدلالات المنهجية والتشريعية" و"الدين والسياسة: تمييز لا فصل"، وفي المجال الدعوي شارك العثماني في تأسيس "جمعية الجماعة الإسلامية" وكان عضوا في مكتبها الوطني خلال الفترة ( 1981-1991) ثم عضو المكتب التنفيذي لحركة "التوحيد والإصلاح" (1991- 1996).
الأمين العام السابق لحزب العدالة والتنمية ورئيس مجلسه الوطني الحالي، الدكتور سعد الدين العثماني، جمع بين التكوين العلمي والتكوين الشرعي، حيث درس الطب والعلوم الشرعية جنبًا إلى جنب، والشهادات التي حصل عليها في التكوينين معا هي كالآتي:
- دبلوم الدراسات العليا في الدراسات الإسلامية من كلية الآداب والعلوم الإنسانية في الرباط (تشرين الثاني 1999)، تحث عنوان "تصرفات الرسول صلى الله عليه بالإمامة وتطبيقاتها الأصولية".
- دبلوم التخصص في الطب النفسي عام 1994 المركز الجامعي للطب النفسي، بالدار البيضاء.
- شهادة الدراسات العليا في الفقه وأصوله عام 1987 دار الحديث الحسنية الرباط .
- الدكتوراه في الطب العام عام 1986، بكلية الطب والصيدلة بالدار البيضاء.
- الإجازة في الشريعة الإسلامية عام 1983 من كلية الشريعة بآيت ملول.
- شهادة الباكالوريا (شعبة العلوم التجريبية) عام 1976 بثانوية عبد الله بن ياسين بانزكان.
أما أهم الوظائف التي تم تقليدها فهي كالتالي:
- رئيس المجلس الوطني لحزب العدالة والتنمية مند تموز 2008
- الأمين العام لحزب العدالة والتنمية منذ أبريل/نيسان 2004
- نائب الأمين العام لحزب العدالة والتنمية منذ تشرين الثاني 1999.
- نائب رئيس لجنة الخارجية بمجلس النواب (2001-2002.
- نائب برلماني بمجلس النواب، الولاية التشريعية 1997-2002، ثم في الولاية 2002-2007، وعضو مجلس الشورى المغاربي (منذ عام 2002.
- مدير حزب الحركة الشعبية الدستورية الديموقراطية من كانون الثاني 98 إلى تشرين الثاني 1999.
- عضو مؤسس لحزب التجديد الوطني-1992-(تعرض للمنع من قبل السلطات).
- طبيب نفسي في مستشفى الأمراض النفسية في مدينة برشيد.
أرسل تعليقك